الحكومة المغربية تنتقد «توطين» إسبان في مدينتي سبتة ومليلية

تصاعد الجدل في المغرب حول القضية.. وتباين في مواقف الحكومة والبرلمان

TT

انتقدت الحكومة المغربية «توطين» مواطنين إسبان يتحدرون من منطقتي مالقة وألميريا في مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، بيد أنها استعملت لغة تتسم بالحذر بشأن تصاعد المطالبة بجلاء إسبانيا عن مدينتي سبتة ومليلية.

وقالت لطيفة اخرباش الوزيرة في وزارة الخارجية المغربية إن تخوف الحكومة المحلية في المدينتين من الارتفاع الديموغرافي للمغاربة، جعلها تستقطب إسبانا من مالقة وألميريا وتمنحهم فرصا للعمل والاستقرار بهدف إعادة التوازن السكاني. وأشارت اخرباش التي كانت تتحدث الليلة قبل الماضية في البرلمان إلى أن «أبناء مدينتي سبتة ومليلية مغاربة يتوفرون على الجنسية ووثائق الهوية المغربية بفعل انتمائهم إلى أراض بقيت محتلة بعد حصول باقي التراب المغربي على استقلاله» بيد أن المسؤولة المغربية لم تتطرق إلى الدعوات المتصاعدة في المغرب للمطالبة بجلاء الإسبان من المدينتين، بما في ذلك دعوات أحزاب مشاركة في الائتلاف الحكومي. بيد أنها قالت: الحكومة تتعامل مع موضوع سبتة ومليلية «بما يتطلبه من حكمة وحزم».

وفي معرض تعقيبها على المظاهرات التي قام بها مغاربة في مليلية احتجاجا على عدم توظيفهم أسوة بالإسبان على الرغم من أنهم يحملون الجنسية الإسبانية قالت: «إن الحكومة تتعامل مع هذا الموضوع بما يتطلبه من حكمة وحزم ولا تتوانى عن إثارته مع الجهات الإسبانية وفي المحافل الدولية». وقالت اخرباش إن الحكومة المغربية تعمل أيضا على المطالبة بضمان الحماية الضرورية لأرواح وممتلكات المغاربة بالمدينتين المحتلتين «طبقا للقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية المنظمة لوضعيات الأشخاص على أراض متنازع عليها، علما أن المغرب بمختلف مكوناته ما فتئ يطالب بإنهاء هذا الوضع الذي يعتبره مؤقتا، واسترجاع سيادته على المدينتين المحتلتين». وأضافت: «إن الحكومة تتابع عن كثب انتفاضة سكان المدينتين والتي جاءت نتيجة تراكم عدد من الأحداث والممارسات المجحفة من طرف السلطات الإسبانية تجاه السكان الأصليين».

وكان البرلمان المغربي طالب بغرفتيه استرجاع المدينتين وإحالة ملف القضية على اللجنة الرابعة الأممية لتصفية الاستعمار بالتزامن مع عزم جمعيات مدنية تنظيم مسيرة شعبية غدا في اتجاه مليلية، وفي غضون ذلك قالت ترينيداد خمينيث وزيرة الخارجية الإسبانية إن «إسبانية المدينتين» غير قابلة للنقاش وإن الأمر غير مطروح في أجندة العلاقات بين حكومتي الرباط ومدريد، مشيرة إلى أن الحكومة المغربية لم تتخذ أي موقف بشأن القضية، وأن البرلمان المغربي هو من صادق على قرار بشأن فتح ملف المدينتين. وانتقد خوان خوسي إيمبرودا، رئيس الحكومة المحلية لمليلية إصرار المغرب على المطالبة بالسيادة على المدينتين، معتبرا المطلب «حماقة كبيرة». وفي السياق نفسه قالت لطيفة بناني سميرس، رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب الاستقلال الذي يقود الائتلاف الحكومي، لـ«الشرق الأوسط» إن مطلب «تحرير مدينتي سبتة ومليلية كان دائما قائما بالنسبة لحزب الاستقلال، وكذلك الشأن بالنسبة لكافة الشعب المغربي».وحول موقف الحكومة من هذا الموضوع، قالت سميرس إن عباس الفاسي رئيس الوزراء يطرح دائما هذا الملف في لقاءاته مع المسؤولين الإسبان في مختلف المناسبات، وكذا خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية الإسبانية، حيث سبق أن اقترح إنشاء خلية لتدارس هذا الموضوع، وأضافت سميرس أنه «لم يعد مقبولا أن يطرح ملف احتلال سبتة ومليلية بهذه الطريقة، بما أن الإسبان أصبحت لهم وجهة نظر أخرى» وزادت قائلة: «إذا لم يستجب الإسبان لمطلب المغرب باسترجاع المدينتين فلا بد من الذهاب إلى الأمم المتحدة». على حد تعبيرها.

وردا على ما قالته وزيرة خارجية إسبانيا من أن ملف المدينتين غير مطروح على أجندة حكومة البلدين، قالت سميرس: «إذا لم يكن الملف موضوعا على أجندتها فعليها أن تضعه». وأضافت: «سبتة ومليلية كما تعرف إسبانيا أراض مغربية، ومن الضروري أن يبدأ الحديث بالوضوح الكافي حول هذه القضية حتى لا يبقى الشعب الإسباني يعتقد أن المغرب يطالب بما ليس له حق فيه».

من جهته قال لحسن الداودي رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض لـ«الشرق الأوسط» إنه على الحكومة المغربية أن تخضع للمنطق الشعبي وأن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذه القضية، وأضاف نحن غير متفقين بخصوص عدم طرح ملف سبتة ومليلية بشكل رسمي من قبل الحكومة، التي عليها أن تساير الموقف الشعبي (من وجهة نظره). أما محمد اليازغي، وزير الدولة المغربي فاكتفى بالقول «ليس لدي ما أقوله حول هذا الموضوع».

وقال عبد الحفيظ ولعلو، نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية لـ«الشرق الأوسط»، إن المغرب ظل يفضل التعامل مع ملف مدينتي سبتة ومليلية بهدوء ورزانة وحكمة، وفي إطار الحوار والاحترام المتبادل بين البلدين، نظرا للعلاقات المتميزة التي تجمع المغرب وإسبانيا على المستويات الاقتصادية والتجارية والسياسية. وأضاف أن الملك الراحل الحسن الثاني وفليبي غونزاليس، رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، كانا اقترحا إحداث لجنة تشاورية بين البلدين لدراسة هذا الملف واقتراح حل سياسي متوافق عليه، وكان الهدف من إنشاء اللجنة، حسب رأيه، هو تأكيد أن السيادة المغربية على المدينتين والجزر المجاورة لهما غير قابلة للنقاش، نظرا لعوامل تاريخية تدخل في إطار استكمال الوحدة الترابية للمغرب، وإنهاء الاستعمار في منطقة شمال أفريقيا، في مقابل احترام المصالح الاقتصادية للسكان الإسبان القاطنين بالمدينتين وأوضح ولعلو أن الملك الحسن الثاني وغونزاليس اتفقا على أن تفضي اللجنة التشاورية إلى التوقيع على اتفاقية مصادق عليها من طرف البرلمانين المغربي والإسباني، وذلك تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة حتى يكون الاتفاق معترف به دوليا. إلا أن هذا الاقتراح لم يتم تفعيله على أرض الواقع، على حد قوله.

وأشار ولعلو أنه مع مرور الوقت هذا الاقتراح لم يطبق بسبب ما عرفته العلاقات المغربية الإسبانية من هزات، من بينها أزمة جزيرة ليلى، ثم الاستفزازات والسلوكات التميزية التي تعرض لها المغاربة على الحدود مع مليلية، وصولا إلى القرارات الأخيرة الصادرة عن ممثلي الحزب الشعبي الإسباني المتطرف المعروف بعدائه للمصالح المغربية، وحنينه إلى الماضي الاستعماري، على حد تعبيره. وتعليقا على موقف البرلمان المغربي الذي طالب بتحرير المدينتين من الاستعمار الإسباني تحث إشراف الأمم المتحدة، قال ولعلو إن موقف البرلمان المغربي جاء ردا على موقف البرلمان الإسباني الذي طالب بمراجعة العلاقات مع المغرب، وبالتالي فهو «موقف مشروع» برأيه. وأضاف: «أصبح من واجب الحكومة أن تطرح هذا الموضوع بشكل رسمي، فهو مطلب تاريخي ثابت، فالمغرب منذ احتلال المدينتين وهو يطالب بتحريرهما». وأشار ولعلو إلى أنه «كانت هناك محاولات عسكرية من جانب المغرب منذ القرنين الثامن والتاسع عشر لاسترجاع المدينتين بالقوة، إلا أن التفوق العسكري الإسباني لم يسمح بذلك».

وقال ولعلو: «نحن الآن في عالم يتطور، وحل المشكلات العالقة بين الدول يتم بالحوار والحلول السياسية كما هو الشأن بالنسبة لنزاع الصحراء حيث إن المغرب فضل دائما الحوار والحل السياسي العادل تحت مظلة الشرعية الدولية».

وأشار ولعلو إلى أنه على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار المواقف المعبر عنها من طرف كل الفرق البرلمانية وكذا تحرك المجتمع المدني، ليس في إطار المزايدات بل في إطار المشروعية الدولية احتراما للسيادة الوطنية ودفاعا عن الوحدة الترابية.

وأوضح ولعلو أن استرجاع المدينتين مرتبط بعمل دبلوماسي جيد، إلى جانب قوة الدبلوماسية الموازية التي تقودها الأحزاب والمجتمع المدني المغربي من أجل التأثير على الرأي العام الدولي والإسباني. وزاد قائلا: «نحن نتضامن مع إسبانيا لاسترجاع جبل طارق من الاستعمار البريطاني، وفي نفس الوقت نطالب إسبانيا باحترام الوحدة الترابية للمغرب، فالبلدان محكوم عليهما التعاون بالنظر للمصالح المشتركة، وما يتطلبه الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتدعيم الشراكة الأورومتوسطية» على حد قوله.