مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: أمانو يحتاج إلى إنعاش اتفاق تبادل الوقود النووي

تسريبات «ويكيليكس» تنعكس على العلاقة بين طهران ومدير وكالة الطاقة الذرية

TT

يبدو أن لعنة «ويكيليكس» ستلاحق مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتفاقم من أزمة الثقة المفقودة بين طهران وفيينا، لكن يجب على يوكيا أمانو، أن يتحرك سريعا، وأن يبادر برحلات مكوكية وجولات دبلوماسية حتى ينجح في إنعاش اتفاقية تبادل الوقود وتجديد طرحها على مائدة التفاوض، باعتبارها معبرا متينا يمكن أن يجسر الطريق بين طهران والمجتمع الدولي.

ذلك هو ما صرح به مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط» بجنيف أثناء محادثات اليومين الماضيين بين إيران ومجموعة «3 زائد 3» أي الدول الست الكبرى المفاوضة لطهران حول ملفها النووي.

بدورها طرحت «الشرق الأوسط» هذا المنطق على دبلوماسيين غربيين بفيينا فأجمعوا على صحته. وفيما وصف أحدهم أمانو بأنه أول ضحايا «ويكيليكس»، ذكر آخر أن طهران ومنذ أيام المعركة الحامية لانتخاب أمانو مديرا للوكالة لم تبد ارتياحها له، خشية أن ينحاز للدول الغربية التي تتشكك في سلمية النشاط النووي الإيراني وتتهمه بخفايا عسكرية. ثم نشرت «ويكيليكس» الوثائق المسربة كاشفة أن أمانو أكد لدبلوماسيين أميركيين أنه معهم قلبا وقالبا وفي كل المواقف بخصوص القضايا التي تبحثها الوكالة وأكثر، ورغم أن ما جاء على «ويكيليكس» ليس جديدا فقد رددته طهران مرارا.

ووفقا للمصادر، فإن التسريبات زادت الأجواء بين طهران وفيينا جفاء، رغم أن إيران تجاهلت حتى اللحظة ما قيل عن أمانو ولم تدل بأي تعليق، إلا أن بوادر هذا الجفاء قد انعكست في رفض قوي أبداه الوفد الإيراني لاقتراح بالعودة إلى فيينا كموقع للجولة الثانية للمفاوضات بين إيران والمجموعة الدولية، مصرة على اسطنبول كمقر للجولة التي اتفقوا عليها يناير (كانون الثاني) المقبل.

من جانبها، امتنعت مصادر لـ«الشرق الأوسط» داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التعليق. مشيرة إلى أن مدير عام الوكالة نفسه امتنع عن التعليق حول ما سربته «ويكيليكس». وكان أمانو قد تمسك بعبارة «لا تعليق» باعتبار أن «ويكيليكس» سربت وثائق تخص دولة عضوا بالوكالة، فلا يحق له أن يعلق على خصوصياتها.

وكانت «الشرق الأوسط» قد سألته في آخر مؤتمر صحافي عقده 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عقب الجلسة الافتتاحية الدورية التي عقدها مجلس أمناء الوكالة، إن كان يرغب في نفي ما كشفته ويكيليكس فتمسك بـ«لا تعليق» ومن ثم سألته «الشرق الأوسط» إن كان بإمكانه الحديث حول هذه التسريبات مع المندوب الإيراني لدى الوكالة السفير علي أصغر سلطانية، فأوضح أن الحوار بينه وبين سلطانية مفتوح حول المواضيع كافة، مضيفا أنه لم يتلق شكوى من أي مندوب بشأن ما تم تسريبه.وتشير المصادر إلى أن الفرصة قد تتاح لأمانو لو نجح في إقناع الأطراف ذات الصلة بمقترح تبادل الوقود بلقاء لتفعيل المقترح الذي تجمد وإن كانت أطرافه كافة تؤكد أنه لا يزال مطروحا.

وكان الدكتور سعيد جليلي الذي قاد الوفد الإيراني لمحادثات جنيف يومي 6 و7 الماضيين، قد وجه اللوم للدول الأطراف التي أبدت رغبتها في تنفيذ المقترح والتي يشار إليها بمجموعة فيينا، وهي فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكونها في رأيه لم تستجب لدعوة إيران بإمدادها بما تحتاجه من وقود نووي لمفاعل طهران للأبحاث الطبية الذي أوشك وقوده أن ينفد وتحتاج إيران لاستمرار تشغيله لمواصلة إنتاج نظائر مشعة تحتاجها لعلاجات أمراض السرطان.

وظهر المقترح للوجود كفكرة اقترحها مدير عام الوكالة السابق، الدكتور محمد البرادعي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بهدف تجسير العلاقات وإعادة الثقة يبن إيران والمجتمع الدولي، مقترحا يومها أن تقوم إيران بشحن 1200 كيلوغرام مما خصبته من يورانيوم رغم العقوبات المفروضة على روسيا لزيادة درجة تخصيبه ثم يشحن إلى فرنسا لتحويله إلى قضبان نووية تعود إلى طهران لتستخدم كوقود. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد تعهدت بتجديد آليات ومعدات مفاعل طهران لمواصلة عمله بصورة أحدث.

ومعلوم كذلك أن تنفيذ المقترح، رغم موافقة أطرافه كافة، قد تعطل بسبب تأخير في وصول الرد الإيراني ثم تعديل طهران في بنوده الأصلية ثم لاحقا احتمت طهران بكل من تركيا والبرازيل، متقدمة بطلب أن تشحن اليورانيوم إلى تركيا ليتم حفظه هناك كضمان، لحين تسليمها الوقود، فيما ردت الدول الثلاث عبر الوكالة مستفسرة ومطالبة بتغيير، لا سيما في ظل المستجدات التي طرأت بفعل مرور الوقت وزيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بما في ذلك ما نجحت طهران في تخصيبه بنسبة أرفع بلغت 20%.

وكان جليلي قد أشار في بيانه الذي ارتجله أمام الصحافيين بجنيف إلى مقترح تبادل الوقود، معيبا على دوله بأنها لم تسارع بتقديم هذا العون الطبي الإنساني بل والمربح، باعتباره صفقة تجارية ستعود على شركاتها المنفذة بفوائد اقتصادية كبيرة، حاثا إياهم أن لا يحرموا شركاتهم من ذلك المكسب، مكررا التهديد الإيراني بأن طهران لو لم تحصل على هذا الوقود ستنتجه منفردة.

ووفقا لمصادر عليمة بقدرات النشاط النووي الإيراني، فإن طهران ليس بمقدورها إنتاج هذا النوع من الوقود الذي لا تتوفر قدرات صناعته إلا عند دول معينة، لكونه يحتاج لمعدات وتقنية نووية لا تتوفر إلا عند ثلاث دول، منها فرنسا والأرجنتين التي سبق أن باعت لإيران شحنتها السابقة ويستحيل أن تبيعها ما تحتاجه حاليا بسبب الحصار النووي المفروض على كل المواد والتقنية النووية من وإلى إيران بسبب العقوبات الدولية. وكانت مصادر قد وصفت لـ«الشرق الأوسط» جولة جنيف للمفاوضات وحتى جولة اسطنبول المتوقعة بكونهما في نظر طرفيهما مجرد جلسات «كلام» يهدف كل طرف لحضورها حتى يسمع الطرف الآخر رأية فلا يلام بتهمة رفض الجلوس للحوار، نافين أن تكون «حوار طرشان» وإنما هي في تعبير أصدق محاولات استبيان واستشفاف للمواقع لتحقيق أكبر مكاسب عندما يبدأ التفاوض الحقيقي «وحقي وحقك» فيما يمثل اقتراح تبادل الوقود طريقا واضح المعالم وصولا لهدف يرغب فيه الطرفان ولذلك فإن تحرك أمانو للإسراع بتحقيق هذا المقترح سيزيد من سرعة أية محادثات وأية مفاوضات.