قمة المناخ: تفكير في الاتفاقيات الأضيق في ظل صعوبة التوافق الكوني

المكسيك تقود جهود اللحظة الأخيرة بين الدول الغنية والفقيرة

جونيا ناكانو من وزارة العلاقات الخارجية اليابانية يتحدث للصحافيين في المؤتمر الصحافي أمس أثناء حضوره قمة التغير المناخي السادسة عشرة التي تعقد في مدينة كانكون بالمكسيك (إ.ب.أ)
TT

ردا على تزايد حالة الإحباط من فشل مفاوضات الأمم المتحدة المتعلقة بتغير المناخ، تسعى عدة دول ومؤسسات للتوافق على حلول أصغر بهدف الحفاظ على الغابات وإنتاج طاقة نظيفة والحد من تلوث الهواء. وفي إطار هذا النهج الجديد، تقوم الشركات في ولاية كاليفورنيا بتمويل جهود الحفاظ على الغابات الاستوائية في المكسيك والبرازيل لتعويض ما تسببه من انبعاث للغازات المسببة للاحتباس الحراري وستمول اليابان بناء محطات للطاقة النووية في الدول النامية كما ستضخ كوريا الجنوبية المزيد من الاستثمارات لزيادة استخدام الطاقة المتجددة داخل حدودها. ولكن يبقى السؤال الرئيسي: هل تكفي هذه الترتيبات الخاصة والاتفاقات الثنائية لتفادي خطر التغير المناخي؟

لسنوات، كان معدو السياسات الدولية يزعمون أنهم يسعون للتوصل إلى اتفاق جديد يخلف بروتوكول كيوتو الذي وقع عام 1997، وهو الاتفاق الدولي الوحيد الملزم قانونا فيما يتعلق بالحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وتوقعوا التوصل إلى اتفاق مشترك حول خفض انبعاثات غازات الكربون وفرض التزامات على الدول الرئيسية وإنشاء سوق مشتركة لتداول الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لكن هذه الرؤية تلاشت، وحلت محلها شبكة أكثر مرونة بكثير من الترتيبات والاتفاقات المتعلقة بالحد من التغير المناخي في جميع أنحاء العالم.

وقال روبرت ستافينز، الذي يدير برنامج جامعة هارفارد للاقتصاد البيئي: «إن تجميع هذه الجهود يحتاج إلى منظومة دولية. وسنرى الربط بين السياسات المناخية التي تبدأ من القاعدة تختلف بصورة كبيرة في البلدان والمناطق والولايات المختلفة».

وميزة المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في كانكون بالمكسيك، هي أنها تعطي كل بلد من بلدان العالم سواء الكبيرة أو الصغيرة الفرصة لعرض موقفها من القضية. لكن فشل القيادات السياسية وعدم وجود توافق في الآراء بين الدول الغنية والفقيرة والدول سريعة النمو جعل العالم بعيدا عن المسار الذي سلكه لصياغة سياسة دولية للتعامل مع التغير المناخي على مدى العقدين الماضيين. وقال سفير التغير المناخي البرازيلي سيرجيو سيرا إن مفاوضات الأمم المتحدة أشبه «بأجهزة دعم الحياة» وإن أهداف مؤتمر كانكون متواضعة بحيث «إننا نحاول فقط إبقاء القضية حية».

وبذلت المكسيك أمس جهودا كبيرة من أجل كسر الجمود بين الدول الغنية والفقيرة حول التخفيضات المستقبلية في انبعاثات الغازات بينما دخلت محادثات المناخ التي تشارك فيها 190 دولة مرحلتها الأخيرة. وقال موفودون إن تقدما ضئيلا تحقق الليلة قبل الماضية، وإنه ربما يتم تمديد المحادثات التي كان مقررا أن تنتهي الليلة الماضية إلى اليوم السبت. وقال جون أشي الذي يرأس المناقشات الأساسية الخاصة بمستقبل بروتوكول كيوتو: «الأمر في يد الرئاسة المكسيكية». وترأست وزيرة خارجية المكسيك باتريشيا اسبينوسا المحادثات التي تستمر أسبوعين في كانكون وتقود جهودا للتوسط من أجل اتفاق حول مستقبل بروتوكول كيوتو الذي يحول دون التقدم في قضايا أخرى.

وتوقع الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، في مقابلة معه، أن المحادثات ستسفر عن نتائج ذات مغزى، لكنه أعرب عن شعوره بالإحباط من تعقدها. وأضاف أنه في حال فشلت المفاوضات فإن المكسيك ستطالب «بتغيير القواعد» الخاصة بالتعامل مع هذه القضية. وقال كالديرون «أنا لن أسمح بضياع 10 سنوات أخرى لنتمكن من التوصل إلى اتفاق».

وفي الوقت نفسه، فإن البلدان ستلتزم بأهدافها الخاصة بانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي ستشمل نظما لتداول الكربون، والسماح للشركات بالتعويض عن انبعاثاتها من هذا الغاز عن طريق شراء اعتمادات يتم استخدامها في مشاريع الحد من التلوث في مناطق أخرى في العالم. وأضاف سيرا: «هذا قد يفتح الباب لإقامة علاقات بين الدول الصناعية مثل أستراليا واليابان والاتحاد الأوروبي والبلدان النامية، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح كيف ستنجح هذه الآليات، لأن كل نظام تداول قد ينطوي على مجموعة مختلفة من القواعد».

ويقول جاك شميدت الذي يدير سياسة المناخ الدولي في مؤسسة الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهي منظمة تعنى بالدفاع عن البيئة: «ينبغي على الدول ألا تقف ساكنة في انتظار توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق».

وأعلنت ولاية كاليفورنيا مؤخرا أنها ستبدأ مع مطلع عام 2012 في السماح للشركات التي أجبرت على خفض عادم ثاني أكسيد الكربون بموازنة بعض انبعاثاتها من خلال دعم مشروعات حماية الغابات في ولاية آكر البرازيلية وولاية تشياباس المكسيكية. وتقول وزيرة الحماية البيئية في كاليفورنيا، ليندا آدمز، إن القرار سيمهد الطريق أمام الآخرين ليكونوا جزءا من خطتنا الخاصة بسوق الكربون.

من ناحية أخرى، تتطلع الدول النامية غير الملزمة باتفاقية الحد من الانبعاثات إلى البحث عن السبل الكفيلة بخفض الغازات الدفيئة. فمثلا، تقوم المكسيك حاليا بدراسة تحويل النفايات الصلبة الحضرية إلى طاقة، في الوقت الذي يقوم فيه المزارعون بإنتاج حبوب القهوة التي تنمو في الظل لصالح ستاربكس باستخدام وسائل تعمل على امتصاص الكربون. وقال ستيفن كوكران، نائب رئيس قسم المناخ والهواء في صندوق الدفاع البيئي، إن هذه الفترة من التجريب يمكن أن تهيئ المؤسسة لبذل المزيد من الجهود في المستقبل. وأضاف: «الناس بحاجة إلى رؤية النتائج والشعور بأن بعضا من هذه القرارات ينفذ، وعندما يرون ذلك سيكونون أكثر استعدادا لاتخاذ خطوات أوسع نطاقا».

ولكن حتى الوسائل المستجدة، مثل الهبات المقدمة من الدول الغنية للدول الفقيرة للحفاظ على غاباتها، بحاجة إلى التغلب على بعض مكامن الخلل. وأثار رئيس غيانا بهارات جاغديو، يوم الأربعاء، تساؤلات حول أسباب تأخر الحصول على الدفعة الأولى من الأموال في إطار اتفاق حماية الغابات مع النرويج التي تبلغ كلفتها 250 مليون دولار. وقال ملقيا باللائمة على مسؤولي البنك الدولي في تأخير الأموال: «المجتمع الدولي لديه سجل متواضع للغاية في تقديم المساعدة». وردت إيفون تسيكاتا، مديرة منطقة البحر الكاريبي في البنك الدولي، في بيان لها أن المؤسسة تعمل فقط كوسيط مالي، وكانت تنتظر التوقيع النهائي من لجنة توجيهية تضم مسؤولين من غيانا والنرويج قبل تحويل الأموال.

في غضون ذلك، قال ممثلون من الدول الأكثر تعرضا للتغيرات المناخية إنهم لا يزالون بحاجة إلى اتفاق دولي، يوقع خلال الفترة المقبلة. والتعهدات الحالية بشأن الحد من الانبعاثات التي جعلت البلدان الصناعية والنامية جزءا من عملية الأمم المتحدة عاجزة عن ضمان عدم تجاوز درجات الحرارة العالمية 3.6 درجات فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، التي يتفق الكثير من العلماء أنها قد تشكل نقطة تحول واضحة. وتقول ديزيما ويليامز، ممثل غرينادا الدائم في الأمم المتحدة التي ترأس ائتلافا من 43 من الدول الجزرية الصغيرة المهددة بارتفاع مستويات سطح البحر: «لا يمكن للإجراءات الفردية أن تشكل في حد ذاتها بديلا للتوافق الدولي، فنحن ندرك أن العملية المتعددة الأطراف معقدة وطويلة الأجل. نحن نشهد ذلك منذ فترة طويلة. لكن مشكلتنا هي أن جزرنا تعاني».

وقد عقدت هذه المفاوضات السنوية، على مدار السنوات الـ16 الماضية ما دفع بعض الدبلوماسيين والمستشارين البارزين في الأمم المتحدة، الآن إلى التشكيك فيما إذا كان الأمر يستدعي فرض تحديد تاريخ للانتهاء من المفاوضات. وتساءل أحد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه لا يحمل تفويضا للحديث عن القضية: «أي المؤتمرات سيشهد القرار النهائي؟ وهل سنستمر في هذه الدائرة دون انتهاء؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»