الرباط تعمد إلى تهدئة الأمور مع إسبانيا وتلتزم بتزويد سبتة ومليلية بالمياه العذبة

تأجيل مسيرة كانت ستطالب الإسبانيين بالجلاء من المدينتين

TT

أعربت الحكومة المغربية عن رغبتها في إرساء علاقة متوازنة مع إسبانيا تعود بالنفع على البلدين، ولا تمس بمصالح الرباط المشروعة. في غضون ذلك، أعلن للمرة الثانية عن تأجيل مسيرة الاحتجاج الشعبية التي كانت تعتزم جمعيات مدنية تنظيمها اليوم في اتجاه مدينة مليلية المحتلة (شمال المغرب) انطلاقا من بلدة بني أنصار المجاورة للحدود مع المدينة، بينما قالت مصادر محلية: إن وزارة الداخلية منعت تنظيم المسيرة، تجنبا للمزيد من التصعيد مع حكومة مدريد، ولقطع الطريق أمام الحزب الشعبي اليميني الإسباني الذي يسير مدينتي سبتة ومليلية من استغلال المسيرة لصالحه.

وفي سياق تهدئة الأجواء بين البلدين قال خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق باسم الحكومة المغربية: إن إعادة تقييم العلاقات بين المغرب وإسبانيا ستتم في احترام تام للمحددات الأساسية التي تحكمها، وإن الأمر يتعلق «بالحفاظ على الكرامة الوطنية للمغرب، وعلى مصالحنا الحيوية والدفاع عن ثوابت الأمة المغربية». كما يتعلق الأمر «بالرغبة الصادقة للمغرب في خلق الشروط الملائمة لإرساء شراكة جادة بناءة تعود بالنفع على البلدين».

وأوضح الناصري، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية في لقاء صحافي، عقب اجتماع للحكومة، أنه «من الواضح جدا أن العلاقات بين المغرب وإسبانيا لا يمكنها أن تعاني اختلالا في التوازن يقوم على المس بالمصالح المشروعة لبلادنا». وأضاف: «إذا تمت المحافظة على مصالحنا الحيوية، سنواصل مد اليد إلى أصدقائنا الإسبان لإعادة بناء شراكة جديدة وجادة».

في سياق متصل، قال الناصري: «إن وقف المغرب تزويد مدينتي سبتة ومليلية بالماء العذب غير ما دامت هذه القضية ذات بعد إنساني قبل كل شيء»، مشيرا إلى أن هذا الأمر «لم يكن موضوع أي نقاش أو تداول». وأوضح الناصري أن «الأمر يتعلق بشائعات تروجها بعض الأوساط في إسبانيا، وأن المغرب لا يمكنه أبدا أن يلجأ إلى مثل هذه العقوبات ضد السكان؛ لأن هذا السلوك ليس من مبادئه، ولا في تصوره الاستراتيجي».

كان رئيس بلدية بني أنصار المجاورة لمدينة مليلية قد قام، رفقة أعضاء في جمعيات مدنية، باقتحام السياج المحيط بالمنبع المائي الذي يزود مليلية بماء الشرب، ونصب علما مغربيا هناك، وتم تداول فكرة قطع مياه الشرب عن المدينة، على اعتبار أن المنبع يوجد فوق أرض مغربية، الأمر الذي أثار استياء كبيرا لدى المسؤولين المحليين في المدينة.

وفي سياق ردود الفعل على هذا الاقتحام، أعلنت الحكومة المحلية في مليلية أن رئيسها، خوان خوسي إمبرودا، بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع قضية ضد الناشطين المغاربة الذين قاموا يوم الأحد الماضي باقتحام «أهوج» لملك مسجل باسم المدينة منذ سنة 1931 حسب ما أورده أمس موقع «أندلس بريس» الإلكتروني.

وقال إمبرودا: إن اقتحام المنبع كان عمل «ثلاثة أو أربعة من عديمي الحس على الحدود، الذين يقومون بشكل مستمر بعرقلة المرور بين الجانبين». وأضاف أنه لم يحدث أي شيء بعد أن تم الاقتحام، وأن الناشطين قاموا بهذا العمل «من تلقاء أنفسهم»، نافيا أي علاقة للحكومة المغربية بهذا العمل.

وقال رئيس الحكومة المحلية في مليلية إنه بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع قضية ضد الناشطين المغاربة؛ لأنهم «اقتحموا مكانا ليس ملكا لهم لقطع ماء ليس لهم، وهذا الأمر يعاقب عليه القانون هنا في إسبانيا».

وقلل إمبرودا من شأن منابع الماء على الأراضي المغربية القريبة من الحدود، على اعتبار أنها لا تغطي سوى 2% فقط من حاجيات المدينة، كما أنها ملك بلدية مليلية منذ العشرينات بظهير شريف (مرسوم) وتم اقتناء كل الأراضي الفاصلة بين المنابع والحدود من أجل وضع الأنابيب.

من جهته، قال سعيد الشرامطي، رئيس جمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان، وعضو «لجنة التنسيق الوطنية لتحرير مليلية» المشرفة على تنظيم المسيرة الاحتجاجية، لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يتلق أي قرار من السلطات المغربية بمنع تنظيم المسيرة، نافيا تعرض المشرفين على تنظيم المسيرة إلى ضغوط من قبل وزارة الداخلية المغربية من أجل إلغائها. وأضاف الشرامطي أن اللجنة قدرت عدد الأشخاص المزمع مشاركتهم في المسيرة بـ700 ألف شخص سيأتون من مختلف المدن المغربية، بينما توقعت السلطات أن يصل العدد إلى 900 ألف، الأمر الذي يتطلب الاستعداد الجيد حتى تمر المسيرة في أجواء جيدة، خصوصا أن المشرفين على التنظيم لا يتوافرون على الإمكانات المالية الكافية للتحكم في تظاهرة من هذا الحجم، على حد قوله. وقال الشرامطي: إن اللجنة بصدد مناقشة تحديد موعد لاحق للمسيرة، كما سيتم طلب المساعدة المالية من «الأحزاب السياسية المغربية الثرية»، على حد تعبيره. في مقابل ذلك، قال لحبيب حجي، منسق اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية، ومقرها مدينة تطوان (شمال المغرب)، لـ«الشرق الأوسط»: إن وزارة الداخلية المغربية هي التي منعت تنظيم مسيرة الاحتجاج في اتجاه مليلية، وذلك نزولا على طلب الحكومة الاشتراكية في مدريد، التي تريد أن تظهر للرأي العام الإسباني، وللحزب الشعبي على الخصوص، أنها قادرة على الضغط على الرباط.