المسيحيون يحيون ذكرى «الأربعين» للهجوم على كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد

بحضور شخصيات سياسية بارزة بينهم الحكيم وعبد المهدي * حكومة كردستان تدعو المسيحيين للاحتفال بأعياد الميلاد في كردستان

صور ضحايا الهجوم على كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد معلقة داخل الكنيسة خلال قداس لإحياء ذكرى «الأربعين» للهجوم، أمس (إ.ب.أ)
TT

أحيا مئات المسيحيين العراقيين صباح أمس ذكرى الأربعين لمقتل 46 شخصا في مجزرة كنيسة «سيدة النجاة» للسريان الكاثوليك في بغداد، وسط دعوة بطريرك الطائفة لتكون دماء الضحايا «تطهيرا لخطيئة العالم الكبرى».

وخاطب بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الذي حضر من لبنان للمشاركة في الجناز بصفة خاصة، الحاضرين بقوله: «كنا دائما نبث فيكم الأمل بأن الله لن يتخلى عن هذا الوطن الجريح وسيصبح أبناؤه في لحمة المحبة والمودة ولم يخطر ببالنا أن نأتي اليوم لكي نقاسمكم آلامكم في هذه الفاجعة المريعة التي حدثت بهذه الكنيسة الجريح». وأضاف، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن «المجزرة أودت بحياة كاهنين شابين وعشرات المؤمنين من أطفال وعرائس وأمهات وآباء كانوا يصلون لكي يعود هذا البلد إلى سابق مجده (...) لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن الأيدي المنفذة للجريمة وجهتها عقول مدربة أعمتها الكراهية».

وكان عدد من المسلحين اقتحموا الكنيسة الواقعة في حي الكرادة (وسط بغداد) في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقتلوا 44 من المصلين، بالإضافة إلى كاهنين. وقضي في الاعتداء الذي أعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عنه سبعة من عناصر الأجهزة الأمنية، فضلا عن المهاجمين وعددهم خمسة، بحسب مصادر في الشرطة.

وتجمع المصلون وغيرهم من المشاركين وسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاق الطرق المؤدية إلى الكنيسة الواقعة في حي الكرادة وسط بغداد. وشارك في الجناز عدد كبير من الشخصيات السياسية والدينية، أبرزها رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي وسفراء أجانب.

ورفع بعض الشبان أمام مدخل الكنيسة لافتات تطالب بـ«التوقف عن قتل المسيحيين» ومعرفة «نتائج التحقيقات». ووضعت صور القتلى أمام المذبح في الكنيسة التي لا تزال جدرانها ونوافذها وسقفها وأبوابها تحمل آثار الرصاص والقنابل الناجمة عن الهجوم الذي كان الأشرس الذي يتعرض له المسيحيون منذ سقوط النظام السابق عام 2003. كما تم تعليق ثوبي الكاهنين على أطراف المذبح. من جهته، قال الأب الدومينيكاني أمير جاجي، إن «الأوضاع صعبة جدا لأن المسيحيين يعيشون أزمة عميقة». وأضاف ردا على سؤال: «لا نعتقد أن الاطمئنان موجود، فالاعتداءات لا تزال مستمرة».

بدورها، قالت هنادي هيثم، من جوقة الكنيسة، إنه «أمر محزن للغاية». وأضافت الفتاة التي عملت مع الأب وسيم، أحد الكاهنين اللذين قضيا في الاعتداء: «أفتقده كثيرا، لكنني أشعر بوجوده إلى جانبي دائما. كان يعتني بالجميع كبارا وصغارا، وبالمرضى أيضا».

من جانبه، قال سالم ابلحد بطرس (46 عاما) عم الأب ثائر الذي قضي في الاعتداء: «سنبقى في العراق، لأننا ملتزمون بوطننا وبديننا». بدوره، قال الأب نبيل ياكو: «أحاول تعزيز معنويات الناس (...) إنها ليست مسألة وقت، لكنها مسألة فقدان شخص عزيز. هذه المراسم ستجعلهم أقوى». أما ندى وديع داود الموظفة في البرلمان فقالت: «أعتقد أن المسيحيين أفاقوا من هول الصدمة اليوم. كانت جريمة ضدهم وضد جميع المسيحيين في العالم. مراسم الجنازة تجعلنا أقوى لأنها ستدفع بكثيرين إلى البقاء في العراق إخلاصا للكنيسة».

ومنذ عام 2004 تعرضت نحو 52 كنيسة وديرا لهجمات بالمتفجرات، كما لقي نحو 900 مسيحي مصرعهم، فضلا عن أعمال خطف طالت المئات منهم لطلب فدية. وكان عدد المسيحيين في موئلهم التاريخي يتراوح بين 800 ألف ومليون ومائتي ألف قبل الاجتياح الأميركي ربيع عام 2003 وفقا لمصادر كنسية ومراكز أبحاث متعددة. ولم يبق منهم سوى أقل من نصف مليون نسمة إثر مغادرة مئات الآلاف منهم. كما انتقل بضعة آلاف إلى مناطق آمنة في شمال البلاد، مثل سهل نينوى وإقليم كردستان.

إلى ذلك، وبينما قررت الطائفة المسيحية في البصرة إلغاء الاحتفالات بميلاد المسيح، قال رئيس لجنة الأقليات بمجلس محافظة البصرة الدكتور سعد متي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «البصرة شهدت منذ بداية عام 2010 هجرة 400 عائلة مسيحية، من أصل 500 عائلة، إلى مناطق داخل وخارج العراق»، مبينا أن «عمليات الهجرة من البصرة ازدادت بعد أحداث كنيسة (سيدة النجاة)، وأن الإرهاب والوضع الأمني ليس سببا رئيسيا في تلك الهجرة، وإنما البطالة وعدم توافر فرص العمل في البصرة». وأشار إلى أن «الطائفة المسيحية في البصرة قررت عدم الاحتفال بعيد الميلاد إثر فاجعة كنيسة (سيدة النجاة) في بغداد، وتزامنه مع شهر محرم».

وكشف رئيس مجلس محافظة البصرة، جبار أمين جابر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أن «المواطنين المسيحيين في البصرة يعانون من مشكلة اقتصادية تتمثل في عدم توظيفهم في دوائر الدولة واضطرارهم إلى ترك بعض الأعمال التي كانوا يزاولونها»، مؤكدا أن «قرار مجلس المحافظة بمنع مزاولة بيع المشروبات الروحية في محلات مخصصة لذلك ما زال ساري المفعول، ولا نية للرجوع عنه».

إلى ذلك، دعا خطباء الجمعة في كردستان، أمس، المسلمين كافة إلى جمع التبرعات للنازحين المسيحيين الذين وصلوا إلى مدن كردستان ومناطقها. وأبلغ مريوان النقشبندي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة الإقليم، «الشرق الأوسط» أنه بناء على توجيه من الوزارة، كرس خطباء الجمعة في جوامع كردستان خطبهم يوم أمس لحث المسلمين على «التبرع لصالح العوائل المسيحية النازحة من بغداد والموصل وبقية محافظات العراق، في مساهمة شعبية لتقديم المساعدات العاجلة لهم».

من جهته، دعا كاوة محمود، المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان، المسيحيين إلى الاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة في كردستان. وقال محمود: «إن حكومة الإقليم تحرص وتتمنى أن تتاح الفرصة أمام الإخوة المسيحيين للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مناطقهم ومدنهم بأمن وسلام، ولكن في حال تعذر ذلك عليهم فإن أبواب إقليم كردستان مفتوحة أمام جميع المسيحيين للتوجه إليه وإقامة احتفالهم فيه، وإن حكومة الإقليم مستعدة لتوفير جميع مستلزمات النجاح لتلك الاحتفالات من حيث توفير الأمن والأمان لها».