محللون: تركيز نشر وثائق «ويكيليكس» على الشرق الأوسط بسبب النشاط الأميركي فيها

العراق أكثر الدول ذكرا في البرقيات.. ومكتب كلينتون وسفارة واشنطن بأنقرة الأكثر اختراقا

TT

منذ بدء نشر البرقيات المسربة من وزارة الخارجية الأميركية على موقع «ويكيليكس» الإلكتروني يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان هناك اهتمام عال بالبرقيات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة العراق وإيران ومنطقة الخليج. وما زال الغموض يخيم على أسباب نشر هذه البرقيات وتحديدا الجهات المستفيدة من ذلك، مما يزيد من التكهنات ونظريات المؤامرة حول أسباب التركيز على المنطقة في حين أن الموقع الإلكتروني لـ«ويكيليكس» يؤكد أن البرقيات تأتي من أكثر من 270 بعثة دبلوماسية أميركية في كافة أرجاء العالم.

وتوقع عدد من المحللين الذي تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن يكون السبب الرئيسي وراء التركيز على الشرق الأوسط في تغطية البرقيات المسربة هو نشاط الولايات المتحدة المتزايد في المنطقة خلال العقد الماضي بالإضافة إلى ربطها بـ«الحرب على الإرهاب». وقال الخبير في «مجلس العلاقات الخارجية» ستيفن كوك إن «الكثير من البرقيات تأتي في زمن أكثر نشاطنا فيه بالشرق الأوسط». وأوضح كوك أن مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج «يقول إن هدفه من نشر البرقيات هو كشف النفاق الأميركي»، متسائلا: «هل توجد منطقة أكثر لذلك؟»، مع الإشارة إلى أن من دون معلومات إضافية يبدو هذا الهدف هو الأساسي.

ويجب ذكر أن الاهتمام بالشرق الأوسط بداية لعملية مطولة في نشر البرقيات المسربة فمن بين الـ250 ألف برقية، يقول المسؤولون عن «ويكيليكس» إن 122 ألف برقية تخص «الشؤون الحكومية الداخلية»، بينما نحو 145 ألفا تخص العلاقات الخارجية. ويذكر أن 8017 من البرقيات هي من مكتب وزيرة الخارجية الأميركية وموجهة للسفارات الأميركية، وهذا العدد الأكبر للبرقيات من مكتب واحد. وقد بات مكتب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومن سلفها، الأكثر اختراقا من قبل «ويكيليكس». وقد نشرت 22 برقية من السفارة الأميركية في تل أبيب حتى الآن ولكن لم يتم الكشف عن تفاصيل مثيرة حول عملية السلام أو العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وهو الأمر المتوقع من برقيات تنشر مستقبلا.

وعلى الرغم من أن موقع «ويكيليكس» نشر حتى الآن أقل من واحد في المائة من البرقيات التي بحوزته، إذ نشر 1112 برقية حتى يوم أمس من أصل 251,287 برقية، فإنه أوضح على موقعه طبيعة البرقيات المتوقع نشرها تدريجيا وبشكل يومي خلال الأسابيع المقبلة. فالعراق أكثر دولة مذكورة في البرقيات، إذ إن 15,365 برقية تخص العراق، بينما السفارة الأكثر اختراقا هي السفارة الأميركية في أنقرة. ويذكر أن السفارة الأميركية في طوكيو هي ثالث أكثر سفارة مخترقة، بعد السفارتين في أنقرة وبغداد، إلا أن البرقيات من طوكيو لم تحصل على نفس الاهتمام الإعلامي بعد.

وهناك حرج أميركي من القادة العرب المذكورين في البرقيات المسربة والكشف عن النقاشات السرية والخاصة مع دبلوماسيين أميركيين. ولكن لا تركز واشنطن جهودها فقط على الشرق الأوسط، بل تحاول أن تتصدى لتداعيات البرقيات حول العالم. وقال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «قلقنا أبعد من الشرق الأوسط، هذا الكشف المزعوم وغير المصرح به لمعلومات سرية له نطاق عالمي وتداعيات عالمية». وأضاف: «سنواصل التوضيح لقادة حول العالم أننا نحقق بشدة في هذه الجريمة وسنعاقب المسؤولين عنها». ولفت إلى أن «نشر البرقيات السرية يضر بمصالح أمننا الوطني ويهدد مصالح الآخرين حول العالم»، رافضا الخوض في نقاش حول البرقيات وأسباب التركيز على الشرق الأوسط.

وباشرت وزارة الخارجية الأميركية استراتيجية للحد من تأثير التسريبات من خلال الاتصال بقادة حول العالم، ولم يكونوا فقط من الشرق الأوسط بل شملوا مسؤولين من دول عدة منها بريطانيا وأفغانستان وألمانيا وإيطاليا وغيرها. كما أن مسؤولين عن دوائر وزارة الخارجية، من بينهم مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، عقدوا مؤتمرات صحافية مع صحافيين من حول العالم.

ويركز الإعلام الأميركي، وخاصة صحيفة «نيويورك تايمز» التي حصلت على البرقيات مسبقا وتنشر سلسلة من المقالات حولها، على منطقة الشرق الأوسط لأسباب عدة، أبرزها أن السياسة الخارجية الأميركية تركز على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، خاصة مع حربي العراق وأفغانستان. كما أن عمليات «مكافحة الإرهاب» الأميركية، والتي تعتبرها أوساط إعلامية الأبرز بالنسبة لوضع السياسة الخارجية الأميركية. وقد كشفت البرقيات تصورات أميركية حول أفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى دول عربية مثل اليمن والسعودية، حول مكافحة الإرهاب وتمويله.

وأشارت مصادر رسمية وإعلامية أميركية لـ«الشرق الأوسط» إلى تنسيق بين وسائل الإعلام التي حصلت مسبقا على البرقيات قبل نشرها على موقع «ويكيليكس» مثل صحيفة «الغارديان» البريطانية ومجلة «دير شبيغل» الألمانية تنسق تغطيتها للبرقيات وقد تظهر قضايا أكثر إثارة خلال الفترة المقبلة.

وفي النهاية، غالبية التحاليل حول تركيز البرقيات على منطقة دون أخرى هي أقرب إلى التكهنات بسبب عدم الكشف عن دوافع المسربين لهذه البرقيات. وحتى الآن المتهم الوحيد بتسريب البرقيات هو الجندي برادلي ماننغ المعتقل منذ أشهر في سجن انفرادي أميركي ولكن من دون توجيه تهم رسمية له أو مثوله أمام محكمة.