بريطانيا: الاعتداء على سيارة الأمير تشارلز يفتح جدلا حول الثغرة الأمنية.. وكاميرون يدعو لمعاقبة «الغوغاء»

القصة تشتت الانتباه عن رفع أقساط الجامعات والطلبة يقولون إن الشرطة استفزتهم

ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وزجته كاميلا يبدو على ملامحهما القلق والذعر أثنا تعرض سيارتهما لاعتداء من قبل الطلبة المتظاهرين في لندن (أ.ب)
TT

عوض أن تحتل قصة رفع أقساط الجامعات في إنجلترا، عناوين الصفحات الأولى للصحف البريطانية أمس، كان الاعتداء على سيارة الأمير تشارلز وزوجته كاميلا، هو الحدث. وفي نهاية دراماتيكية ليوم غضب شهدته بريطانيا، أول من أمس، اعتدت مجموعة من الشبان على سيارة كانت تقل ولي العهد البريطاني وزوجته، لتترك الزوجين في حالة ذعر، وتفتح ملف الثغرة الأمنية التي سمحت بمثل هذا الاعتداء أن يقع. وعلى الرغم من أن أمير ويلز ودوقة كورنوال خرجا من الحادث من دون أن يصيبهما أي مكروه، فإن القصة كانت كافية لتحتل العناوين الأولى للصحف، وتشتت الانتباه عن تمرير قانون رفع أقساط الجامعات التي بسببها انطلقت مظاهرات كبيرة تحولت إلى أعمال عنف. فقد صدرت معظم الصحف أمس وعلى صدر صفحاتها الأولى صورة لتشارلز وكاميلا جالسين داخل سيارتهما، وعلامات الفزع تعلو وجهيهما. وعنونت كل الصحف تقريبا، يسارية ويمينية، على الاعتداء على السيارة الملكية. ولم يشذ عن القاعدة إلا صحيفة الـ«إندبندنت» اليسارية، التي بقيت مركزة على حدث اليوم: تمرير قانون رفع أقساط الجامعات والمظاهرات التي رافقتها. وسألت في عنوانها: «انتصار، ولكن بأي ثمن؟»، في إشارة إلى أعمال العنف المتفرقة التي رافقت المظاهرات. وأطل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمس، ليدين الاعتداء على سيارة الأمير، ويدعو إلى اعتقال «الغوغاء» المتورطين في الحادث الذي وقع في شارع ريجنت، وسط لندن. وكان كاميرون قد قضى الأشهر الأخيرة يحاول فيها إقناع الطلاب بضرورة رفع الأقساط، شارحا في ندوات مطولة أسباب التعديلات وجدواها. ومرر البرلمان أول من أمس التعديل بأغلبية 27 صوتا، علما أن الائتلاف الحاكم يملك أغلبية 84 صوتا في مجلس العموم. وصوت نحو نصف النواب الليبراليين الديمقراطيين، الشريك الصغير في الائتلاف الحاكم، ضد القرار أو بالامتناع.

وعبّر كاميرون في تصريح من أمام مقره في 10 داونينغ ستريت أمس، عن «قلق كبير» من «الهفوة الأمنية» في الأمن الملكي. ولكنه بقي مصرا على توجيه اللوم على المعتدين وليس على رجال الشرطة أو رجال الأمن التابعين للقصر الملكي. وقال: «لم يكن خطأ الشرطة، بل خطأ الأشخاص الذين حاولوا تحطيم السيارة». وأضاف: «نريد أن نتعلم الدروس مما حصل، ولكن فوق كل ذلك، نريد أن نتأكد من أن الأشخاص الذين يتصرفون بهذه الطريقة المروعة، يشعرون بكامل قوة القانون. من غير المقبول، تحطيم الأملاك العامة والتصرف بهذا الشكل، والاعتداء على الشرطة، وأريد أن أتأكد من أنهم سيشعرون بكامل قوة القانون». ويقول الطلاب الذين تظاهروا أمس، وفي الأيام الماضية، إن أعمال العنف التي تتكرر في كل مظاهرة، تقوم بها أقلية لا تمثل الطلاب، إلا أن كاميرون رفض هذا الطرح، وقال إن من نفذوا الاعتداءات أمس لم يكونوا «أقلية صغيرة». وأكد رئيس شرطة سكوتلانديارد السير بول ستيفنسن من جهته، أن الشرطة بدأت تحقيقا في الحادث، ولكنه دافع أيضا عن كيفية تعامل رجال الشرطة مع الوضع. وروى طلاب شاهدوا الاعتداء، أن السيارة الملكية، وهي من نوع رولز رويس، وكانت تقل الأمير وزوجته إلى مسرح لندن بالاديوم للمشاركة في احتفال خيري، بقيت عالقة لفترة بين المتظاهرين الذين أحاطوها من كل الجهات، وكانوا يرشقونها بعصي وقناني مياه. وانتهى الأمر بتحطيم أحد النوافذ، وبقذف دهان أبيض على مؤخرة السيارة السوداء. وقال أحد الطلاب إن الأمير تشارلز حافظ على هدوئه وكان يلوح بيده للمتظاهرين وهو يبتسم في محاولة لتهدئتهم. إلا أن زوجته بدت في حالة فزع كبيرة، حتى أن صحيفة الـ«دايلي ميل» ذكرت في ما بدا أنه مبالغة، أن أحد المتظاهرين تمكن من توجيه ضربات إلى الأميرة على معدتها بعصا كان يحملها، بعد أن تمكن من أن يطالها من نافذة السيارة المفتوحة. واضطر رجال الشرطة الذين يشكلون فريق الحماية الملكية، ويرافقون الأمير في سيارة أخرى، إلى دفع المتظاهرين بأبواب السيارة، لفتح الطريق أمام السيارة الملكية. وقالت الـ«دايلي ميل» إن رجال الشرطة كانوا على مسافة قصيرة من إطلاق النار على المتظاهرين. وأكد رئيس شرطة سكوتلانديارد أن الشرطة مارست «أقصى درجات ضبط النفس»، في ما فسرته بعض الصحف على أنه إشارة إلى أن الشرطة كانت قريبة من سحب سلاحها على الجموع. وقال ستيفنسن الذي وصف الحادث بأنه «يدعو للصدمة ومؤسف للغاية»: «أعتقد أن رجال الشرطة الذين كانوا يؤمنون الحماية الملكية أبدوا أقصى درجات ضبط النفس، بعضهم كان مسلحا». وأضاف: «أولويتهم كانت إخراج السيارة إلى نقطة آمنة، وقد تحقق ذلك». وأعلنت الشرطة أمس عن اعتقال 34 شخصا على خلفية أعمال شغب أول من أمس، ولكن لم تحدد ما إذا كان من بين هؤلاء من اعتدى على السيارة الملكية. ولكن التساؤلات حول الثغرة الأمنية بدأت مع سبب السماح لسيارة ملكية بالمرور في شارع تعلم الشرطة أنه مليء بالطلاب الغاضبين. إلا أن رئيس الشرطة أصرّ على أن الطريق الذي سلكته السيارة كان آمنا حتى لحظة دخولها، ووضع اللوم على «التحركات التي لا يمكن التنبؤ بها لهؤلاء الغوغاء في شوارع لندن». وقال الرئيس السابق لشرطة سكوتلانديارد داي دايفيس، إن السير بول «لا بد أنه محرج جدا ومتفاجئ» من الثغرة الأمنية. وتساءل عن سبب عدم سلك السيارة الملكية لطريق أكثر أمانا، وقال: «يرجح المرء أن أحدا قد أعلم رجال الأمن الملكيين أن هناك مظاهرة من هذا النوع». ورفض الأمير تشارلز وزوجته توجيه اللوم للفريق الأمني في وقوع الحادث، بل حتى أثنيا على عمل الشرطة. وقال ناطق باسم القصر الملكي: «هما يفهمان تماما الصعوبات التي تواجهها الشرطة وهما دائما ممتنان لرجال الشرطة وللعمل الذي يقومون به غالبا في ظروف صعبة جدا». إلا أن الانتقادات طالت أيضا الشرطة بسبب تعاطيها مع المتظاهرين الذين فسروا سبب ارتفاع مستوى العنف، باستفزاز الشرطة لهم. واعتمدت الشرطة على نفس الطريقة المثيرة للجدل التي اعتمدتها في المظاهرة الأخيرة، بحجز المتظاهرين في مكان واحد وعدم السماح لهم بالخروج أو الدخول لساعات طويلة، في البرد القارص. وحتى أنها اعتمدت طريقة أكثر إثارة للجدل لتفريق المتظاهرين، تقضي بامتطاء الشرطة لعشرات الجياد بسرعة نحو المتظاهرين. ونقلت الـ«بي بي سي» مشاهد لرجال الشرطة يمتطون الجياد بسرعة لتفريق الطلاب. وروت بعض الطالبات تعرضهن للضرب على رؤوسهن من قبل الشرطة بعصي. ولكن الشرطة بررت اعتمادها تلك الأساليب بأن رجالها هم الذي يتعرضون للاستفزاز وللضرب من قبل المتظاهرين. بغض النظر عن من استفز من، فإن المشاهد التي طبعت لندن أمس، تعيد إلى الذاكرة مشاهد كانت في طي النسيان، لم تشهدها المدينة منذ الثمانينات، في عهد مارغريت ثاتشر. والمخاوف اليوم، من أن تكون هذه المشاهد ليست إلا بداية غضب شعبي، بدأ اليوم من الطلاب، ولكن قد يتوسع إلى فئات أخرى في المجتمع عندما تبدأ آثار خطط التقشف التي تطبقها الحكومة، بالظهور.