فضائح الفساد تهدد الحكم وتخيف المستثمرين في الهند

أكبر فضيحة في تاريخ البلاد تطال قطاع الاتصالات وتتكلف 40 مليار دولار

وزير الاتصالات الذي أجبر على الاستقالة، أنديموثو راجا، يعرض للصحافيين وثائق لإثبات عدم ارتكاب مخالفات في قطاعه في نوفمبر 2008 (أ.ب)
TT

أثقلت سلسلة من فضائح الفساد التي أحرجت حزب المؤتمر الحاكم كاهل الهند. فقد تسببت في تعطل جلسات البرلمان لنحو 3 أسابيع، وإقالة عدة أعضاء بارزين في التحالف الحاكم. ووصل الأمر إلى حد التساؤل بشأن شرعية رئيس الوزراء، وبروز مخاوف لدى المستثمرين.

وقد اعتبر البعض 2010 أسوأ الأعوام في تاريخ الهند منذ الاستقلال، بسبب حجم الفضائح السياسية التي كشف النقاب عنها ومدى التأثيرات الاجتماعية والسياسية الذي تسببت فيها. وقد طالت فضائح الفساد عددا كبيرا من السياسيين والحكومات ومؤسسات الدفاع والإدارة وكذلك الشركات العالمية والمحلية وخلقت شعورا بالاضطراب داخل البلاد.

بدأ الكشف عن فضائح الفساد مع التحقيق في المخالفات التي شهدتها دورة نيودلهي لألعاب الكومنولث لتصل إلى أوج ذروتها بفضيحة الاتصالات، إحدى أكبر الفضائح في قطاع الاتصالات الهندية منذ استقلال الهند، جعلت العام الحالي يسمى بعام الفضائح وعمليات الاحتيال في تاريخ البلاد.

فضيحة الاتصالات التي قدرت قيمتها بـ40 مليار دولار ألقت بصناعة الهواتف الجوالة في الهند إلى الفوضى وشوهت من سمعة حكومة رئيس الوزراء مانموهان سينغ. وأعيت هذه الفضيحة التي وصفت بكونها «ووتر غيت الهند» عددا من قضاة المحكمة بشأن المخالفات في منح تراخيص لشبكة جيل ثان من قبل وزارة الاتصالات.

وقد كشف تقرير المراقب والمراجع العام في الهند أن منح ترخيص لشبكة جيل ثان من الهواتف الجوالة انتهك الكثير من القوانين وأدى إلى حصول الكثير من الشركات غير المؤهلة على التراخيص، ما دفع الحكومة إلى إجبار وزير الاتصالات، أنديموثو راجا، على تقديم استقالته. لكن ذلك لا يعني أن رئيس الوزراء لم يكن على علم بأخطاء وزراء حكومته، وإنما لم يكن يرغب في إغضاب حزب درافيدا مونيترا كاذاجام الذي يشغل 18 مقعدا في البرلمان والداعم لحكومته. ويعتمد حزب المؤتمر الحاكم على أصوات حزب درافيدا بشكل رئيسي في استمرار التحالف الحاكم، وما كان رئيس الوزراء ليقوم بإقالة وزير الاتصالات لولا تكاتف أحزاب المعارضة للمطالبة بإقالة راجا.

ودفعت الفضيحة المجموعات السياسية المعارضة إلى تعليق جلسات البرلمان لنحو 3 أسابيع للمطالبة بتحقيق برلماني مستقل بشأن القضية. وقد رفضت الحكومة الطلب، مشيرة إلى أن التحقيقات المستقلة جارية. ويملك المدعي العام سلطة استدعاء رئيس الوزراء سينغ لسؤاله. ويخشى حزب المؤتمر حاليا من حدوث تداعيات سياسية جراء هذا التحقيق. فرفضه الإذعان لطلب المعارضة أسفر عن أزمة داخل البرلمان خلال دورة الانعقاد الشتوية للمجلس.

وتعد فضائح الفساد أمرا مألوفا في الهند، لكن نطاق ومدى فضيحة الاتصالات بات أكثر إثارة للقلق. فقد احتلت الهند عام 2010 المرتبة 178 بين الدول الـ191 الفقيرة في مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وأوضح تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أن 4 من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 540 عضوا يواجهون تهما جنائية، بينها الاتجار في البشر والاختلاس والاغتصاب وحتى القتل. وقد أجرت منظمة المراقبة الدولية دراسة حول تهريب الأموال بشكل غير شرعي من الهند، وهي المحاولة الأولى التي تلقي الضوء على قضية يتم الخوض فيها بسرية تامة، وخلص التقرير إلى تهريب 462 مليار دولار من الهند بين عامي 1948 و2008، وهو ما يعادل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الهند.

وكان من بين القضايا الأخرى، اعتقال مسؤولين تنفيذيين في المصارف المملوكة للدولة في قضايا تلقي رشاوى، في الوقت الذي أدت فضيحة الإسكان إلى إقالة الوزير الأول في المنطقة. وفي القضية التي تتعلق بتقديم القروض، وجهت اتهامات لمسؤولين تنفيذيين في المصارف وشركات التأمين المملوكة للدولة بقبول ملايين الدولارات كرشاوى في قروض الإسكان المتقدمة إلى شركات العقارات وشركات الإسكان. ورغم عدم نشر معلومات عن حجم الفضيحة والأموال المتعلقة بها، فإن تقارير إعلامية قدرتها بملايين الدولارات.

وقد كشفت فضيحة دورة ألعاب الكومنولث، الحدث الرياضي الضخم الذي أقيم في أكتوبر (تشرين الأول) وبلغت تكلفته 6 مليارات دولار، عددا آخر من قضايا الفساد كان من بينها التلاعب في الكثير من عطاءات بناء الاستادات والبنية التحتية للألعاب الأخرى، والفواتير الضخمة لشراء المعدات الرياضية. وكان أهم عنصر في هذه القضية، المبلغ الضخم من المال الذي جرى تحويله إلى شركة بريطانية غير معروفة من اللجنة المنظمة للألعاب، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات الحكومة البريطانية. وكان من بين الفضائح الأخرى تلك التي طالت سياسيي حزب المؤتمر وكبار الموظفين في الدولة ومسؤولي الجيش الذين وجهت إليهم اتهامات بالاستيلاء على الأراضي التي كانت مخصصة لبناء شقق سكنية لأرامل قتلى الحروب. وبعد نشر القصة في وسائل الإعلام المحلية قامت الحكومة بفصل الوزير الأول الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في ولاية مهارشترا الغربية والذي كان أحد أعضاء حزب المؤتمر الحاكم. وقد بيعت شقق المبنى السكني المطل على بحر العرب الذي يضم 103 شقق في مدينة مومباي الراقية مقابل 130 ألف دولار للشقة، على الرغم من التقديرات في وسائل الإعلام المحلية لقيمة الشقة الواحدة بنحو 1.8 مليون دولار.

وقد ألحقت الفضائح ضررا بالغا بسمعة رئيس الوزراء مانموهان سينغ. ولم يتحدث أحد عن تلقيه رشاوى، لكن مصداقيته باتت موضع تساؤل، نتيجة إبقائه على وزير فاسد من أجل التزام سياسي حتى تم الكشف عنه. وكما لو كان ذلك غير كاف، فقد وجهت المحكمة الهندية العليا اللوم لرئيس الوزراء على صمته إزاء هذه التجاوزات.

ومع تصاعد مؤشر الفضائح المالية للسياسيين الكبار في الهند تجد الدولة صعوبة في السيطرة على عمليات الغش هذه ما لم يصدر تشريع صارم بحق هؤلاء المتلاعبين. وكانت الحكومة وحزب المؤتمر الحاكم قد قطعا وعودا بعد الإعلان عن كل واحدة من هذه الحالات بتقديم أي مسؤول أو شخصية عامة متهمة بالفساد إلى العدالة لكن المراقبين يرون أن هذا الكلام لم يتحقق إلى حد بعيد. ويقول براشانت بوشان، الناشط المناهض للفساد لـ«الشرق الأوسط»: «العقبة الأولى التي تواجه إمكانية التعامل مع الفساد تتعلق بالمسؤولين المنتخبين أو الموظفين المدنيين الذين يبدي مكتب التحقيقات المركزية ترددا في ملاحقتهم».

وقد بذلت بعض المحاولات لإصلاح القانون، لا سيما الحكم الصادر عن المحكمة العليا في ديسمبر (كانون الأول) 2006 الذي يرى أن موافقة الحكومة ليست ضرورية إذا كان المسؤول قد ترك منصبه أو أقيل. والعقبة الأخرى التي ينبغي إزالتها من أجل ملاحقة قضائية ناجحة، بعد تحقيقات الشرطة وموافقة الحكومة، تتمثل في النظام القضائي الهندي البطيء وسيئ السمعة. وما أن يقدم المسؤولون إلى القضاء تستغرق المحاكمة سنوات إن لم يكن عقودا، نتيجة للقصور في أعداد القضاة وعملية الاستئناف الطويلة. وقد صرح رئيس الوزراء سينغ ذاته بأن الفساد اليومي الذي شمل أوجه الحياة في الهند يهدد بإعاقة التنمية الاقتصادية الكلية في البلاد.