تنامي دور بايدن بإدارة أوباما.. من الكونغرس إلى العراق ولبنان

بوديستا: هناك انطباع بأن نائب الرئيس رغم قربه من الرئيس.. ليس قريبا جدا

جوزيف بايدن
TT

كانت نهاية جلسة طويلة اتسمت بالتوتر مع أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي يوم الأربعاء، وكان لدى نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ما يكفي.

على مدار ساعتين، كان بايدن في سجال مع أعضاء حزبه الغاضبين بسبب صفقة الرئيس باراك أوباما مع الجمهوريين فيما يتعلق بخصومات ضريبية. وداخل إحدى غرف مبنى الكونغرس، كان بايدن يحاول إقناع الديمقراطيين بأن ذلك أفضل صفقة يحصلون عليها.

وقف النائب أنتوني وينر من نيويورك وأكد أن أوباما يتصرف وكأنه «رئيس مجموعة تفاوض» وليس «زعيما» يدخل الأشياء حيز التنفيذ. وثار بايدن قائلا: «من المستحيل أن أقف هنا وأتحدث عن الرئيس بهذه الصورة»، وفقا لما ذكره شخصان كانا داخل الغرفة.

وفي تاريخ المشاحنات في صفوف الديمقراطيين، كان السجال بين بايدن ووينر شيئا لطيفا. ولكن يظهر هذا الموقف المسافة التي قطعها بايدن وأوباما منذ أن ترشحا ضد بعضهما في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي عام 2008.

والآن وفي منتصف فترة رئاسية أولى اعتمد أوباما في معظمها على مشورة مجموعة مغلقة من المقربين منه، يلعب بايدن دورا أكثر أهمية وتأثيرا. ومع رحيل رام إيمانويل عن منصب رئيس طاقم البيت الأبيض وعلى ضوء حاجة أوباما إلى التفاوض مع أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري إذا كان يبغي إحراز تقدم في أجندته الخاصة، يستخدم الرئيس الأميركي بصورة متزايدة بايدن كمبعوث له يساعده على الوصول إلى الكثير من الأهداف، ويحافظ خلال ذلك على استشارته في السر.

وقد لعب بايدن دورا هاما في التفاوض بشأن صفقة الضرائب مع الجمهوريين وفي عملية إقناع الديمقراطيين بهذه الصفقة، كما كان من هؤلاء المسؤولين داخل ويست وينغ الذين شجعوا الرئيس أوباما على البحث عن تسوية بشأن هذه القضية بالمقام الأول، حسب ما أفاد به مساعدون.

ويمر الرئيس الأميركي بمرحلة حرجة، على ضوء التململ داخل حزب يحاول أن يفهم الدور المنوط به وعلاقته مع البيت الأبيض في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية عام 2012.

وأثار دور نائب الرئيس بايدن في التسوية السرية مع الجمهوريين بشأن الخصومات الضريبية مشاعر استياء بين الديمقراطيين في الكونغرس، هذا بالإضافة إلى تساؤلات طرحت بشأن ما إذا كان سيدفع صوب مجاملات أخرى للجمهوريين أم سيكون معادلا ليبراليا لهؤلاء داخل البيت الأبيض الذين يروجون للتحرك إلى الوسط.

ولا يزال الجمهوريون يقيمون مدى نفوذه في الوقت الذي يتأقلم فيه البيت الأبيض مع حكومة منقسمة. ولكن داخل كلا الحزبين، ينظر إليه كشخص مؤهل لأن يتنقل سريعا بين الكونغرس وويست وينغ.

ويقول السيناتور كريستوفر دود، الديمقراطي من ولاية كونيكتيكت والصديق المقرب من بايدن: «أضمن لك أن جوزيف يعود إلى البيت الأبيض وفي جعبته الكثير من المعلومات». وأشار دود إلى أن الرئيس في حاجة إلى شبكة علاقات بايدن الواسعة لأنه «ليس لديه علاقات شخصية مثل تلك التي يتمتع بها بايدن».

وربما يكون الوضع كما ذكر وينر في مقابلة أجريت معه حين قال «يحضر بايدن كل شيء يجلبه إيمانويل، ولكن الاختلاف الوحيد هو أن الجميع يحب جو بايدن».

وفيما يحظى بايدن بمصداقية لدى اليسار الديمقراطي، فإن تاريخه الكبير داخل مجلس الشيوخ شهد لحظات برهن خلالها على استعداده للعمل مع الجمهوريين أو إعطاء مساحة لهم مما يجعلهم ينظرون إليه على أنه أقل تمسكا بآرائه بالمقارنة مع مسؤولين آخرين في الإدارة.

وقد أقصى بايدن البعض داخل اليسار عندما ترأس جلسات الاستماع التابعة للجنة القضائية بمجلس الشيوخ بشأن ترشيح كلارنس توماس للمحكمة العليا عام 1991. وعلى الرغم من أنه صوت ضد تعيينه، فقد اتخذ بايدن قرارات خلال جلسات الاستماع.

وبعيدا عن الدور الذي لعبه سرا فيما يتعلق بالتفاوض بشأن صفقة الضرائب مع الجمهوريين - وهو المنحى الذي قرره بايدن وأوباما خلال محادثة داخل البيت الأبيض أخيرا، وفقا لما ذكره مساعدون – يعمل نائب الرئيس أيضا من أجل كسب أصوات الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ من أجل التصديق على ما تسمى معاهدة «ستارت» الجديدة مع روسيا.

وتستخدم هذه الخلفية من أجل التسوية داخل البيت الأبيض، بدءا من محاولة بايدن الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي الغاضبين وصولا إلى تنقله سرا بين رئيسه وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من أجل تخطي المشكلات المرتبطة بصفقة الضرائب.

كما لعب بايدن دورا رئيسيا في دفع الزعماء داخل العراق صوب تشكيل حكومة ائتلاف جديدة. وأوكل إليه أيضا مهمة التعامل مع توترات متنامية داخل لبنان. وعلى الرغم من أن أوباما رفض توصية بايدن باستراتيجية مركزة تعتمد على مكافحة الإرهاب داخل أفغانستان وفضل منحى أوسع لمكافحة التمرد، فإن وتيرة التقدم المتعثرة داخل أفغانستان جعلت بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية يتساءلون بشأن احتمالية العودة إلى طريقة بايدن في التفكير.

ولكن، ثمة بعض المواقف أقصي فيها بايدن عن عملية اتخاذ القرار، وربما كان الموقف الأكثر برزوا في مارس (آذار) بعد أن قوضت من رحلته الرامية إلى رأب الصدع إعلان إسرائيل عن بناء وحدات استيطانية جديدة لليهود في القدس الشرقية. وأدان بايدن هذه الخطوة على أساس أنها تقوض من عملية السلام.

ولكن بينما كانت طائرته عائدة إلى واشنطن، اتصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون بعد حديث مع أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وذهبت إلى أبعد مما وصل إليه بايدن، مما ترك انطباعا بأن أوباما لم ير أن نائب الرئيس كان قويا بالقدر الكافي.

وبمجرد أن يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب ويرفعوا أعدادهم في مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني)، سينمو الدور الذي يلعبه بايدن، بحسب ما يقوله مسؤولون في البيت الأبيض، في الوقت الذي يحاول فيه أوباما الاستفادة من العلاقات التي كونها نائبه ذو الشخصية الاجتماعية على مدار 36 عاما قضاها بمجلس الشيوخ.

ويقول جون بوديستا، الرئيس التنفيذي داخل مركز التقدم الأميركي الذي ترأس فريق أوباما الانتقالي بعد انتخابات 2008: «إذا كان يريد السعي إلى عمل شيء وسط انقسام حزبي ومجلس شيوخ منقسم، فإن بايدن بمثابة لاعب هام لأنه يعرف اللاعبين والمؤسسة، كما أنه يحظى بمصداقية». وأكد بوديستا على أن بايدن يمكنه تحقيق النجاح في مواقف يعجز خلالها مستشارون لأوباما داخل البيت الأبيض لأن هناك انطباعا بأن نائب الرئيس على الرغم من قربه من الرئيس فإنه ليس قريبا جدا. وقال بوديستا إن النظر إلى نائب الرئيس كلاعب منفصل عن مسؤولي ويست وينغ البارزين يعد « قيمة مهمة يمكن للرئيس استثمارها».

ويذكر أنه عندما أدى أوباما اليمين الدستورية لم يكن بايدن جزءا من الدائرة المحيطة بالرئيس، التي كانت تتكون من إيمانويل والسكرتير الصحافي روبرت غيبس والمستشارين البارزين فالري غاريت وديفيد أكسلرود. ويقول رون كلين، رئيس طاقم بايدن: «تشكلت كافة العلاقات بمرور الوقت، والحقيقة أنهما قضيا 99% من وقتهما بعيدا عن بعضهما خلال الحملة الانتخابية». وأضاف كلين: «منذ أن جاءا إلى البيت الأبيض يقضيان وقتا كبيرا مع بعضهما – والكثير من هذا الوقت في ظروف صعبة ومواقف متوترة. وقد ساعد ذلك على تعزيز العلاقات بين الاثنين وأوجد مقدارا كبيرا من الثقة المتبادلة ووحد في الرؤى».

وبعيدا عن اجتماعات ويست وينغ والتقارير اليومية، يربط بين بايدن وأوباما كرة السلة، ومشاهدة ابنة أوباما ماليا وحفيدة بايدن مايسي تلعبان سويا في صالة الألعاب الرياضية المدرسية ومراكز التأهيل في منطقة واشنطن.

وقد لطف ذلك من اعتراضات بايدن على الزيادة في عدد القوات داخل أفغانستان. وعلى الرغم من أن الرئيس انتهى إلى الوقوف إلى جانب قادة الجيش بدلا من بايدن فيما يتعلق بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، فلم يخرج بايدن من النقاش في موقف ضعيف.

كما أنه في الوقت الذي تطورت فيه العلاقة مع رئيسه، حافظ بايدن على علاقاته القديمة داخل الكونغرس – وهي العلاقات التي يطمح البيت الأبيض حاليا أن يستخدمها خلال العامين المقبلين. ولا يزال بايدن يذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بمجلس الشيوخ لممارسة بعض التمارين الرياضية حتى يمكنه المحافظة على تواصله مع زملائه السابقين، وفقا لما ذكره مساعدون.

وقبل أسبوعين كان بايدن يجري مكالمات هاتفية من مكتبه الشرفي داخل مجلس الشيوخ بعد أن مارس بعض التمارين الرياضية في صالة الألعاب عندما رآه النائب الجمهوري من ولاية جورجيا جوني إيساكسون من خلال الباب الزجاجي وذهب للحديث معه. واستغل بايدن الفرصة للدفاع عن معاهدة «ستارت الجديدة»، وعدد الأسباب التي تجعله يعتقد أن الجمهوريين يجب أن يصوتوا لصالحها.

وكان بايدن ينفذ آخر تكليف يأتيه من رئيسه في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما عقد اجتماعا لحشد الدعم لصالح المعاهدة مع روسيا من شخصيات بارزة في مجال السياسة الخارجية داخل غرفة روزفلت بالبيت الأبيض. ومر عليهم أوباما، وأشار إليه وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر. ونقل مساعد بالبيت الأبيض كان داخل الغرفة أن بيكر قال: «لحظة سيادة الرئيس، نريد أن نعرف حلقة التواصل معنا بهذا الأمر. من نتصل به؟» نظر أوباما إلى بيكر، وبعد ذلك أشار إلى بايدن.

* خدمة «نيويورك تايمز»