خطة طموحة لتحويل «طانطان» مدينة مؤسسي «البوليساريو» إلى «شرم الشيخ المغربية»

تفاصيل جديدة حول أحداث العيون.. والمغرب يوجه «رسالة» عبر دبلوماسيين ومراسلين أجانب

فتاة من طانطان فوق جمل أثناء الاستعراضات (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

انتقل أفراد قبائل صحراوية من مختلف أنحاء الصحراء إلى طانطان، شمال مدينة العيون للمشاركة في احتفالات ذات طابع ثقافي وفني عبر «موسم طانطان» الذي اكتسى هذه السنة طابعا سياسيا أيضا.

وقال مسؤول مغربي إن هذا اللقاء يوجه رسالة قوية بعد أحداث العيون «تؤكد انصهار جميع القبائل الصحراوية في بلدهم المغرب»، على حد تعبيره، في حين قال مسؤول حكومي آخر إن مشروعا سياحيا ضخما انطلق بالفعل سيجعل من طانطان «شرم الشيخ المغربية». ورأت مصادر محلية التقتها «الشرق الأوسط» في طانطان، أن أحداث العيون أدت إلى انحسار «التيار الانفصالي» المؤيد لـ«البوليساريو».

وفي التفاصيل حرصت السلطات المغربية على أن يكون «موسم طانطان» هذه السنة استثنائيا، حيث توجه مجموعة من الوزراء إلى هذه المدينة التي تقع على المحيط الأطلسي وتعد من المدن الصحراوية العتيقة وظلت على مدى عقود نقطة التقاء البدو الرحل من مختلف القبائل الصحراوية.

كما وجهت الدعوة إلى جميع السفراء المعتمدين في الرباط، وخصصت لهم طائرة نقلتهم من العاصمة المغربية إلى طانطان برفقة مجموعة من المراسلين الأجانب، في حين نظمت رحلة لسياح أوروبيين وآسيويين وكذلك لوفد يمثل مدينة نيويورك لمتابعة فعاليات الموسم.

وفي طانطان أقيم معسكر من الخيام خارج المدينة، حيث قدمت فيه مختلف القبائل الصحراوية عاداتها وتقاليدها، ومن ذلك طريقة صنع الخيام، وكل ما يتعلق بالإبل، وإعداد الأكلات، والأدوات المنزلية، وعادات الأعراس والمناسبات الاجتماعية، والمدارس التقليدية لتعليم الأطفال، والتطبيب الشعبي، والرقصات والموسيقى.

وتعد طانطان «المعقل الرئيسي» الذي يتحدر منه شبان أسسوا جبهة البوليساريو في منتصف سبعينات القرن الماضي وعلى رأسهم الوالي مصطفى السيد وشقيقه البشير مصطفى السيد، وتقطنها قبائل صحراوية، من أهمهما قبيلة ركيبات الساحل، ذات النفوذ الواسع في المنطقة والتي ينتمي إليها الوالي مصطفى السيد، الذي كان قد قتل صيف عام 1976 عندما قاد هجوما فاشلا للاستيلاء على العاصمة الموريتانية نواكشوط، حيث كانت «البوليساريو» تأمل آنذاك استيلاء موريتانيين موالين لها على السلطة في البلاد. وعلى الرغم من أن طانطان لا تقع ضمن المناطق المتنازع عليها في الصحراء، فإنها كانت المدينة الوحيدة التي استطاعت جبهة البوليساريو أن تستولي عليها عدة ساعات في أواخر السبعينات، في عملية تحد آنذاك للجيش المغربي، لكن القوات المغربية أجبرتها على الانسحاب من المدينة بعد نحو 12 ساعة.

وفي سياق متصل، قال خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) للمراسلين في طانطان، إن موسم المدينة هذه السنة يؤكد «الانصهار الحقيقي لقبائل المنطقة وعلاقاتها بباقي أنحاء المغرب»، مشيرا إلى أن الموسم ظل ينظم سنويا منذ سبع سنوات، وتنظيمه في موعده هذه السنة مع زخم خاص «يوجه رسالة واضحة»، على حد قوله، في إشارة غير مباشرة إلى أحداث العيون.

وكانت مجموعة من الصحراويين أقاموا مخيما في ضواحي العيون كبرى مدن الصحراء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في حركة احتجاجية للمطالبة بالسكن والعمل، لكن عناصر محرضة من مؤيدي «البوليساريو» تسللوا إلى المخيم الذي أطلق عليه «أكديم يزيك» وسيطروا عليه، مما أدى إلى فشل مفاوضات بين السلطات الحكومية وممثلين عن سكان المخيم في مساع لإنهاء المشكلة، وفي الثامن من الشهر الماضي اقتحمت قوات أمن مغربية غير مسلحة المخيم، مما أدى إلى مقتل 11 شخصا من رجال الأمن ومدنيين اثنين.

وقال مصدر محايد (أجنبي) زار المخيم قبل اقتحامه، والتقته «الشرق الأوسط» في طانطان، إن سيطرة موالين لـ«البوليساريو» على المخيم كانت واضحة، بحيث شكلوا دوائر أمنية وحراسة منتظمة تراقب القوات المغربية التي كانت بدورها تراقب ما يجري داخل المخيم. وأشار المصدر الذي طلب عد ذكر اسمه، إلى أنه لاحظ وجود أسلحة بيضاء بعض منها عبارة عن سيوف ومدى بحجم كبير، يحملها شبان داخل المخيم، حيث كانوا يتحسبون لمواجهات مع قوات الأمن، وأوضح أنه التقى بعض هؤلاء الشبان وقالوا له بوضوح إنهم من مؤيدي «البوليساريو»، وأنه في حال استعملت قوات الأمن المغربية القوة (الرصاص) لتفكيك المخيم فإنهم يتوقعون انهيارا لوقف إطلاق النار بين المغرب و«البوليساريو». يذكر أن وقف إطلاق النار بين الطرفين ظل ساريا منذ سبتمبر (أيلول) 1991. وقال المصدر إن شكوكا ساورته ترجح أن يكون أولئك الشبان تلقوا تدريبات عسكرية.

وأشار المصدر إلى أن قوات الأمن المغربية التي كانت تتكون من الدرك والقوات المساعدة (أشبه بالشرطة) وكان عددها في حدود ثلاثة آلاف رجل، اقتحمت المخيم دون أسلحة، وكان يوجد فيه آنذاك قرابة 12 ألف شخص، ولم تستعمل قوات الأمن المغربية السلاح تحسبا لتفادي خسائر في الأرواح، وتجنبا كذلك لما كان سيثيره الأمر من إشكالات في الخارج، وأكد المصدر أن شبانا موالين لـ«البوليساريو» استعملوا سلاحا أبيض في مواجهة رجال الأمن المغاربة، وقال المصدر إن معظم الشبان من مؤيدي التيار الانفصالي استطاعوا بعد ذلك التوجه نحو مدينة العيون، حيث اندلعت أحداث عنف بالغة الضراوة وحرقت عدة أمكنة، منها بنوك ومؤسسات حكومية، كما هاجم المشاركون في الأحداث محطة تلفزيون محلية حكومية.

وعلى الرغم من أن كثيرين من الصحراويين في طانطان يتحفظون في الحديث عن تفاصيل تلك الأحداث، فإن قلة تحدثت معهم «الشرق الأوسط» عبروا عن اعتقادهم أن الأحداث أثارت استياء كبيرا، وأدت إلى تراجع التيار الانفصالي، وفي ظنهم أن الشبان الموالين لـ«البوليساريو»، استغلوا بعض البسطاء في تلك الأحداث، كما أشاروا إلى «العامل القبلي»، وقالوا إن أحداث العيون، أدت إلى تأجيج «حساسيات قبلية»، لكن دون أن يوضحوا ما يقصدونه من ذلك.

يشار إلى أن لجنة لتقصي الحقائق شكلها مجلس النواب المغربي شرعت، منذ أول من أمس (السبت) في جمع معلومات حول ما جرى، ويأمل أعضاء اللجنة أن يتوصلوا إلى جميع التفاصيل ومناقشتها ونشرها بعد ذلك. وقالت مصادر اللجنة إنهم تلقوا وعودا من وزارة الداخلية المغربية بأن تقدم لهم جميع المعلومات المطلوبة. وفي غضون ذلك، تأمل الحكومة المغربية تسريع وتيرة العمل في مشروع سياحي ضخم، يهدف إلى إنعاش المنطقة اقتصاديا ويؤدي إلى خلق فرص عمل تمتص مظاهر الاحتقان الاجتماعي.

وقال ياسر الزناكي، وزير السياحة: «نحن نأمل أن تكون لدينا (شرم الشيخ المغربية) في غضون أربع سنوات». وكان الزناكي يشير إلى مشروع يعرف باسم «وادي الشبيكة» تنفذه المجموعة المصرية «أوراسكوم» ويضم عدة مرافق سياحية، تهدف إلى جعل طانطان نقطة جذب سياحية في المنطقة، اعتمادا على ما يفرزه تلاقي الصحراء والبحر، من معطيات تستهوي السياح. يشار إلى أن هذه المنطقة تعد من أغنى السواحل الأطلسية في القارة الأفريقية بالأسماك، كما أن المناخ الصحراوي جعلها بمنأى عن أي تلوث.

وقال الزناكي للمراسلين إن المجموعة المصرية شرعت في العمل وستشيد «مارينا» وخمسة فنادق حديثة في إطار «المخطط الأزرق»، وهي خطة تهدف إلى تشييد محطات سياحية كبرى في عدة أنحاء من المغرب. وبدا الزناكي متفائلا وهو يقول: «اختير المغرب عالميا وجهة سياحية جذابة، حيث منح درجة استثمارية من مؤسسات دولية على الرغم من الأزمة العالمية». ويعتقد الزناكي أن طانطان ستصبح على غرار جزر الكناري الإسبانية التي تقع قبالة شواطئ الصحراء. وزاد قائلا: «المدينة ستكون قبلة سياحية وستروج لمستقبل سياحي زاهر لكل الصحراء». وقال المسؤول المغربي أيضا إن «الهدف البعيد من (موسم طانطان) أن يتحول التراث الفلكلوري إلى تراث ثقافي، يستهوي السياح الذين يبحثون عن السياحة الثقافية».