الرئيس الإيراني يتحدى سلطة البرلمان.. وسياسيون يتخوفون من الاندفاع إلى الديكتاتورية

نواب طالبوا بمراجعة سلطات أحمدي نجاد.. وحذروا من اتخاذ إجراءات ضده بما فيها السعي لعزله

الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد يضع نظارة واقية لدى حضوره عرضا لليزر في طهران (أ.ب)
TT

قبل عامين، رفض البرلمان الإيراني الكثير من قرارات الرئيس محمود أحمدي نجاد وعزل أحد كبار وزرائه. ولكن اليوم، فإن الرئيس الطموح يتجاهل بشكل متكرر القوانين التي يقرها البرلمان ويقلص من سلطتها، مما دفع بعض السياسيين والمحللين للإعراب عن قلقهم من انزلاق البلاد نحو الديكتاتورية.

ووجود برلمان قوي يعتبر أمرا أساسيا في النظام السياسي في إيران، هذا النظام الذي يمزج بين الدين والديمقراطية ويقسم السلطات بين البرلمان والرئيس وعدد من مجالس العلماء. لكن أحمدي نجاد، الذي يستقوي بدعم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، يقول إنه يمارس فقط حقوقه التي كفلها له الدستور. ويقول أحمدي نجاد إن على البرلمان أن يتوقف عن وضع العقبات أمام تقدم إيران. وفي خطاب مفتوح كشف عنه مؤخرا، طالب عدد من كبار البرلمانيين بحل لهذا النزاع المتصاعد، وحذروا من أنهم قد يبدؤوا في اتخاذ عدد من الإجراءات ضد الرئيس، بما في ذلك السعي لعزله، إذا لم يتم مراجعة سلطاته.

ويشكو أعضاء البرلمان من أن أحمدي نجاد يرفض التوقيع على القرارات التي يقرها البرلمان والتي تكون ملزمة قانونا لحكومته. ويتهمونه بإنفاق مليارات الدولارات من دون الحصول على موافقة أعضاء البرلمان، 290 عضوا، وإعاقته لتمويلات ضخمة لبلدية طهران، التي على خلاف معه هو وحكومته. كما يقولون إن حكومته لم تقدم توضيحات تفصيلية عن ميزانية الدولة للعام المقبل، وتنفق مبالغ غير معروفة على عشرات الرحلات إلى محافظات إيران – وهي أمور مخالفة للدستور.

وقد كتب رئيس البرلمان، علي لاريجاني، وأربعة أعضاء بارزين آخرين قائلين إن دور البرلمان الرقابي والتشريعي، المنصوص عليه في دستور 1979، في خطر. ومن بين ما جاء في هذا الخطاب شديد اللهجة التحذير من أنه «إذا كانت الحكومة مصرة على الحد من سلطات البرلمان، فإن هذا سيكون بمثابة القضاء على النظام الجمهوري». وبعد ثورة 1979، دعمت الغالبية الساحقة من الإيرانيين استفتاء حوَّل إيران إلى جمهورية إسلامية يكون للمرشد الأعلى فيها القول الفصل في كل الشؤون السياسية والدينية. وتقع مسؤولية إدارة الشؤون اليومية للحكومة على عاتق البرلمان المنتخب عبر الانتخاب السري المباشر، ورئيس (أحمدي نجاد) ووزراء، وعدد من مجالس العلماء، ينتخب أعضاء بعضها ويعين أعضاء البعض الآخر، ومن المفترض أن يراقب ويشرف كل منها على الآخر بطريقة أو بأخرى.

ولكن منذ إعادة انتخاب أحمدي نجاد في انتخابات مثيرة للجدل عام 2009، فإن الصراعات بين هذه القوى تأججت وفي كل مرة كان الرئيس يخرج منتصرا. ورد أحمدي نجاد على رسالة البرلمانيين بتأكيده أنه الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية، بعد المرشد الأعلى علي خامنئي. وقال نجاد في مؤتمر صحافي يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني): «كرئيس، فإنني أرأس السلطة التنفيذية، وآتي في المرتبة الثانية بعد المرشد الأعلى، وأنا مسؤول عن تنفيذ الدستور. إنهم يضيعون وقتنا بهذه الرسائل».

وهذه المعركة السياسية توضح الوجه المتغير للسياسة في إيران، التي كانت تقاد على مدى عقود بقيادة تضم الكثير من الفصائل المتنافسة. وفي خلال السنوات الأخيرة، تم وقف السياسيين الذين قادوا ثورة 1979 وأغلقت أحزابهم وأودع بعضهم السجون. لكن مع تمركز السلطة بشكل متزايد في يد أحمدي نجاد والمرشد الأعلى، فإن الرئيس ودائرة صغيرة من المقربين منه يتحركون في اتجاه إعادة تشكيل البلاد. إنهم يسعون إلى تعزيز مكانة إيران محليا وعلى الساحة الدولية وإعادة توزيع المساعدات المقدمة للفقراء وتوسيع نفوذهم على المدارس والجامعات ونقل ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة إلى خارج العاصمة طهران.

ويقول عماد أفروغ، العضو السابق في البرلمان الإيراني، الذي كان من أشد المؤيدين لأحمدي نجاد ولكن يختلف الآن مع سياساته إن حكومة نجاد تقول «إنها تحتاج إلى المزيد من السلطات وتريد إطلاق يدها لتنفيذ سياساتها». وأضاف أفروغ أن البرلمان أصبح عقبة بالنسبة للرئيس ووزرائه. لكنه حذر من محاولات تحجيم البرلمان قائلا: «لكن، إذا تم إضعاف البرلمان واتخذت القرارات من شخص، بشكل مخالف للدستور، فإن ذلك سوف يعني تحول إيران إلى الديكتاتورية». وفي نهاية فترة أحمدي نجاد الأولى، كان البرلمان مليئا بالسياسيين الذين كانوا من بين أشد المؤيدين له، لكن من المفارقات فقد بذلوا قصارى جهدهم للحد من سلطات الرئيس، مما اضطره إلى تغيير عدد من وزرائه كما تم استجواب الكثير من أعضاء الحكومة بصورة علنية. إن الذين كان يعارضون أحمدي نجاد في البرلمان كانوا يشاركونه رؤيته للكثير من السياسات العامة، لكنهم كانوا غير راضين عن الطريقة التي كان يستخدمها لإقرار هذه السياسات.

وفي عام 2008، عزل البرلمان علي كوردان، وزير التعليم وأحد المقربين من أحمدي نجاد، بعد أن اكتشف أن درجة التي قال إنه حصل عليها من جامعة أكسفورد لم تكن صحيحة، وأجبر وزراء آخرين على الاستقالة. وقد اتهم أحمدي نجاد البرلمان في ذلك الوقت بأنه يسعى «لتخريب» حكومته.

وبينما يخول الدستور البرلمان حق سحب الثقة من الرئيس لانتهاكه القوانين وتجاهل إشرافه، فإن البرلمان الحالي ضعيف للغاية ومنقسم سياسيا لدرجة تمنعه من القيام بمثل هذه الخطوة الراديكالية، وذلك وفقا لآراء بعض السياسيين والمحللين.

ولا يجرؤ سوى عدد قليل من أعضاء البرلمان على انتقاد الرئيس بصورة علنية، لأنهم بحاجة إلى دعم حكومته لمشاريع البنية التحتية في دوائرهم لمساعدتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2012، وحاجز آخر هو خامنئي الذي، بموجب الدستور، له القول الفصل في مسألة عزل الرئيس. وقد أعلن خامنئي في الكثير من خطبه دعمه لسياسات الحكومة، لذلك فمن المستبعد جدا أن يقرر قرار بهذا الشأن من البرلمان. وبدلا من ذلك فقد أمر بتشكيل لجنة خاصة لحل الخلافات بين البرلمان والرئيس. وقد حاول العضو البارز بالبرلمان علي مطهري على مدار أسابيع جمع 72 توقيعا لطلب استجواب الرئيس، وهي عقوبة قانونية دون العزل. وعندما كشفت وسائل الإعلام الموالية للحكومة عن بعض أسماء الموقعين المزعومة على هذا الطلب، نفى جميعهم بشدة توقيعهم عليها. وقد أكد مطهري أن الكشف عن هذه الأسماء كان خدعة من أحمدي نجاد وحكومته، وتعهد بالإبقاء على أسماء الموقعين سرية. وفي الوقت الراهن، وعلى الرغم من تحدي قرارات البرلمان لعدد كبير من المرات، فإن الرئيس ووزراءه لا يواجهون تهديدا جديدا.

ويقول عباس عبدي، المحلل السياسي، المعارض للحكومة: «نظرا للدعم غير المحدود الذي تقدمه مراكز القوى الأخرى لأحمدي نجاد، فإن يدي البرلمان مقيدتان. هذا هو سبب أن الحكومة قوية والبرلمان عاجز تماما وضعيف».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»