إيران: نجاد يقيل متقي ويعين مسؤول الملف النووي قائما بأعمال وزارة الخارجية

الخارجية الأميركية لـ: تركيزنا على السياسات وليس على الشخصيات * أوروبا تدعو طهران إلى استمرار التفاوض

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال حديث جانبي مع وزير خارجيته منوشهر متقي في وقت سابق (أ.ب)
TT

بعد أشهر من خلافات ظلت تتصاعد يوما بعد يوم، قرر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وضع حد لما ظل يثار من جدل سرا، وجهرا، بإقالة وزير خارجيته منوشهر متقي، أثناء وجوده في السنغال في زيارة رسمية، ودفع إلى المنصب أحد حلفائه، المقربين علي أكبر صالحي، رئيس البرنامج النووي الإيراني، للمنصب بالإنابة، وهو الذي كان رشحه في السابق لتولي حقيبة الخارجية في عام 2005، لولا رفض المرشد الأعلى علي خامنئي.

وجاءت هذه الإقالة المفاجئة في الوقت الذي تدخل فيه إيران مرحلة جديدة من المفاوضات مع الدول الكبرى حول ملفها النووي، عبر قرارين صدرا عن الرئيس الإيراني يتضمنان شكرا لمتقي على العمل الذي قام به، وتعيين صالحي مكانه بالإنابة، الذي يجب أن يحظى بموافقة البرلمان. وبينما لم يصدر أي تفسير لهذه الإقالة التي تأتي بعد أيام من عودة المفاوضات بين إيران والقوى الست الكبرى حول الملف النووي الإيراني. إلا أن ردودا غربية دعت طهران إلى الاستمرار في التفاوض مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، على الرغم من إقالة متقي. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، إن التغيير لا يعنيها.. «تركيزنا ليس على الشخصيات بل على السياسات».

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن أحمدي نجاد قوله مخاطبا متقي في قرار الإقالة: «أشكر وأقدر لكم عملكم وخدماتكم التي أديتموها طوال فترة عملكم في وزارة الخارجية»، مضيفا: «آمل أن تنال جهودكم الجزاء من عند الله، وأن تنجحوا في باقي حياتكم في خدمة شعب أمتكم الإسلامية». ويزور متقي حاليا السنغال، حيث سلم الرئيس السنغالي عبد الله واد رسالة من أحمدي نجاد، بحسب ما نقلت الوكالة.

وجاء في قرار الرئيس الإيراني تعيين صالحي وزيرا للخارجية بالإنابة أنه «نظرا للالتزام والعلم والخبرة القيمة التي تتمتع بها، فإنه يتم تعيينك في منصب وزير الخارجية بالإنابة». وكان صالحي عين على رأس منظمة الطاقة الذرية في يوليو (تموز) 2009 برتبة نائب رئيس، مباشرة بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا. وتسلم صالحي منصب سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية طيلة أربع سنوات حتى يناير (كانون الثاني) 2004، وقد درس الفيزياء النووية في مؤسسة ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة (إم آي تي) ذائعة الصيت، وكان الغربيون ينظرون إليه على أن مواقفه معتدلة.

وركزت وسائل الإعلام كثيرا خلال الفترة الأخيرة على صالحي وهو يعلن تحقيق إنجازات في البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ويتخوف المجتمع الدولي من أن تكون إيران تستفيد من برنامجها النووي السلمي لتصنيع سلاح نووي. وكان صالحي أعلن عشية اجتماع جنيف في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) أن إيران باتت تتحكم للمرة الأولى في مراحل إنتاج الوقود النووي كاملة.

أما متقي فتسلم وزارة الخارجية في أغسطس (آب) 2005، وكان آخر ظهور دولي له خلال مشاركته في منتدى المنامة حول الأمن في الخليج في الثالث والرابع من ديسمبر. ووصف خلال وجوده في المنامة تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال المنتدى نفسه، حول إمكان السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بشروط معينة، بأنه «خطوة إلى الأمام».

والمعروف أن جميع المسؤولين الإيرانيين يكررون دائما أن مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران ليست «قابلة للتفاوض».

وترى مصادر إيرانية أن إقالة متقي القريب من رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني المعارض لأحمدي نجاد حول الكثير من الملفات، إنما يعود على الأرجح إلى نزاعات سياسية داخل المعسكر المحافظ في السلطة. وأضافت أن متقي قد يكون عارض رغبة الرئيس الإيراني في قيام «دبلوماسية موازية» لوزارة الخارجية تسلم إلى مجموعة صغيرة من مستشاريه القريبين. ويقول محللون إن تغيير وزير الخارجية علامة على اشتداد الخلاف بين أحمدي نجاد ولاريجاني.

وأفاد التلفزيون الإيراني بأن صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية، سيكون قائما بأعمال وزير الخارجية. وقالت الوكالة الرسمية إن صالحي سيقوم بأعمال وزير الخارجية إلى جانب مهام منصبه الحالي. لكن مصدرا أبلغ وكالة أنباء فارس شبه الرسمية أن المسؤول النووي الرفيع محمد غنادي قد يحل محل صالحي رئيسا لهيئة الطاقة الذرية. وقال موقع على الإنترنت مؤيد للإصلاحيين إن متقي أقيل من منصبه لأنه كان ينتقد سياسة أحمدي نجاد الخارجية.

وقال موقع «مردومسلاري» «لم يتكيف متقي مع وجهات نظر الرئيس وسياسته الخارجية». وقال موقع «خبر أون لاين» القريب من الحكومة إن متقي «انتقد الرئيس بشدة لأنه أنشأ جهازا دبلوماسيا موازيا»، عن طريق تعيين ستة مستشارين لشؤون السياسة الخارجية. وسحقت حكومة أحمدي نجاد يدعمها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي احتجاجات الشوارع عقب فوزه في انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) 2009. وأدت الانتخابات إلى تعميق الخلافات بين المتشددين الذين يتولون الحكم والذين يرفض بعضهم تزايد قوة أحمدي نجاد اقتصاديا وسياسيا. وحث لاريجاني، وهو من أشد منتقدي سياسات أحمدي نجاد الاقتصادية، خامنئي ضمنيا على كبح جماح رئيس الدولة دون أي استجابة تذكر في ما يبدو. وحذر نواب بارزون من أنهم قد يتخذون إجراء قانونيا ضد الرئيس، بل وقد يحاسبونه بغرض عزله إذا واصل تجاهل الدستور. ويقول منتقدون إن أحمدي نجاد ينفق دولارات النفط دون موافقة البرلمان.

وامتنعت وزارة الخارجية الأميركية من التعليق مباشرة على إقالة متقي من منصبه، حيث قال ناطق باسم الوزارة لـ«الشرق الأوسط»: «تركيزنا ليس على الشخصيات بل على السياسات».

وأضاف: «لقد رأينا بالتقارير أن إيران عينت وزير خارجية مؤقتا، ليس لدينا تعليق محدد حول هذا التغيير في الموظفين».

وتشدد واشنطن على أهمية أن تتعاون إيران مع المجتمع الدولي لحل برنامجها النووي، من دون التعليق على وضع صالحي في منصب وزير الخارجية المؤقت. وقال المسؤول الأميركي: «نحث إيران على تبني سياسات بناءة في المنطقة والالتزام بتعهداتها الدولية في ما يخص برنامجها النووي»، مضيفا: «لو فعلت ذلك، فإننا والمجتمع الدولي الأوسع مستعدون لبناء روابط جديدة ومثمرة مع إيران».

من جهته، دعا وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي أمس، طهران إلى الاستمرار في التفاوض مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، وذلك على الرغم من إقالة وزير خارجيتها منوشهر متقي. وقال الوزير الألماني الذي تشارك بلاده في مجموعة الدول الست (مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن) التي تفاوض إيران: «نأمل أن تتواصل المفاوضات التي بدأت لتوها في جنيف». وأضاف الوزير الألماني لدى وصوله للمشاركة مع نظرائه الأوروبيين في اجتماع ببروكسل، أن إقالة متقي يجب ألا تؤدي «إلى تعطيل أو تأخير هذه المباحثات». وتابع: «المباحثات بدأت ويجب أن تستمر مهما كان الظرف السياسي».

واستؤنفت المباحثات بين مجموعة الدول الست وإيران الأسبوع الماضي حول البرنامج النووي الإيراني بعد توقفها 14 شهرا. ومن المقرر أن يجتمع الطرفان مجددا في إسطنبول نهاية يناير (كانون الثاني). وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أعلنت أن الرئيس محمود أحمدي نجاد أقال متقي من دون أي تفسير للقرار. وعين الرئيس الإيراني رئيس البرنامج النووي الإيراني علي أكبر صالحي بالإنابة في منصب وزير الخارجية، في انتظار تعيين خلف لمتقي يتعين أن ينال ثقة البرلمان! بحسب الوكالة.

وفي فيينا قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن صالحي اكتسب أثناء فترة عمله مع زملائه من الدبلوماسيين، خبرات ودراية بالأمور الفنية والسياسية الخاصة بمجريات الأمور بتلك المنظمات، لا سيما العمل بالوكالة الذرية، مؤكدين أنه ظل يتمتع باحترام وتقدير الأوساط المختلفة، بما في ذلك ممثلو الدول الغربية، التي كانت قد بدأت في تشديد ضغوطها على إيران بعد الكشف عن البرنامج النووي الإيراني غير المعلن أواخر 2003.

وفي هذا السياق، أشار مصدر زامن الفترة التي عمل بها صالحي إلى قدراته اللغوية وإجادته للعربية والإنجليزية بطلاقة ولتواضعه وهدوئه وصوته المنخفض حتى في أحلك اللحظات، مسترجعا كيف كان صالحي يتنقل من عاصمة لأخرى بين دول الجوار النمساوية، التي غطاها كسفير غير مقيم، في فترة حرجة عانت فيها النمسا مقاطعة دولية، بسبب اشتراك حزب الحرية اليميني في الحكومة اليمينية التي تولت مقاليد السلطة، مضيفا أن تلك كانت فترة عمل شاقة لأي سفير دع عنك سفير إيران، الذي كان عليه ملاحقة مستجدات قضية الملف النووي الإيراني الذي بدأت تفاصيله وخفاياه تتكشف بعد 18 عاما من السرية.