جموع الخريجين الصينيين يجاهدون من أجل الحصول على وظائف مناسبة

اشتكوا من فظاظة أهل بكين وتكاليف المعيشة المرتفعة وكآبة الوظائف التي يعملون فيها

يتكدس عشرات الآلاف من الشباب المكافح ويمكث كل أربعة في غرفة («نيويورك تايمز»)
TT

وصلت ليو يانغ، ابنة عامل في منجم فحم، إلى العاصمة بكين الصيف الماضي حاملة شهادة دبلومة حديثة حصلت عليها من جامعة داتونغ وليس في حافظة نقودها سوى 140 دولارا وقدر من العزم. وتذوقت ليو الواقع لأول مرة في اليوم ذاته، حيث جرت حقائبها عبر حي متهالك لا يبعد كثيرا عن المركز الأوليمبي حيث يتكدس عشرات الآلاف من الشباب المكافح ويمكث كل أربعة في غرفة. وعبست ليو، التي لم تستطع العثور على سرير وكانت مستاءة بسبب الدهاليز الموجودة في المباني العشوائية، من جراء رائحة القمامة المحيطة بها. وقالت ليو: «ليست بكين كما تظهر في الأفلام».

ويعد الخريجون الطموحون مثل ليو، الذين يكونون في الغالب أول من أكملوا دراستهم الثانوية في عائلاتهم، جزءا من موجة غير مسبوقة من الشباب الصيني الذين يفترض أن يدفعوا باقتصاد الدولة القائم على العمال إلى مستقبل قائم على الموظفين. وفي عام 1998 عندما أعلن جيانغ تسه مين، الذي كان رئيسا آنذاك، خططا لدعم التعليم العالي، وصل عدد خريجي الجامعات والمعاهد الصينية إلى 830 ألف سنويا. وارتفع العدد في مايو (أيار) الماضي ليصل إلى 6 ملايين ولا يزال في ازدياد.

مع أن ذلك يعد إنجازا كبيرا، لا تمثل هذه الأعداد لحكومة مهووسة بالاستقرار سوى مبعث للقلق. ولا يوفر النمو الاقتصادي، رغم قوته، وظائف تخصصية مناسبة تستطيع استيعاب تدفق هذا العدد الكبير من الشباب الحاصل على شهادات جامعية. كذلك يتحمل الكثير منهم عبء ما ينتظره منهم آباؤهم، الذين أنفقوا كل ما يملكونه حتى يوفروا لهم حياة كريمة من المفترض أن يضمنها التعليم العالي.

وقال زانغ مينغ، أحد المتخصصين في العلوم السياسة والمعروف بانتقاده لنظام التعليم في الصين: «لم تمنحهم الدراسة الجامعية أي شيء. فالأمر بالنسبة إلى الكثير من شباب الخريجين يتعلق فقط بسبل الحياة. فإذا حدثت أزمة اقتصادية، سيكونون مصدرا لعدم الاستقرار».

وفيما يبدو وضعا معكوسا، يزداد الطلب على طبقة المهاجرين القديمة من القرويين غير المتعلمين الذين اندفعوا باتجاه المدن الصناعية لتصنيع سلع للتصدير. ويرجع ذلك إلى نقص العمالة في السوق الفورية وتشديد رقابة الحكومة مما رفع أجور العمال. لكن يبدو أن توافر العمالة المدربة على المحاسبة والأمور المالية وبرمجة الحاسبات لا حد له وتراجعت قيمتهم، حيث ارتفع متوسط الراتب الأول للعمال المهاجرين بنسبة 80 في المائة في الفترة بين 2003 و2009، في حين ظل متوسط الراتب الأول لخريجي الجامعات كما هو في الفترة نفسها، أو انخفض بالفعل إذا وضعنا التضخم في الاعتبار.

وقد صك علماء الاجتماع الصينيين كلمة جديدة للإشارة إلى المتعلمين الذين يبحثون عن عمل مثل ليو وهو «قبيلة النمل». وتشير الكلمة إلى عددهم الكبير، حيث تضم بكين فقط 100 ألف على الأقل، وكذلك تشير إلى تكدسهم في أحياء مزدحمة يكدحون من أجل الحصول على أجور تجعل حتى عمال المصانع الذي يتقاضون أجورا زهيدة يتوقفون مع أنفسهم ليفكروا في الأمر.

وتحاول الحكومة المركزية، التي تعي مخاطر النمو غير العادل، توجيه المزيد من التنمية إلى المناطق الداخلية مثل مقاطعة شانشي، وهي التي جاءت منها ليو، حيث أدى انهيار الصناعات التابعة للدولة منذ 10 سنوات إلى ظهور سلسلة من المدن الفقيرة.

ورغم جهود الحكومة، ارتفع متوسط دخل سكان الحضر العام الماضي عن دخل سكان الريف بمقدار 3.3 مرة. ونتيجة لهذا التفاوت وإغراء بريق الثروة في المدن الساحلية مثل شانغهاي وتيانجين وشنتشن، يستمر توافد شباب الخريجين.

قال لي زودونغ، 25 عاما، وأحد زملاء ليو في الدراسة ويعمل والده بائع خضار متجولا: «تبدو قريتي في شانشي في حقبة الخمسينات مقارنة ببكين. إن مكثت هناك سأعاني الفراغ والإحباط».

بينما يحقق بعض خريجي الجامعات الجدد نجاحا، تثبط التحديات وعناصر الإحباط همة الكثيرين. ويمكن لظروف المعيشة أن تصبح مأساوية ومع العمل المجهد على مدار ستة أيام أسبوعيا لا يتبقى سوى مساحة ضيقة من الوقت بالكاد تكفي للنوم وتناول الطعام وتنظيف الملابس.

لكن أكثر ما يجده الوافدون الجدد مربكا بقدر أكبر هي العوائق التي لا يمكن للعمل وحده أن يتغلب عليها، حيث لا تجعلهم شهادة التخرج وحدها يحظون بالاحترام في العاصمة، فأكثرهم من خريجي كليات تقع في أقاليم وتصنف بأنها من الدرجة الثالثة. ونظرا لأنهم أبناء لفلاحين أو عمال مصانع، فهم لا يتمتعون بالعلاقات الاجتماعية والاتصالات التي تمهد الطريق لأبناء الأثرياء من محدثي النعمة ومن لهم صلات بشخصيات سياسية. ومع خفوت ضوء النهار وامتلاء الشوارع بموظفي الاستقبال والخزينة ومندوبي المبيعات من الشباب العائدين إلى منازلهم، اصطحب يوان أصدقاءه إلى حارة مظلمة وصعدوا سلما ذا درجات متهالكة يؤدي إلى غرفته. وكانت مساحة الغرفة في مساحة سرير متوسط الحجم ويتشارك في حمام غير نظيف مع عشرات من مستأجرين آخرين ومساحة بها بوتاجاز مسطح ذو شعلة واحدة.

وفي النهاية استقر لي وأصدقاؤه على العمل في المبيعات لدى شركة معكرونة سريعة التحضير. وتبين أن المرتب الشهري المنخفض الذي يبلغ 180 دولارا شهريا مرتبط جزئيا بتحقيق مبيعات طموحة. عملوا لمدة 12 ساعة يوميا ويرتدون خلال ذلك قمصان غولف أرجوانية عليها عبارة «معكرونة لاو يون بالخضراوات واللحم»، وكانوا يعودون إلى المنازل بعد حلول الظلام ليتناولوا وجبة من المعكرونة السريعة التحضير.

«لا يعد هذا ما أردت القيام به، ولكن على الأقل لدي وظيفة»، هذا ما قاله لي بينما كان جالسا في غرفته في إحدى ليالي شهر أكتوبر (تشرين الأول). وكان يزين الغرفة طيور ورقية أوريغامية تركها شخص كان يسكن الغرفة قبله. وكانت اللمسة الشخصية عبارة عن ملصق معكرونة سريعة التحضير على الباب الأمامي.

ولأنه قام ببيع 800 صندوق فقط من المعكرونة خلال الشهر الجاري، أي أقل بمقدار 200 صندوق عن مستهدف المبيعات الخاص به، سيتلقى راتب لي التافه لطمة أخرى. وفي الوقت نفسه قام رئيسه في العمل بمضاعفة حصص المبيعات وبرر ذلك بحلول فصل الشتاء الذي يصفه بأنه «موسم متميز لتناول المعكرونة».

وخلال تناول وجبة العشاء في إحدى الليالي اشتكى يوان ولي وصديقتيهما من فظاظة أهل بكين وتكاليف المعيشة المرتفعة وكآبة الوظائف التي يعملون فيها. ولكنهم تعهدوا جميعا بالمحافظة عليها. وقال يوان: «بعد أن رأيت العالم الخارجي، الشيء الوحيد الذي أشعر بالأسى عليه أني لم أستمتع بمقدار أكبر خلال المرحلة الجامعية».

* خدمة «نيويورك تايمز»