مشاركون مغاربيون في ندوة «أمن الإنسان» العربي: لا يمكن تصور مجتمع مستقر دون دولة قوية

اعتبروا أن الدولة الآمنة ليست دولة الجيوش الضخمة.. وإنما التي ترعى إنسانا قادرا على حمايتها

TT

شدد مشاركون من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، خلال ندوة نظمتها مؤسسة «كونراد إيديناور» الألمانية، ومركز التنمية في منطقة تانسيفت (جنوب المغرب) بمراكش أول من أمس - على أن تطورات العقود الأخيرة أثبتت حقيقة الارتباط بين مستويين من الأمن: أمن الأفراد وأمن الدولة، وربما أهمية الأول بالنسبة للثاني، مبرزين أن «الدولة الآمنة، في الألفية الجديدة، ليست تلك التي تملك ترسانة من الأسلحة والمعدات العسكرية، والجيوش الضخمة عدديا، وإنما تلك التي كونت إنسانا مدنيا قادرا على حماية الدولة نفسها، والاستعداد للتضحية من أجل بقائها بيتا للجميع». وتركزت المناقشات التي تناولت «أمن الإنسان» العربي وتحدياته، كما رصدها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، حول التنمية البشرية بالمنطقة العربية، وعلاقة أمن الدولة بأمن الأفراد، حيث أجمع المشاركون على أنه لا يمكن تصور مجتمع مستقر من دون دولة قوية، وأنه لا استقرار للدولة من دون تلبية الحاجات الأساسية للأفراد، خاصة أن أساس كل الصراعات، التي تعرفها بعض بلدان المنطقة العربية، هو هشاشة الدولة. وفي الوقت الذي رأى فيه بعض المشاركين أن «الأمن ركيزة للتنمية»، قلب آخرون الآية، مشددين على أن «التنمية المنصفة هي الركيزة الأساسية للأمن».

ووسع آخرون من مشهد العلاقة بين أمن الأفراد وأمن الدولة، بتساؤلهم عن حالة أمن الدولة كفرد ضمن المجتمع الدولي، ذلك أنه إذا كان الفرد يعاني غطرسة الدولة، فإن الدولة قد تعاني بدورها غطرسة المجتمع الدولي، فتصبح بدورها مهددة في أمنها. وتناولت المناقشات مفهوم الدولة، بشكل عام، حيث تم التشديد على ضرورة التوفر على عدد من المواصفات، أولها أن تبنى الدولة على القبول والشرعية، من خلال الإقناع والتوافق. ومثل بعض المشاركين ببعض النماذج العربية، التي تتماهى فيها الدولة مع الحزب، مشددين على أنه لا يمكن تصور عمل أغلبية من دون معارضة، تكون لها حقوق، ويمكنها أن تدفع بعمل الأغلبية إلى الأمام.

وقال أحمد الشهبوني، رئيس مركز التنمية لمنطقة تانسيفت، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الندوة قراءة في تقرير التنمية العربية، من منظور نقدي، تروم فتح نقاش والخروج بخلاصات وتوصيات، بصدد مضامينه، وتم التركيز، خلال المناقشات، على شقين من الأمن، يتعلقان بالحماية من الخوف، وتأمين الحاجات الضرورية للأفراد. كما تم التركيز على أمن الدولة وأمن الفرد، ليتم الانتهاء إلى ضرورة التفاهم على الدولة، والتمييز بين السلطة والدولة، أي الدولة كغطاء يحضن الجميع، ويتكامل فيه أمن الفرد مع أمن الدولة، أما إذا كانت الدولة في خدمة سلطة معينة أو حزب معين، فهي لا تبقى في خدمة المواطن والفرد، وبالتالي لا نبقى أمام الدولة الجامعة والشاملة، وهذا يقودنا إلى إشكال أساسي يتلخص في أنه لن يكون هناك أمن حقيقي من دون دولة حقيقية تتمتع بالشرعية وبالتوافق حولها».

وشكلت مداخلة الدكتور محمد مالكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أرضية ومدخلا لمناقشة مضامين تقرير التنمية العربية، حيث أبرز، في بداية كلمته، أن التقرير اعتمد مقاربة شمولية وواسعة لمفهوم «أمن الإنسان»، من جهة أنه اعتبر مصادر تهديد «أمن الإنسان» متعددة الأبعاد ومتنوعة المضامين، تتوزع على الصعد الاقتصادية والغذائية والصحية والبيئية والشخصية والسياسية والاجتماعية، مما يعني، برأيه، أن البدائل والمعالجات لا يمكن أن تكون إلا متعددة المداخل، مشيرا إلى أن التقرير أثار، ضمن تعريفاته لمفهوم «أمن الإنسان»، نقطة معرفية على درجة بالغة الأهمية، تتعلق بطبيعة الدولة القادرة على تحقيق الأمن وفق المواصفات المطلوبة، حيث «الفرد لا يضمن لنفسه الأمن إلا في ظل دولة قوية، تخضع للمحاسبة، وتحكم بشكل جيد»، مما يعني، يضيف المالكي، أن «تقعيد حكم الدولة على أسس ومبادئ الحكامة الجيدة شرط لا مندوحة عنه، وهو ما نراه معطى إشكاليا في البلاد العربية». ورأى مالكي أن التقرير يرسم «صورة مقلقة عن طبيعة التهديدات التي تواجه البلاد العربية مجتمعة ودون استثناء»، حيث إن «أمن الإنسان» العربي محكوم بسبعة تحديات متكاملة الوظائف والأبعاد، يخص التحدي الأول «البيئة والضغوط على الموارد»، حيث إن البلاد العربية، التي ضمت 317 مليون نسمة سنة 2007، ستصل، حسب توقعات الأمم المتحدة، إلى 395 مليون نسمة سنة 2015، و60 في المائة منهم لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، وهي أعلى نسبة للشباب في العالم، كما سيتجاوز معدل التحضر 60 في المائة، بحلول عام 2020، مما يعني توقع مزيد من التغيرات في المنظومة القيمية والاجتماعية للسكان في عموم البلدان العربية.

ومقابل هذا التطور التصاعدي في مكونات البيئة الحاضنة للديمغرافية العربية، ثمة معطيات ضاغطة على أمن واستقرار هذه البيئة، من قبيل ندرة المياه وشح مصادرها، حيث لا يستغل العالم العربي سوى نسبة 47 في المائة من المياه في أوطانه، في حين يشترك في الباقي مع غيره من دول الجوار والمنابع، فضلا عن مخاطر التصحر وتلوث المياه، وإجهاد مصادرها الجوفية، وبطبيعة الحال لن تكون البلاد العربية في منأى عن التغيرات المناخية التي وسمت العالم في العقود الأخيرة، والتي بدأت تظهر نتائجها واضحة على الطبيعة والإنسان.

أما التحدي الثاني، فيتعلق بضعف الدولة وعسر تحولها إلى وعاء حاضن لأمن الإنسان وسلامته واستقراره. فالدولة العربية الحديثة أخفقت في إدراك مقومات الحكم الرشيد، كما هو متعارف عليه دوليا، إذ إنه في جل المسوحات والاستطلاعات التي أجراها معدو التقرير، يضيف مالكي، كان نصيب الدول العربية ضعيفا من حيث قبول المواطنين لها ودرجة التزامها بالعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومن حيث كيفية إدارتها لاحتكار استخدام القوة والإكراه، ومدى الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة. هذا التحدي الثاني يرتبط بتهديد ثالث، له صلة بـ«الأمن الشخصي للمواطنين» في البلاد العربية، فإذا كانت المعوقات البنيوية التي تحول دون قيام الدولة بوظائفها الدستورية والسياسية في توفير شروط «أمن الإنسان» العربي بالوجه الأكمل، فإن ثمة «فئات خارج نطاق التيار المجتمعي الرئيس لا تتمتع بالأمن الشخصي على الإطلاق»، وقد حصرها التقرير في «النساء المكرهات اللاتي تساء معاملتهم، وضحايا الاتجار بالبشر، والأطفال المجندين والمهجرين داخليا واللاجئين».

وبإطلالة سريعة على مضامين الفقرات ذات الصلة، يقول مالكي، تتجلى خطورة استمرار هذا التهديد على مستقبل تماسك المجتمعات العربية. ويخص التهديد الرابع «الأمن الاقتصادي» للدول والمواطنين، على حد سواء، إذ من المفارقات التي أسس عليها التقرير تحليله بصدد خطورة هذا التهديد، الصورة المضللة التي تعطيها الثروة النفطية عن الأوضاع الاقتصادية للبلدان العربية المنتجة لهذه الثروة الطبيعية ومشتقاتها، وقد استند في توضيح هذه المفارقة إلى المؤشرات المعتمدة في تقارير التنمية البشرية عموما، من قبيل مستويات دخل الفرد وأنماط نموها، وخيارات العمل والاستخدام، والفقر، والحماية الاجتماعية. لذلك، يضيف مالكي، وكنتيجة منطقية لتدهور «الأمن الاقتصادي»، واستفحال مظاهره الكمية والنوعية، تواجه البلاد العربية تهديدا خامسا، يتعلق بـ«الأمن الغذائي». فإذا كانت بعض البلدان العربية قد ابتعدت عن خط الجوع، بسبب إعادة توزيع ريع ثرواتها الطبيعية، وقد وصل بعضها حد التخمة مع ما نجم عن ذلك من مشكلات صحية (البدانة)، فإن أكثريتها تعاني ما سماه التقرير «القصور الغذائي» المترتب عن عدم توافر ما يكفي من الأطعمة المتنوعة الضرورية للتوازن الغذائي والصحي، مما ولد بدوره تهديدا سادسا، يتعلق بتحدي «الأمن الصحي».