سنوات من الجدل تلوح في الأفق قبل إقرار قانون الصحة في أميركا

جدل حول علاقة التأمين بالنشاط التجاري والمحكمة العليا قد تتدخل لحسم الخلاف

القاضي هنري إي. هودسون (أ.ب)
TT

بمعارضته لرأيين قانونيين سابقين، سلط الحكم الصادر عن محكمة في فيرجينيا ضد قانون الرعاية الصحية الذي طرحه الرئيس باراك أوباما الضوء على جانب غير مألوف من المسائل الدستورية وصعوبة التوصل إلى إجماع بين القضاة الذين يجسدون اختلافات في الخبرة والفلسفة والخلفية الحزبية.

وكتب القاضي هنري إي. هودسون، من محكمة المقاطعة الفيدرالية في ريتشموند (فيرجينيا)، بقناعة أن المطلب الذي ينص عليه القانون بأن يحصل غالبية الأميركيين على تأمين يمتد «لما وراء المدى التاريخي» لقضايا المحكمة العليا التي تجعل التنظيم الفيدرالي محددا في النشاط التجاري. إلا أنه خلال الشهرين الماضيين، أصدر قاضيان فيدراليان حكمين ينصان على أن هذا البند يقع في نطاق السلطة الممنوحة للكونغرس طبقا للمادة التجارية من الدستور.

وفي نهاية الأمر، سيتعين على المحكمة العليا حسم الخلاف، ويتوقع كثير من مراقبي المحاكم بالفعل صدور قرار قريبا، لكن الواضح الآن أن الطعون التي تقدمت بها عشرات الولايات ضد دستورية القانون لم يعد من المتعذر تجاهلها باعتبارها غير ذات قيمة، مثلما حدث في وقت سابق من العام من جانب بعض الخبراء وأنصار الحزب الديمقراطي.

من جهته، أعرب راندي إي. بارنيت، بروفسور الدستور القانوني بجامعة جورج تاون الذي يؤيد الطعون ضد قانون الرعاية الصحية، عن اعتقاده بأن «جميع العناصر المطلعة رأت في هذه الخطوة حركة جريئة. وربما كانت حركة جريئة مثلما أن أسلحة الدمار الشامل تعد خطوة جريئة».

والملاحظ أن موقف المحكمة العليا من المادة التجارية تطور عبر 4 قضايا على امتداد الأعوام الـ68 الماضية، 3 منها صدرت بها أحكام منذ عام 1995. وأقر اثنان من الأحكام الصادرة - «ويكارد» ضد «فيلبرن» عام 1942 و«غونزاليس» ضد «رايك» عام 2005 - سلطات فيدرالية واسعة لتنظيم حتى القرارات التجارية الشخصية التي في مجملها ربما تترك تأثيرا اقتصاديا أوسع. أما القضيتان الأخريان - الولايات المتحدة ضد «لوبيز» عام 1995 والولايات المتحدة ضد «موريسون» عام 2000 - فعمدتا إلى قصر السلطة التنظيمية للكونغرس على «النشاطات التي تؤثر بدرجة كبيرة على التجارة بين الولايات».

ولم تكن المسألة الرئيسية المعروضة على المحاكم هي ما إذا كانت سوق الرعاية الصحية تؤثر بدرجة بالغة على التجارة بين الولايات، وهي نقطة تقبلتها الأطراف كافة بصورة عامة، وإنما دارت القضية الأساسية حول نقطة لغوية: تحديد ما إذا كان التعريف الأمثل لعدم الحصول على تأمين بأنه نشاط، أو مثلما أشار إي. دنكان غيتشيل، المحامي العام لفيرجينيا، في قضية ريتشموند، حيث رأى أن «عدم النشاط» ذلك يقع خارج نطاق سلطة الكونغرس.

وأخبر غيتشيل، الذي ترافع في القضية نيابة عن المدعي العام لفيرجينيا، كينيث تي. كوتشينيلي، القاضي هودسون خلال جلسة استماع عقدت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنه إذا كان بإمكان الكونغرس فرض شراء تأمين صحي، فإنه بذلك لن تكون هناك قيود على السلطة الفيدرالية.

من ناحيتهم، رد محامو وزارة العدل بأن الأفراد ليس من حقهم اختيار الخروج من السوق الطبية لأنهم لا يعلمون قط متى قد يتعرضون لحادثة الاصطدام بحافلة ويحتاجون لعلاج. وبالتالي فإن عدم حصولهم على تأمين يعد قرارا نشطا من جانبهم بدفع مليارات الدولارات من مدفوعات الرعاية الصحية من أموالهم النقدية مباشرة، وهي قرارات فردية إذا جرى النظر إليها بصورة مجملة نجد أنها تحول مليارات الدولارات من تكاليف الرعاية إلى الحكومة والمستشفيات وشركات التأمين الخاصة، وبالتالي يمكن تنظيمها.

من جهته، علق القاضي هودسون، الذي عينه الرئيس السابق جورج دبليو. بوش، خلال جلسة الاستماع التي عقدت في أكتوبر بقوله إن موقف الحكومة الفيدرالية يمنح الكونغرس سلطة «لا حدود لها» لإجبار الأميركيين على «شراء سيارة أو الانضمام لصالة ألعاب رياضية أو تناول الهليون». وأول من أمس، صاغ هذا الرأي بصورة رسمية، وكتب قائلا: «هذا التعريف الواسع للنشاط الاقتصادي يخضع لتنظيم صادر عن الكونغرس يفتقر إلى حدود منطقية ولا تدعمه الفقرة التجارية من التشريع».

ومنذ أسبوعين فقط، توصل القاضي نورمان كيه. مون، من محكمة المقاطعة الفيدرالية في لنتشبرغ من فيرجينيا، إلى رأي متعارض تماما، حيث كتب أن «هذا الأمر بعيد عن كونه (عدم نشاط)، فمن خلال التخلي عن التأمين، يتخذ المدعون قرارا اقتصاديا بمحاولة دفع تكاليف الرعاية الصحية لاحقا من الأموال المتوافرة بحوزتهم، بدلا من دفعها الآن عبر شراء تأمين». وأيد قاض ثان عينه كلينتون القانون أيضا.

كما رفض القاضي هودسون ادعاء ثانويا من قبل الحكومة الفيدرالية بأنها تملك سلطة فرض مطلب التأمين في إطار سلطة الكونغرس لفرض ضرائب، وذلك لأنه بمجرد سريان هذه المادة عام 2014، سيجري فرض الغرامة على عدم امتلاك تأمين باعتبارها عقوبة ترتبط بضريبة الدخل.

ودفع هذا الادعاء محامي وزارة العدل لموقف حرج أصروا في إطاره على أن هذه المادة تشكل ضريبة، رغم أن الرئيس أوباما وقيادات ديمقراطية أخرى نفت بشدة خلال النقاش التشريعي أنهم يفرضون ضرائب. وقد منح القاضي هودسون هذا النفي ثقلا، ولاستخدام مشروع القانون بصورته النهائية كلمة «عقوبة» لوصف الغرامات، مما يشكل تغييرا عن النسخ السابقة. وأشار جاك إم. بالكين، بروفسور القانون في «ييل» ويساند دستورية القانون، إلى أن «هناك قضاة يتبعون وجهات نظر مختلفة بمختلف أرجاء المؤسسة القضائية الفيدرالية»، مضيفا أن المدعين ساعدوا قضاياهم على نحو محافظ. من جهته، بدا القاضي هودسون سعيدا بمعرفته أن رأيه سيكون واحدا من بين عدة آراء. وكتب قائلا: «قطعا ستأتي الكلمة الأخيرة من قبل محكمة أعلى».

* خدمة «نيويورك تايمز»