رحيل هولبروك.. صانع السلام في البلقان ومبعوث أميركا إلى أفغانستان

أوباما يجتمع مع مستشاريه لبحث الاستراتيجية في أفغانستان وباكستان من دون مبعوثه الخاص

باكستاني يشاهد خبر وفاة هولبروك على شاشة تلفزيونية في محل لبيع الأجهزة الإلكترونية في كراتشي أمس (أ.ب)
TT

غيب الموت مساء أول من أمس المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك الذي أصبح أحد أهم الشخصيات في إدارة الرئيس باراك أوباما منذ تعيينه في هذا المنصب قبل نحو 22 شهرا. وشكلت وفاة هولبروك المفاجئة صدمة للإدارة الأميركية التي أعرب أقطابها عن حزنهم لرحيل دبلوماسي بارز ترك بصمته على مراحل مهمة في التاريخ المعاصر، من الحرب في البوسنة إلى الحرب في أفغانستان. وقد خضع هولبروك لعملية جراحية في الشريان الأورطي يوم الجمعة الماضي بعد حدوث شق فيه، ثم خضع لعملية ثانية في اليوم التالي، إلا أنه توفي بعد ساعات من ذلك. ولم يكن هولبروك، 69 عاما، يعاني من مرض محدد أو يظهر عليه الإرهاق على الرغم من ساعات عمل طويلة وسفر متواصل إلى أفغانستان وباكستان ودول حليفة للولايات المتحدة في الحرب في أفغانستان. وكان الرئيس أوباما أول من نعى الدبلوماسي المخضرم بعد الإعلان عن وفاته، واصفا إياه بأنه «عملاق فعلي للسياسة الخارجية الأميركية، جعل أميركا أقوى وأكثر أمانا واحتراما»، فيما توالت ردود الفعل من كافة أنحاء العالم للإشادة بالدبلوماسي الأميركي. وأضاف أوباما: «هناك الليلة ملايين في شتى أنحاء العالم، أنقذ عمله حياتهم بل وأثراها». وتابع أن «التقدم الذي أحرزناه في أفغانستان وباكستان ينسب في جزء كبير منه إلى الجهود التي قام بها ريتشارد هولبروك بدون كلل من أجل المصلحة الوطنية لأميركا وسعيه إلى السلام والأمن». وتوفي هولبروك وهو منشغل بالحرب في أفغانستان والوضع في باكستان، حيث كان منهمكا في عملية مراجعة الاستراتيجية الأميركية للبلدين. وبينما نقل هولبروك إلى المستشفى يوم الجمعة من مقر وزارة الخارجية الأميركية، حيث كان مجتمعا مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» أن هولبروك قال لجراحه الباكستاني قبل خضوعه لعملية قلب: «يجب إنهاء هذه الحرب في أفغانستان».

وبينما كان هولبروك يعمل حتى يومه الأخير، تجد إدارة الرئيس أوباما نفسها حائرة حول تسمية بديل له. ولم ترد أسماء محددة حتى عصر أمس حول البدائل الممكنة لشغر هذا المنصب. وكانت التصريحات من المسؤولين الأميركيين المتعلقين بالملف الأفغاني - الباكستاني الأكثر تأثرا من نبأ وفاة هولبروك. وأعلنت وزيرة الخارجية كلينتون أن «أميركا فقدت هذا المساء (الاثنين) أحد أشد المدافعين عنها وأحد أكثر موظفيها العامين تفانيا». وأضافت: «كوزيرة للخارجية، اعتمدت على مشورته واعتمدت على قيادته. إنه يوم حزين لي ولوزارة الخارجية والولايات المتحدة. لقد كان ريتشارد مقاتلا حتى النهاية». أما وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس فقال إنه «لا يوجد شك بأنه لا عمل أصعب من مهمته الأخيرة كممثل خاص في أفغانستان وباكستان، وهي مهمة قام بها بنفس الاندفاع الذي جسد كل ما عمله خلال خمسة عقود من الحياة العامة». وأضاف غيتس بنبرة شخصية: «لا أعتبره فقط زميلا بل صديقا وسأفتقده». كما أشاد نائب الرئيس جو بايدن بهولبروك الدبلوماسي «الأكثر موهبة في جيله». وقال إن «أميركا خسرت أحد أعظم محاربيها من أجل السلام»، مشيرا إلى أنه اعتبر هولبروك صديقا. واعتبر السفير الأميركي لدى كابل كارل إيكنبري أن «أميركا تعاني من خسارة كبيرة، السفير هولبروك كان زميلا وصديقا وبطلا للشعب الأفغاني». وكانت هذه الخسارة ظاهرة صباح أمس في البيت الأبيض، حيث اجتمع الرئيس الأميركي بكبار مستشاريه حول الملف الأفغاني - الباكستاني، بمن فيهم نائبه جو بايدن وكلينتون ووزير الدفاع غيتس. إلا أن مستشاره الأبرز حول إنجاح الجهود المدنية في أفغانستان كان غائبا، بعد أن كان قد عمل على وضع اللمسات الأخيرة على مراجعة الاستراتيجية الأميركية وخاصة مضاعفة عدد المدنيين الأميركيين العاملين في أفغانستان حيث وصل عددهم إلى ألف دبلوماسي وموظف بإشراف هولبروك. وقال عنه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي عينه سابقا مندوبا لإدارته في الأمم المتحدة: «لقد أعاد الأمل إلى عدد لا يحصى من الأشخاص في العالم». وفي ردود الفعل الدولية، اعتبر الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الذي كانت علاقاته صعبة في بعض الأحيان مع هولبروك، أن رحيل ريتشارد هولبروك يشكل «خسارة للشعب الأميركي». وأضاف البيان الصادر من مكتب كرزاي أنه قد «حزن لوفاته المفاجئة». وكانت لهولبروك، مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، مناقشة على الأقل حادة جدا في العام 2009، تحدثت عنها وسائل الإعلام كثيرا آنذاك رغم نفي ذلك. وفي إسلام آباد، اعتبر الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أن «باكستان فقدت صديقا» برحيل هولبروك. وكتب زرداري في بيان أن «باكستان فقدت صديقا، وهولبروك لعب دورا أساسيا في الدبلوماسية الدولية لإحلال السلام في البوسنة ومحاربة المسلحين (الإسلاميين) في منطقتنا». ومن جهته، أشاد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندريس فوغ راسموسن بـ«الكفاءة الدبلوماسية والتصميم الكبير» اللذين كان يتمتع بهما هولبروك. وفي لندن وجه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ تحية لهولبروك، معتبرا إياه أحد «أفضل وألمع» دبلوماسيي جيله. أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فأشاد بالسفير هولبروك وحيا فيه «شخصية البطل الذي لا يكل». وقال كاميرون إن ريتشارد هولبروك كان «قوة عظيمة في الدبلوماسية الأميركية وبطل سلام لا يكل، عمل دون هوادة من أجل عالم أفضل». ومن جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير: «كان رجلا غير عادي وموظفا متميزا وشخصا قدم إسهامات هائلة من أجل عالم ينعم بقدر أكبر من السلام والعدل. سيتلقى كثيرون نبأ وفاته بحزن شديد في مختلف دول العالم». وقدمت الصين تعازيها برحيل هولبروك، حيث قال الناطق باسم الخارجية الصينية: «نقدم تعازينا برحيل هولبروك ونعبر عن تعاطفنا مع عائلته». كما أشادت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال إليو-ماري بذكرى «المفاوض الذي يعمل بدون كلل». بدورها، أشادت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون بالدبلوماسي الأميركي المخضرم وحيت ذكراه معتبرة أنه «بطل السلام والمصالحة» و«لعب دورا تاريخيا» في أوروبا عبر إحلال السلام في البلقان.

واعتبرت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان «إن السفير ريتشارد هولبروك كان رجلا مميزا، دبلوماسيا حقيقيا وبطلا للسلام والمصالحة ليس في باكستان وأفغانستان وحسب وإنما أيضا عبر العالم منذ قرابة نصف قرن أمضاها في خدمة بلاده والمجتمع الدولي». ومن اللافت أن هولبروك توفي قبل يوم واحد من الاحتفال بالعيد الـ15 لاتفاق «دايتون» لإنهاء الحرب في البوسنة بعد انهيار يوغسلافيا السابقة. وكان الرئيس السابق كلينتون عينه مساعدا لوزير الخارجية مكلفا الشؤون الأوروبية عام 1995، وبصفته هذه كان مهندس اتفاقات «دايتون» التي تفخر واشنطن بأنها أهم إنجازاتها الدبلوماسية في التاريخ المعاصر. وقد أطلق على هولبروك بعد ذلك لقب «كيسنجر البلقان» بسبب قوة قدرته على التفاوض وفرض التنازلات من جميع الأطراف.