أصدقاء وشيخ مسجد يروون رحلة تيمور من شاب عادي إلى متطرف

عائلته مصدومة.. وتؤكد أن تطرفه حدث بعد ذهابه من السويد إلى بريطانيا

TT

حمَّلت عائلة الانتحاري السويدي عراقي الأصل تيمور عبد الوهاب العبدلي بريطانيا مسؤولية تحول ابنها من شاب عادي إلى متطرف الأفكار، بينما وصفه الذين عرفوه بأنه كان حاد الذكاء في مرحلة الطفولة في السويد، لكنه كان عنيدا ودائما ما يقع في المشكلات. أما من صلوا ودرسوا معه في إنجلترا؛ حيث درس خلال الفترة الممتدة من عام 2001 حتى عام 2004، وحيث عاش إلى ما قبل الهجوم ببضعة أسابيع، فوصفوه بأنه شخص متعاون ودود سعى بحماس لاجتذاب أفراد لوجهات نظر متطرفة، لكنه كان سريع الغضب ولا يسامح سريعا.

ونقلت «ديلي تليغراف» عن صديق لتيمور أن عائلته صُدمت بالتحول الذي طرأ عليه بعدما ذهب إلى بريطانيا عام 2001 فقد تغير تماما وأطلق لحيته وبدأ يتحدث بلهجة جادة للغاية، وكان والداه قلقين عليه لكنهما اعتقدا أنه يمر بفترة تقلب فقط ولم يتصورا أن يصل إلى هذا الحد، وحسب الصديق فإن عائلته مصدومة للغاية، وتعتقد أن أحدا قام بعملية غسيل دماغ له عندما كان في دراسته الجامعية في بريطانيا.

وعكست كلمات تيمور، فيما يعتقد أنها رسائل إلكترونية بعث بها لوسائل الإعلام السويدية والشرطة قبل دقائق من تفجيره القنابل في شارع حافل بالمتسوقين في استوكهولم، زوجا وأبا حنونا، وأيضا متطرفا عنيفا قادرا على الحديث برقة عن أطفاله وعزمه على القتل في آن واحد. وبعد أن فتش المحققون منزلي المشتبه به في السويد وإنجلترا، بدأت ملامح صورة لتيمور عبد الوهاب العبدلي بالظهور. والعبدلي يبلغ من العمر 28 عاما، وهو عراقي سويدي تشير إفاداته الأخيرة إلى صلته بتنظيم القاعدة في العراق.

وقال تقرير لـ«نيويورك تايمز»: إنه ربما كانت الصورة الأوضح تلك التي قدمها قدير باكش، أحد الشخصيات البارزة في المركز الإسلامي في لوتون، وهو مسجد صغير في ريف بيدفوردشاير شمال لندن، الذي قال: إن العبدلي حضر إلى المسجد في رمضان في عام 2007 للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان. وكان ودودا ومؤدبا للغاية ومتعاونا. فكان يسهم في إعداد الشاي مع أذان المغرب ويتحدث بود مع الآخرين. لكن ما إن يحاول شيوخ المسجد الانضمام إلى الأحاديث التي يجريها مع المصلين الآخرين يمسك عن الكلام ويصمت تماما.

وأضاف باكش أن أحد الأئمة وجد العبدلي، في اليوم الخامس من إقامته في المسجد، يتحدث بسرية وعناية «عن التمرد ضد الحكام المسلمين». وأشار إلى أنه كان يتحدث «عن القهر الذي يعانيه المسلمون، لم يكن خطابا عنيفا، لكنه كان فكرا متطرفا». وأثار الحديث قلق الكثير من المصلين الذين يجاهدون بشدة لمنع إحياء الروابط القديمة للمسجد بالإرهابيين مثل عمر بكري محمد، الموجود حاليا في لبنان. في اليوم التالي، وبينما يجتمع المصلون لأداء صلاة الفجر، ألقى الإمام عظة للمصلين وجهها برقة إلى العبدلي حول مخاطر الآراء المتطرفة. وأضاف باكش: «نهض العبدلي واقفا واندفع خارج المسجد وهو يستشيط غضبا، ولم نره من حينها مرة ثانية. بدا الرجل منفعلا للغاية ومرتبكا جدا ومحبطا إلى أقصى حد. عادة عندما يتحداهم شخص غالبا ما يردون عليه من القرآن، لكنه لم يكن يملك المعرفة أو الفهم للرد؛ لذا غادر المسجد». وأشار باكش إلى أنهم أعلموا العبدلي فيما بعد أنه غير موضع ترحيب به في المسجد.

يظهر العبدلي في الصور التي نشرها على مواقع الإنترنت شابا طويلا حاد الملامح ومهندما في ملبسه وشعره ولحيته السوداوين. ويظهر في إحدى الصور وهو يرتدي نظارات شمسية وسترة سواء. ويقول طارق رسول، الذي كان صديقا للعبدلي خلال دراسته الجامعية في إنجلترا، في مقابلة مع «نيويورك تايمز»: إن العبدلي لم يكن يرتدي سوى الملابس الغربية على الرغم من انتماءاته. وبحسب البيانات الشخصية التي نشرها العبدلي على موقع المواعدة الإسلامي «مسلمة»، فإنه من مواليد بغداد وانتقل إلى السويد مع عائلته عام 1992 عندما كان يبلغ من العمر 10 سنوات. ويقول أصدقاء طفولته في مدينة تراناس الصغيرة والغنية، على بعد 3 ساعات بالسيارة من استوكهولم، لصحيفة «أفتونبلادت» السويدية إنه وصل إلى المنطقة مع شقيقته الكبرى ووالدته ووالده.

ونقلت صحيفة «أفتونبلادت» عن أحد معلمي العبدلي قوله: «كان طفلا فوق المتوسط»، بينما قال صديق له لم يرغب في التعريف بنفسه: «كان كثيرا ما يوقع نفسه في مشكلات، ودائم العراك».

تضم صفحة العبدلي على «فيس بوك» مقتطفات من هذا التضارب الواضح. فقد نشر الكثير من مقاطع الفيديو الخاصة بمقاتلين إسلاميين من حول العالم، والصورة التي وضعها لملفه على صفحته الخاصة كانت لشخص مقنع يرتدي قناعا ويلوح بعلم «القاعدة» الأسود، لكن في الوقت ذاته كان من بين اهتماماته الأخرى «ناشيونال جيوغرافيك»، وكذلك عبارة «أنا أحب الـ(آي باد) الخاص بي من (أبل)».

تشير صفحته على «فيس بوك» أيضا إلى أنه درس «الطب الرياضي في جامعة بيدفوردشاير في بريطانيا». وقالت الجامعة في بيان لها أصدرته يوم الاثنين الماضي: إن العبدلي، المعروف باسم تيمور عبد الوهاب، درس في الجامعة بين عامي 2001 و2004. وتشير التقارير الإخبارية البريطانية إلى أنه ربما يكون قد أقام في لوتون، أحد أماكن الإقامة في الجامعة بعد حصوله على البكالوريوس حتى قبل 3 أسابيع. وبحسب التقارير التي نشرتها الصحف السويدية يوم الاثنين، فإن زوجة العبدلي وأبناءه الثلاثة لا يزالون يعيشون في بريطانيا. ولم تنشر الكثير عن عائلته حتى الآن والروايات الإعلامية الأخرى لم يتم التثبت من صحتها.

لكنه قال على صفحته على موقع «مسلمة»، إنه متزوج منذ عام 2004. ووصف نفسه بأنه ملتزم للغاية، وقال عن ابنتيه إنهما تبلغان من العمر 3 سنوات وعاما واحدا. ولم تتوافر سوى معلومات قليلة عن الأسبوع الأخير الذي قضاه العبدلي في السويد، وآخر خطواته نحو الهجوم. لكنه قال في رسالة مسجلة، سجلت بالعربية والإنجليزية وأرسلها عبر البريد الإلكتروني إلى الشرطة السويدية ووكالة أنباء «تيدنينغارناس تليغرامبيرا»، قبل دقائق من التفجيرات: «حمى الله الدولة الإسلامية وشعبها». ويقول ديفيد كولمان، خبير الاتصالات والتجنيد في «القاعدة»، مستشار وزارة العدل البريطانية حسب «نيويورك تايمز»: «ما من شك في أنه كان يتحدث عن (الدولة الإسلامية في العراق)، وهو اللقب التي تطلقه جماعة (القاعدة) على نفسها في العراق، بينما الجماعات الأخرى لا تستخدم اللغة ذاتها، فهي إشارة محددة».

كان تنظيم القاعدة في العراق، الذي تقول الوكالات الاستخباراتية إن غالبية أفراده من العراقيين وبعض القيادات الأجنبية، قد أصدر تهديدا عام 2007 للسويد ردا على نشر الصور المسيئة للرسول التي تمثل رأس النبي على جسد كلب. ولم تزعم أي منظمة حتى الآن مسؤوليتها عن هجوم العبدلي، من جانبها لم تدلِ السلطات السويدية بمعلومات عن انتماءات محتملة للعبدلي. لكن المحققين السويديين قالوا إنهم مقتنعون أن العبدلي لا يعمل بمفرده.

في المقطع الأخير من تسجيلاته يتحول العبدلي بالخطاب إلى أسرته، قائلا بصوت خفيض: «قولوا لأبنائي إنني أحبهم، وإن أباهم لم يرض بالاستكانة وهو يشاهد الخنازير يذلون نبينا محمدا». قتل العبدلي، مستلقيا ظهره وسط بركة من الدماء في أحد شوارع استوكهولم قبل ساعات من احتفاله بعيد ميلاده التاسع والعشرين.