تقييم استخباراتي «سلبي» عن حرب أفغانستان عشية كشف أوباما عن الاستراتيجية الجديدة

تقريران سريان يستبعدان إحراز تقدم ما لم تتحرك باكستان ضد المسلحين عبر الحدود

أفغانيات وأطفالهن يمرون أمام عسكري ألماني في مدينة أمان ساهيب شمال قندهار أمس (رويترز)
TT

بينما يستعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لنشر مراجعة للاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، يقدم تقريران استخباريان سريان جديدان تقييما أكثر سلبية، ويقولان إن هناك فرصة محدودة للنجاح، إلا إذا طاردت باكستان المسلحين الذين ينشطون من الملاجئ الموجودة على حدودها مع أفغانستان. ويقول التقريران، أحدهما عن أفغانستان والآخر عن باكستان، إنه على الرغم من تحقق بعض المكاسب للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب، فإن عدم استعداد باكستان لإغلاق ملاجئ المسلحين في منطقتها القبلية الفوضوية ما زال يمثل عقبة خطيرة. ويقول قادة عسكريون أميركيون إن المسلحين يعبرون بحرية من باكستان إلى أفغانستان من أجل زرع قنابل ومحاربة القوات الأميركية، وبعد ذلك يعودون إلى باكستان للراحة والحصول على إمدادات جديدة. وقد انتقد قادة عسكريون أميركيون ومسؤولون بارزون في وزارة الدفاع (البنتاغون) هذه التقارير، واصفين إياها بأنها غير محدثة، وقالوا إن التاريخ النهائي للتقرير الصادر عن أفغانستان، وهو الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لا يسمح له بالنظر إلى ما قال الجيش إنه يمثل مكاسب خططية في إقليمي قندهار وهلمند في الجنوب خلال الستة أسابيع التي انقضت بعد ذلك التاريخ. ويقول البنتاغون ومسؤولون عسكريون أيضا إن التقارير كتبت من قبل محللين جالسين على مكاتبهم في واشنطن كانوا قد أمضوا وقتا محدودا، إن وجد، في أفغانستان ولا يملكون أي شعور بالمعاناة الناجمة عن الحرب. وقال مسؤول بارز في وزارة الدفاع تحدث بشرط عدم ذكر اسمه لأنه لم يرغب في أن يتم تحديد هويته أثناء انتقاده لوكالات الاستخبارات: «إنهم ليسوا موجودين على أرضية الميدان يعايشون الحرب يوما بيوم مثلما تفعل قواتنا، لذا فإنهم لا يملكون هذا القرب أو المنظور الصحيح». وقال المسؤول إن القوات الإضافية والبالغ عددها 30.000 جندي التي أمر أوباما بإرسالها إلى أفغانستان خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2009 لم تصل بأكملها حتى شهر سبتمبر (أيلول) وهو ما يعني أن وكالات الاستخبارات كان لديها وقت محدود للحكم على آثار هذا التصعيد. وهناك الآن نحو 100.000 جندي أميركي في أفغانستان. ويعكس الخلاف بين الجيش ووكالات الاستخبارات إلى أي مدى أصبح الجدل الدائر في واشنطن بشأن الحرب يركز الآن على ما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة النجاح في أفغانستان دون تعاون باكستان، التي عارضت تحديد مسارات المسلحين على حدودها رغم الضغوط الأميركية التي استمرت لسنوات. ويعكس الخلاف أيضا الاختلافات الثقافية القائمة منذ فترة طويلة بين محللي الاستخبارات، الذين يتمثل عملهم في التحذير من أخبار سيئة محتملة، والمعلقين السياسيين، الذين يتم تدريبهم من أجل الترويج للفكرة المتفائلة التي تؤمن بقدرة الولايات المتحدة على فعل أي شيء. ويقول قادة أميركيون ومسؤولون في البنتاغون إنهم لا يعرفون بعد ما إذا كان يمكن تحقيق الانتصار في الحرب دون تعاون إضافي من باكستان. ولكن بعد السنوات ومليارات الدولارات التي أنفقت لكسب تأييد الباكستانيين، يتصرف هؤلاء القادة والمسؤولون الآن على فرضية أنه ستكون هناك مساعدة محدودة منهم. ويصف القادة والمسؤولون الأميركيون أوكار المسلحين في باكستان بأنها عائق ضخم أمام العمليات العسكرية. وصرح اللواء جون كامبيل، قائد حلف الناتو في شرق أفغانستان للصحافيين الأسبوع الماضي في إقليم كونار الأفغاني النائي: «لن أقول رأيي بوضوح عن هذا الأمر، إن لديهم أوكارا ويتحركون بشكل منتظم على طول الحدود. إنهم ممولون ومدربون بشكل أفضل، وهم الأشخاص الذين يجلبون العبوات الناسفة»، مشيرا بذلك إلى القنابل التي يصنعها المسلحون، والتي تعتبر السبب الأبرز لوفيات الجيش الأميركي في أفغانستان.

ويقول القادة الأميركيون إن خطتهم خلال السنوات القليلة المقبلة هي قتل أعداد كبيرة من المسلحين في منطقة الحدود - ويشير الجيش الأميركي إلى هذه الخطة باسم «إضعاف طالبان» - مع بناء الجيش الوطني الأفغاني، في الوقت نفسه، إلى الحد الذي يمكن الأفغان من احتواء الجماعات المسلحة التي لا تزال تتلقى دعما من قبل باكستان، على الأقل. وقال بروس ريدل، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية يعمل الآن كزميل بارز في معهد بروكينغز للأبحاث، وقاد مراجعة البيت الأبيض للاستراتيجية الأفغانية خلال العام الماضي التي أدت إلى إرسال أوباما للقوات الإضافية: «هذا ليس الحل الأمثل بوضوح. لكن يجب أن نتعامل مع العالم الموجود لدينا، وليس العالم الذي نحبه. لا يمكننا أن نجعل باكستان تتوقف عن أن تكون شريرة». ويستمر المسؤولون الأميركيون والقادة العسكريون في الثناء على باكستان وعلى قائد جيشها الجنرال أشفق برفيز كياني علانية، وإن حدث هذا فقط لاعترافه بالمشكلة. وقال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية في أفغانستان الأسبوع الماضي: «الجنرال كياني وآخرون كانوا واضحين في اعترافهم أنهم يحتاجون إلى بذل مزيد من الجهد لضمان أمنهم ومن أجل تنفيذ عمليات بالفعل ضد الأشخاص الذين يهددون أمن الدول الأخرى». ولكن عددا كبيرا من المسؤولين الأفغان يقولون إن الولايات المتحدة، التي ترسل لباكستان نحو ملياري دولار في شكل مساعدات عسكرية ومدنية كل عام، تدلل باكستان دون أي هدف. وقال أمر الله صالح، رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي: «إنهم يستفيدون من احتياجاتك الأمنية المباشرة، وهم مستغرقون في هذا التفكير القائل إن السلوك السيئ يجلب أموالا». ويعيد تقرير الاستخبارات الباكستانية أيضا التأكيد على المخاوف الأميركية السابقة بشأن المخزون النووي لباكستان، وخصوصا خطر تهريب اليورانيوم أو البلوتونيوم المخصب من أحد المعامل أو أحد مواقع التخزين. وتأتي مراجعة البيت الأبيض في الوقت الذي يفقد فيه بعض أعضاء حزب أوباما الصبر إزاء الحرب. وقال آدم سميث، عضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية واشنطن الذي يعمل في لجنة الخدمات المسلحة واللجنة المختارة الدائمة بخصوص الاستخبارات في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي: «لن نصل إلى النقطة التي تختفي فيها حركة طالبان ويتم السيطرة فيها على الحدود بشكل مثالي». وأضاف إنه سوف تكون هناك ضغوط متزايدة من اليسار السياسي على أوباما من أجل إنهاء الحرب، وتوقع أن يعارض الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الاستمرار في إنفاق 100 مليار دولار سنويا على أفغانستان. وأضاف سميث: «لن نقضي وقتا طويلا هناك في محاربة هؤلاء الأفراد لأننا نحاربهم الآن منذ 20 عاما».

* خدمة «نيويورك تايمز»