حرزني: قدر المغرب أن يكون دائما في وضع غير مريح.. وهذه ضريبة الريادة

رئيس المجلس الاستشاري المغربي لحقوق الإنسان في حوار مع «الشرق الأوسط»: كلما كثر عدد الجمعيات الحقوقية يصبح الحقل الحقوقي مبتذلا ومجالا للمتاجرة

أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري المغربي لحقوق الإنسان («الشرق الأوسط»)
TT

قال أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري المغربي لحقوق الإنسان، إنه يعتقد أن قدر المغرب هو أن يكون دائما في وضع غير مريح، مشيرا إلى أن هذه هي الضريبة التي تفرضها الريادة، ويفرضها البحث عن الجديد والإبداع في المجالات الحقوقية والسياسية وغيرها.

وأوضح حرزني، وهو مناضل حقوقي، ومعتقل سياسي سابق، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، خلال وجوده مؤخرا في لندن، أن المفروض على جميع الفاعلين في المجتمع المغربي أن يكونوا واعين بهذا الدور أو بهذا القدر الذي هو قدر البلاد، وتحمله بكل مسؤولية، مشيرا إلى أن الشعب المغربي قادر على أداء ثمن كل هذا بما عهد فيه من صبر وجلد وقدرة على التحمل. وردا على سؤال حول تكاثر الجمعيات الحقوقية في المغرب، قال حرزني إن هذا التكاثر لا يمكن أن يفسر إلا بأن القضايا الحقوقية صارت تعتبر بالنسبة للبعض قضايا مربحة، وبالتالي كما يقع في ميداني التجارة والفلاحة وغيرهما، فكل واحد يريد أن يستفيد من هذا المورد بأكبر قدر ممكن، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة ليست محصورة في المجال الحقوقي، بل موجودة في المجالين السياسي والنقابي، معتبرا إياها «غير صحية».

وزاد قائلا إنه كما في مجال السياسة، فإن المجال الحقوقي أيضا لا يحتمل في الحقيقة أكثر من منظمتين أو ثلاث أو أربع أو حتى خمس، لكن ليس أكثر من هذا العدد، مشيرا إلى أنه كلما كثر عدد الجمعيات الحقوقية فهذا معناه أن الحقل الحقوقي يصبح مبتذلا، ويصبح مجالا للمتاجرة.

وبخصوص خفايا اختطاف واغتيال زعيم المعارضة المغربية الراحل المهدي بن بركة، قال حرزني «نحن تواقون لمعرفة الحقيقة في ما يخص ملابسات اختفاء واغتيال الشهيد بن بركة». وعزا حرزني عدم كشف فرنسا عن جميع ما لديها من معلومات بشأن ملف بن بركة إلى كونها ليست الجهة الوحيدة التي تخفي ما لديها من معلومات حول هذه القضية. وقال إنه في الجرائم بصفة عامة، وفي جرائم الاختفاء القسري بصفة خاصة، كلما كان عدد المشاركين في الجريمة أكبر فإن قانون الصمت يطبق بصرامة أكبر، قبل أن يضيف «هذا في نظري هو الذي يفسر العتمة التي ما زالت تلف ملف بن بركة».

إلى ذلك، قال حرزني إن قوات الأمن المغربي لو طبقت القانون بشكل صارم لما سمحت أولا بأن يتكون مخيم العيون الاحتجاجي، لأن عقد تجمع من هذا النوع من دون ترخيص، ومن دون بنية تحتية تضمن حدا أدنى من الأمن والنظافة، كان يجب في الحقيقة ألا يسمح به، لكنه سمح به، وهذا يدل على أنه كان هناك تساهل، وربما هذا التساهل يرجع إلى فهم غير سوي لاحترام حقوق الإنسان، لأن احترام حقوق الإنسان لا يعني التساهل مع القانون.

وفي ما يلي نص الحديث.

* إلى أي مدى أثرت أحداث العيون على ورش حقوق الإنسان في المغرب في ظل الحملات التي تشنها بعض الجهات الأجنبية عليه في محاولة لتشويه صورته الحقوقية؟

- إذا أردنا تناول أحداث العيون من زاوية حقوق الإنسان، فأعتقد، من جهة، أن جميع الملاحظين أجمعوا الآن على أن قوات الأمن المغربية لم ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مواجهاتها ليس فقط للاحتجاج ولكن للأعمال الإجرامية التي تخللت المراحل الأخيرة من الحركة الاحتجاجية، وليس أدل على ذلك من أن 11 شخصا من أصل الـ13 الذين يعتبرون ضحايا تلك الأحداث هم من قوات الأمن، وليسوا من المحتجين.

ومن جهة أخرى، أعتقد أن الملاحظين والمتتبعين والدارسين سيسجلون ربما أن ميل قوات الأمن، ليس في أحداث العيون فقط وإنما في مناسبات أخرى مثل الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي افني قبل سنتين، تجسد في تساهلها بشأن تفعيل القانون. وأذكر أنه خلال أحداث سيدي افني قام بعض المحتجين بمحاصرة شاحنات تحمل سمكا معدا للتصدير لمدة يومين أو ثلاثة، وهذا كان عملا غير قانوني تساهلت معه قوات الأمن، وأدى في نهاية المطاف إلى تعفن الوضعية واستفحال الأمور، ونفس الشيء تقريبا وقع في العيون بحيث لو أن قوات الأمن طبقت القانون بشكل صارم لما سمحت أولا بأن يتكون ذلك المخيم، ولو لأسباب صحية محضة، أو لأسباب حفظ النظام، لأن عقد تجمع من هذا النوع من دون ترخيص، ومن دون بنية تحتية تضمن حدا أدنى من الأمن والنظافة، كان يجب في الحقيقة ألا يسمح به، لكنه سمح به، وهذا يدل كما قلت على أنه كان هناك تساهل، وربما هذا التساهل يرجع إلى فهم غير سوي لاحترام حقوق الإنسان، لأن احترام حقوق الإنسان لا يعني التساهل مع القانون.

فهذه هي العلاقة التي أراها ربما بين موضوع حقوق الإنسان وسلوك قوات الأمن خلال أحداث مدينة العيون.

* أنت كمناضل حقوقي ويساري ورئيس مؤسسة تعنى بحقوق الإنسان، كيف تفسر المواقف المتشككة لجمعيات حقوقية في إسبانيا وأوروبا في المسار الحقوقي والديمقراطي بالمغرب؟

- بالنسبة لبعض الأحزاب والحركات الإسبانية، أعتقد أن الأمر، حتى نكون صريحين وواضحين، يتعلق بالحزب الشعبي الإسباني المعارض. وفي الحقيقة، هذا الحزب لا يمكن أن نشك في أن دوافعه ومنطلقاته يمكن أن نلخصها في نوع من الحنين للفترة الاستعمارية. هؤلاء الناس من المعروف أنهم يعتبرون أن انسحاب إسبانيا من الأقاليم الصحراوية تم في ظروف كان فيها الجنرال فرانسيسكو فرانكو مريضا، ويعتبرون أن المغرب تحايل على إسبانيا في تلك الفترة، واستطاع أن يستغل مرض الجنرال فرانكو لكي يتحصل على اتفاقية مدريد. فهؤلاء الناس يسعون إلى تدارك الأمور، ويعتبرون أنه كان يجب على إسبانيا ألا تتخلى عن ساكني الأقاليم الصحراوية، فهم يتصرفون وكأن من واجبهم الآن أن ينوبوا عن سكان الأقاليم الصحراوية. إذن، نحن هنا أمام حنين إلى الفترة الاستعمارية. وبالنسبة للاتجاهات أو الحركات أو الأحزاب السياسية الأخرى في أوروبا، خاصة بعض الأحزاب اليسارية سواء من النوع التقليدي أو النوع الذي اتخذ اللون الأخضر ليتدثر به، نجد أنفسنا هنا أيضا أمام نوع من السلوك الشيزوفريني الذي يأتي من أناس فشلوا في تحقيق الثورة في بلدانهم، ويريدون أن ينجزوها في غير بلدانهم. إذن، نحن بصدد تصرفات سياسية من حركات هي في الحقيقة غير ناضجة وغير متشبعة بضرورة إعمال الموضوعية والدقة والعلمية في تناول الأمور. فهذه الأحزاب كلها، كان أضعف الإيمان بالنسبة إليها أن تنتظر صدور تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حتى تكون لديها معطيات مبنية على ملاحظات ميدانية ولقاءات مع السكان، وعلى مقارنة أقوال هذا الطرف وذاك. فهذا الأمر لم يحصل، والذي حصل هو أن الأحزاب المعنية عبرت عن أفكار مسبقة تجاه المغرب، ومع ذلك يجب أن نقر بأن هذا السلوك الصادر عن جميع هذه الأحزاب، يمينية كانت أو يسارية، سواء الإسبانية أو غير إسبانية، يؤشر إلى وجود نقص في التواصل من طرف المغرب الرسمي عبر وزارة الخارجية والدبلوماسية، وأيضا وجود قصور فظيع من طرف الأحزاب السياسية المغربية، ذلك أن الطيف السياسي الذي نجده في أوروبا نجد مثله أيضا في المغرب، ومع ذلك لا بد من الإقرار بأن الأحزاب المغربية ربما عجزت أو قصرت في محاولة تقريب مثيلاتها في الخارج من حقيقة الوضع في مدينة العيون، والمغرب بصفة عامة.

هناك نقد ذاتي يجب أن نقوم به جميعا، ويجب طبعا أن نراجع أنفسنا في عدد من مواطن القصور، التي تجب معالجتها، خاصة في مجال التواصل، ومجال تعبئة الأحزاب الوطنية والمجتمع المدني المغربي من أجل اتصالها مع مثيلاتها في أوروبا.

* في سياق الحديث عن النقد الذاتي، هناك قناعة لدى كثيرين بأن المغرب هو ضحية انفتاحه الديمقراطي، وضحية إيمانه بضرورة المضي قدما في ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان. فما تعليقكم على ذلك؟

- هذا صحيح، ولو أنه يجب ألا يستعمل كذريعة لعدم مراجعة الذات، وعدم القيام بنقد الذات. صحيح أنه إذا فتحت الأبواب للمنظمات الحقوقية الدولية أو لغيرها لكي تدخل إلى البلاد، وتقوم بالتحريات، التي تريد، وتتحدث مع من تشاء، فلا بد أن السلبيات التي ما زالت موجودة ستسلط عليها الأضواء، وسيتم تضخيمها، وبالتالي هناك فعلا ثمن للانفتاح، وثمن للدمقرطة التي انخرطت فيها البلاد. وهذا الثمن يجب أن نقبل بأدائه من دون أي مشكلة، كما أن هذا لا يمنع من أنه يجب أن نعمل جميعا من أجل أن تكون هناك مقاربة للتعامل مع الشركاء والأصدقاء الأوروبيين وغير الأوروبيين الذين يأتون للمغرب، وكذلك المنظمات الحقوقية، إذ يجب علينا جميعا الاستعداد والتعبئة من أجل إقناعهم بضرورة الإمساك بخيط الموضوعية والحيادية في تناول الأمر.

* الملاحظ أن المغرب اختار الانفتاح وإقامة ورش الإصلاح في سياق محيط منغلق. ألا ترون أن هذه البادرة المغربية وسط هذا المحيط المنغلق كانت لها كذلك تداعيات، حيث إن المغرب، رغم ما عرفه من تطورات إيجابية، فإنه حينما يقارن بدول المحيط يوضع في نفس الكفة تقريبا. فماذا تقول في هذا الشأن؟

- بالفعل إن انتماءنا إلى العالم العربي وأفريقيا هو أيضا سيفرض ثمنا يجب أن نؤديه. وكيفما كانت الفتوحات والاختراقات التي ننجزها أو نطمح إلى إنجازها، فإننا ينبغي، في نفس الوقت، أن نبقى متشبثين بانتمائنا العربي والأفريقي، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يصل هذا الثمن إلى هذا الحد الذي تفترضه؟

لا أعتقد أن هناك أي أحد، بمن في ذلك من يهاجموننا سواء في إسبانيا أو البرلمان الأوروبي أو في المنظمات الحقوقية، ينكر أن المغرب يتميز عن محيطه سواء العربي أو الأفريقي. وفعلا فإن المغرب يتميز عن محيطه، إذ لا يوجد بلد آخر في العالم العربي فتح صفحة الماضي للنقد والفضح والتحري، مثلما فعل المغرب. إنني أتساءل في هذا السياق أيضا: ما هو البلد العربي الوحيد، إذا استثنينا تونس، الذي يتوفر على مدونة (قانون) للأسرة مثل مدونة الأسرة المغربية؟ إن مجالات تميز المغرب لا تكاد تحصى، وهذا يفرض علينا نحن المغاربة مسؤولية تكمن في ضرورة مواصلة هذا المسار، أي مسار ترسيخ حقوق الإنسان، ومسار دمقرطة البلاد، من دون أن نتنكر لمحيطنا العربي والأفريقي، وأنا ألح على هذه المسألة.

أعتقد أن قدر المغرب هو أن يكون دائما في وضع غير مريح، وهذه هي الضريبة التي تفرضها الريادة ويفرضها البحث عن الجديد والإبداع في المجالات الحقوقية والسياسية وغيرها. وطبعا المفروض على جميع الفاعلين في مجتمعنا المغربي أن يكونوا واعين بهذا الدور أو بهذا القدر الذي هو قدر البلاد، ونتحمله بكل مسؤولية. وأعتقد أن الشعب المغربي قادر على أداء ثمن كل هذا بما عهد فيه من صبر وجلد وقدرة على التحمل.

* عاش العالم مؤخرا ولا يزال على إيقاع تسريبات «ويكيليكس»، وكشفت بعض الوثائق عن وجود اتصالات بين منظمات حقوقية وسياسية مغربية والسفارة الأميركية في الرباط. كيف تنظر أنت إلى هذا النوع من الاتصالات خاصة حينما يتم استعمالها كنوع من الاستقواء بالأجنبي؟

- للأسف توجد دائما في جميع المجتمعات بما فيها المجتمع المغربي ميولات إلى الاستقواء بالأجنبي. فأنا لا أنفي هذا الاحتمال، كما أنني لم أطلع بعد على ما ذكرته، لكنني لا أستبعد أن تلجأ بعض الجهات الحقوقية، وربما حتى بعض الجهات السياسية، من حين لآخر إلى جهات أجنبية، أميركية أو أوروبية أو غيرها، للاستقواء بها.

هذا شيء وارد. ولا ننسى أنه في تاريخ المغرب كانت هناك ظاهرة الاحتماء بالأجنبي. لا أعتقد أن الظاهرة الآن موجودة بنفس الحدة، لكنها كميولات لا تزال قائمة وموجودة، وبالنسبة لي، وإن كانت هذه الميولات موجودة عند البعض، فهذا يجب ألا يخيفنا أو يقلقنا أكثر من اللازم، لأن الشعب المغربي بصفة عامة مستعص على مثل هذه الأمور. فهذه أشياء لا يمكن أن تكون إلا هامشية، ولا يمكن إلا أن تهمش أصحابها، وبالتالي لكل امرئ ما نوى.

* الملاحظ أن مغرب اليوم يتميز بكثرة الجمعيات الحقوقية التي أصبحت تتناسل بشكل كبير لدرجة أن هناك من يعتقد أن هذا التناسل أصبح عملية تجارية تدر الربح على أصحابها. كيف تفسرون هذا التكاثر؟

- هذا التكاثر لا يمكن أن يفسر إلا بأن القضايا الحقوقية صارت تعتبر بالنسبة للبعض قضايا مربحة، وبالتالي كما يقع في ميداني التجارة والفلاحة وغيرهما، فكل واحد يريد أن يستفيد من هذا المورد بأكبر قدر ممكن، لكن الذي يجب تسجيله هو أن هذه الظاهرة ليست محصورة في المجال الحقوقي، بل موجودة في المجالين السياسي والنقابي، وهي، طبعا، ظاهرة غير صحية.

وأعتقد أنه كما في مجال السياسة، فإن المجال الحقوقي أيضا لا يحتمل في الحقيقة أكثر من منظمتين أو ثلاث أو أربع أو حتى خمس، لكن ليس أكثر من هذا العدد. وكلما كثر عدد الجمعيات الحقوقية فهذا معناه أن الحقل الحقوقي يصبح مبتذلا، ويصبح مجالا للمتاجرة، وهذا أمر يجب التنبيه إليه والوقوف ضده. وأتمنى أنه كما هو الأمر في السياسة حيث نتوق إلى مشهد سياسي تسيطر عليه أو تميزه ثلاثة أو أربعة اتجاهات سياسية وليس أكثر، فإننا نتوق كذلك في المجال الحقوقي إلى أن يتقلص عدد الجمعيات، وتتقوى الجمعيات التي تستطيع أن تستمر في الوجود.

* بالنسبة للملفات الحقوقية العالقة، خاصة ملف المهدي بن بركة، ما هو في نظرك السر وراء عدم إفراج فرنسا عن الوثائق المتعلقة بهذا الملف.. وماذا سيكون موقفكم أو بالأحرى تعاملكم لو أن الوثائق تسربت يوما ما بفعل فاعل أو أن الدولة الفرنسية كشفت عنها؟

- نحن تواقون لمعرفة الحقيقة في ما يخص ملابسات اختفاء واغتيال الشهيد المهدي بن بركة. الآن، لماذا فرنسا لا تكشف عن جميع ما لديها من معلومات؟ أولا، فرنسا ليست الجهة الوحيدة التي تخفي ما لديها من معلومات حول قضية بن بركة. وأذكر أنه قبل سنتين أو ثلاث سنوات، أعلنت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن رفعها السرية عن الوثائق المتعلقة بالفترة الممتدة من عام 1965 إلى عام 1970، وطلبت آنذاك من بعض الأصدقاء أن يطلعوا على الأرشيف الذي تم الإفراج عنه، والغريب أن ذلك الأرشيف لم يأت فيه ذكر المهدي بن بركة إلا مرة واحدة. وهذا أمر غريب. وتفسيري لذلك هو أنه في الجرائم بصفة عامة، وفي جرائم الاختفاء القسري بصفة خاصة، كلما كان عدد المشاركين في الجريمة أكبر فإن قانون الصمت يطبق بصرامة أكبر. وهذا في نظري هو الذي يفسر العتمة التي ما زالت تلف ملف بن بركة. فكثرة المتواطئين والمشاركين في الجريمة هي السبب في ذلك.

* بعد مرور أكثر من 20 سنة على تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ما تقييمكم لحصيلة عمل هذا المجلس، وأين تضع رئاستكم له مقارنة مع الذين سبقوك، وهل من نقد ذاتي لتجربتك فيه؟

- أعتقد أن 20 سنة هي مدة طويلة، وهي في نفس الوقت قصيرة. طويلة لأننا كجيل نتوق إلى أن نرى، ونحن لا نزال أحياء، نتائج النضالات التي قام بها الشعب المغربي من أجل الحصول على حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن في نفس الوقت هناك أشياء كثيرة تجعل المرء يشك أحيانا في أنه بالإمكان في ظرف جيل واحد أن تتحقق كل الطموحات، لكن على كل حال، أعتقد أن كل ملاحظ موضوعي لو قارن بين حال المغرب قبل 20 سنة وحاله اليوم، في جميع النواحي سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرهما، سيقر بأن ما أنجز لا يستهان به، طبعا مرة أخرى أقول إنه ربما كان بالإمكان إنجاز أكثر، وفي ظرف أقصر، لكن هذا الأمر مرهون ليس بفاعل واحد أو اثنين، وإنما بجميع الفاعلين، وبالتالي فإن السؤال لا ينطرح على المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لكنه ينطرح على الحكومة وعلى الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، خاصة الحقوقية منها، ويظل السؤال هو: هل قام جميع هؤلاء الفاعلين بأقصى ما كان بإمكانهم القيام به؟ لأن الأمر ليس فيه قدر أو حتمية معينة. فكل الأمور البشرية هي أمور مرهونة بالفاعلين، الذين إذا قاموا بأقصى ما يمكن القيام به، آنذاك تتحقق الأمور بسرعة أكبر. لكن إذا كان هناك خلل لدى الفاعلين فلا تنتظر أن تتحقق الأحلام والأهداف بنفس السرعة، وبالتالي فإن السؤال ينطرح على المجلس الاستشاري وعلى جميع الفاعلين الآخرين. وفي ما يخص النقد الذاتي، لا أحس، بكل صراحة، بأن هناك مسافة كافية لأقوم بنقد ذاتي، فأنا عندما كلفت برئاسة المجلس الاستشاري، حددت لنفسي مهام معينة. أولا، استكمال متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ثانيا، الانتقال بالمجلس إلى التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لأنها هي التي تهم أوسع دائرة من المواطنين، ثالثا، إصلاح المؤسسة بحيث تصبح مؤسسة قادرة على الاستمرار بغض النظر عمن هو الرئيس.

وأعتقد أن هذه الأمور تحقق منها الكثير، ولا بد أنني أكون قد قصرت في بعض المضامير أو ارتكبت أخطاء، لكنني لا أتوفر على المسافة الكافية لأحدد بالضبط مكامن هذه الأخطاء الممكنة أو التقصير الممكن.