أوباما: حرب أفغانستان صعبة لكن نتجه لتحقيق أهدافنا

مراجعة للاستراتيجية الأميركية فيها: ضربة موجعة لـ«القاعدة» وطالبان ولكن التقدم «هش»

الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث للصحافيين في البيت الأبيض أمس عن التقرير السنوي الخاص بأفغانستان وباكستان وانسحاب القوات الأميركية منهما («نيويورك تايمز»)
TT

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الحرب في أفغانستان «ما زالت عملا صعبا جدا، ولكن أستطيع أن أقول بأنه بسبب الخدمة المتفوقة لجنودنا وموظفينا المدنيين على واقع الأرض نحن نتجه لتحقيق أهدافنا». وأضاف في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض أمس أن زيادة القوات الأميركية في أفغانستان وتوسيع العمل مع حلفاء واشنطن يعني «أننا في موقع هجوم، ولكن التقدم يأتي ببطء وبثمن عال». وكرر الرئيس الأميركي ما قاله تقرير تقييم الاستراتيجية الأميركية بأن «التقدم هش ويمكن أن يتراجع».

واعتبر أوباما أن الاستراتيجية الأميركية صائبة وفي طريقها إلى تحقيق الأهداف المحددة في أفغانستان، وهي هزيمة تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان. وبينما لا يحدد التقرير أي أهداف أو تقدم في استقرار أفغانستان وتقدمها كبلد، شرح وزير الدفاع غيتس في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن «هدفنا ليس أفغانستان في القرن الـ21، أو كبلد خال من الفساد، بل ما علينا عمله لعكس تقدم قدرات طالبان العسكرية كي تستطيع القوات الأفغانية تولي المسؤولية الأمنية.. مع تزويد بعض القدرات البسيطة المحلية». وأضاف: «علينا أن نكون واقعيين في تحديد أهدافنا».

إلا أن أوباما أكد أنه «من أجل الحفاظ على التقدم الأمن، علينا أن نقوم بجهود مماثلة في الجانب المدني.. نحن بحاجة إلى جهود مستمرة لتقديم الخدمات للأفغاني.. ودعم العملية السياسية بما فيها المصالحة مع مفاوضات مع عناصر طالبان الذين يتخلون عن العنف ويلتزمون بالدستور الأفغاني».

ولفت أوباما إلى أن الولايات المتحدة ستوقع اتفاقية استراتيجية مع أفغانستان العام المقبل لإثبات «الالتزام الأميركي البعيد الأمد» للبلاد. كما أشار إلى أهمية العلاقات مع باكستان و«تشجيع تعاون أوثق بين أفغانستان وباكستان». وأكد أوباما على مواصلة جهود إدارته التعاون مع إسلام آباد، قائلا إنه سيزور باكستان العام المقبل، وستكون هناك زيارات متبادلة لمسؤولين من البلدين.

و دعا أوباما باكستان إلى تكثيف عملياتها للقضاء على الملاذات الآمنة للإرهابيين داخل حدودها مؤكدا أن التقدم في هذا الصدد «لم يكن سريعا بالدرجة الكافية».

وحرص كل من أوباما وكلينتون وغيتس على تقديم العزاء إلى عائلة الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك في مقدمة تصريحاتهم حول التقرير الأميركي الجديد. وأوضحت كلينتون أن هولبروك كان مجتمعا معها قبل أسبوع لبحث الملف الأفغاني والباكستاني عندما عانى من أزمة قلبية أدت إلى وفاته.

وكشفت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تقريرها لتقييم الاستراتيجية في أفغانستان وباكستان أمس، يؤكد على إضعاف تنظيم القاعدة ويعكس تقدم عناصر طالبان إلا أنه يحذر من أن التقدم في أفغانستان ما زال هشا «ويمكن أن يتراجع». وبعد أسابيع من المشاورات مع كبار مستشاريه والقادة العسكريين في أفغانستان، قدم أوباما تقريره إلى الكونغرس أمس بالتشديد على أهمية مواصلة المهام في أفغانستان، مع التركيز على نقل السلطات الأمنية إلى الأفغان بحلول عام 2014. وهذا ما تم الاتفاق عليه في قمة لشبونة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. ولا يكشف التقرير أي تغيرات في الاستراتيجية الأميركية المتبعة منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2009، بل يؤكد على تلك الاستراتيجية مع تقوية استراتيجية مكافحة التمرد. ويؤكد التقرير أن واشنطن ما زالت تعتزم القيام بخفض «مسؤول» لقواتها في أفغانستان اعتبارا من يوليو( تموز) 2011.

واعتبر التقرير في مقدمته أن العمليات العسكرية في أفغانستان والتعاون الأميركي مع حلفاء لواشنطن حول العالم «نجحت في توجيه ضربات جدية لقدرات القاعدة وإنهاء قيادة طالبان في أفغانستان». ويذكر أن هناك الآن 97500 جندي أميركي في أفغانستان، 81500 منهم ضمن وحدات قوات «إيساف» التابعة لـ«الناتو». ويعتبر التقرير أن نجاح مهام تلك القوات يعتمد على «تحسين قدرات مكافحة الإرهاب بين أصدقائنا وحلفائنا»، خاصة الذين يقعون في منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا.

وجاء في ملخص التقرير أن القوات الأجنبية «في أفغانستان توقف الزخم الذي حققته طالبان في السنوات الأخيرة في أغلب أجزاء البلاد وتم القضاء عليه في مناطق رئيسية لكن هذه المكاسب ما زالت هشة ويمكن أن تتلاشى».

وشرح التقرير التقدم العسكري الذي أحرز في معاقل طالبان في ولايتي قندهار وهلمند في جنوب البلاد ورحب بتعزيز القوات الأمنية الأفغانية. ووزع البيت الأبيض نسخة من ملخص التقرير للصحافة، طوله 3 صفحات، يشرح جهود «مكافحة التمرد وبناء قوات الأمن الأفغانية ودعم الحكم المحسن والتنمية من أجل حماية الشعب الأفغاني وتطوير الأمن المستدام». وعبارة «الأمن المستدام» هي العبارة الأهم بالنسبة لإدارة أوباما التي تلتزم بموعد يوليو (تموز) 2011 لبدء سحب القوات الأميركي تدريجيا من أفغانستان.

واعتبر التقرير أن «الدينامية التي اكتسبتها طالبان في السنوات الماضية أوقفت في قسم كبير من البلاد وتم التصدي لها في بعض المناطق الأساسية لكن هذا التقدم يبقى هشا ووقتيا». أكد أن «الانتشار المسرع للموارد العسكرية الأميركية والدولية في المنطقة الذي بدأ في يوليو 2009 وتواصل بعد مراجعة السياسة (الأميركية في أفغانستان) من قبل الرئيس في خريف السنة الماضية أتاح إحراز تقدم».

وهذا التقرير الذي هو موضع ترقب شديد كان طلبه أوباما في ديسمبر 2009 حين أعلن عن تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان ليصل عديدها إلى مائة ألف عنصر، أي أكثر بثلاثة أضعاف من عدد الجنود الذين كانوا في البلاد منذ تولي الرئيس مهامه في مطلع 2009. وكانت سنة 2010 الأكثر دموية بالنسبة للقوات الأجنبية في البلاد لكن التقرير لم يشر إلى تغيير في هذه الاستراتيجية. وقال التقرير: «استراتيجيتنا في أفغانستان تهيئ الشروط لبدء خفض مسؤول للقوات الأميركية في يوليو 2011»، مشيرا أيضا إلى موعد 2014 الذي أقره حلف شمال الأطلسي خلال قمته في لشبونة قبل شهر من أجل «نقل كامل» للمسؤوليات الأمنية للقوات الأفغانية. ومن اللافت أن التقرير لم يشر إلى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أو تهم الفساد الموجهة لحكومته.

ويتطرق التقرير إلى الوضع في باكستان أيضا. وأفاد بأن «قيادة القاعدة في باكستان أصبحت أضعف وتتعرض لضغوط أقوى من أي وقت مضى منذ أن فرت من أفغانستان عام 2001»، عند اجتياح الولايات المتحدة وحلفائها هذا البلد بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. واعتبر التقرير أن دعم السلطات الباكستانية في مجال مكافحة الإرهاب أساسي، قائلا إن «التقدم في علاقتنا مع باكستان خلال السنة الماضية كان جوهريا لكن أيضا متفاوتا».

وامتنع التقرير عن الاستنتاج بأنه تم القضاء على قادة «القاعدة» لا سيما أن زعيمها أسامة بن لادن والرجل الثاني أيمن الظواهري لم يعتقلا بعد. لكنه أكد أن قدرة «القاعدة» على شن اعتداءات «تراجعت» لكن «لم توقف». وأوضح أن «قيادة القاعدة أضعفت والمنطقة التي توجد فيها أصبحت أقل أمانا وقدرتها على التحضير لعمليات إرهابية ضعفت بشكل كبير». وأضاف أن «مؤامرات إرهابية لا تزال تحاك ضد الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا»، معتبرا أن «الهزيمة الاستراتيجية النهائية للقاعدة ستنجز عبر القضاء على مخابئها في المنطقة وعلى من تبقى من قياداتها».

وبين «التعديلات» اللازمة بحسب معديه، أشار التقرير إلى «تعاون أفضل مع باكستان على طول الحدود مع أفغانستان لمنع المتطرفين من أن يكونوا بأمان».

وفي المقابل يرى منتقدو الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان أنها طموحة أكثر مما ينبغي لا سيما مع الفساد المستشري في البلاد والوضع السياسي الهش الذي يمكن أن يصعب الحفاظ على المكاسب الأميركية.

وكان مسؤولو الإدارة قللوا أول من أمس من أهمية تقريرين للاستخبارات أوردتهما صحيفتان وعبرا عن تشاؤم إزاء الحرب. ونقلت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«لوس أنجليس تايمز» أن التقريرين اللذين يتناول أحدهما أفغانستان والثاني باكستان، يعرضان رؤية أكثر تشاؤما للوضع مقارنة مع التقييم الوارد في تقرير تقييم الاستراتيجية. ورغم الضربات التي تنفذها طائرات التجسس الأميركية في المناطق القبلية غرب باكستان، فإن عدم رغبة الباكستانيين في ضرب معاقل المتمردين لا يزال يتيح لطالبان الانتقال بحرية عبر الحدود لضرب قوات التحالف الدولي والعودة إلى باكستان، كما نقلت الصحيفتان عن التقريرين.

ويتعرض أوباما لضغوط كي يظهر للأميركيين أن زيادة القوات الأميركية التي أمر بها في أفغانستان لا تؤتي فقط بثمارها بل أيضا أنه يسعى لوضع استراتيجية للخروج من هناك.