مطلوب للعدالة تحول إلى صاحب حصانة.. بتمكنه من دخول البرلمان خلسة

جدل في المكسيك حول إمكانية محاكمة برلماني متهم بغسل ملايين الدولارات لعصابة مخدرات

جوليو سيزار غودوي (وسط) يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان المكسيكي في سبتمبر الماضي (أ.ب)
TT

رغم كونه هاربا من السلطات الفيدرالية ومتهما بغسل ملايين الدولارات لحساب واحدة من أخطر عصابات الاتجار بالمخدرات في المكسيك، قال جوليو سيزار غودوي إنه تمكن من دخول البرلمان هنا ببساطة من دون أن يلحظه أحد في سبتمبر (أيلول) الماضي، مجتازا صفا من ضباط الشرطة الموكلين بمراقبة المبنى. وبعد ذلك، رفع يده اليمنى وأقسم يمين الولاء للدستور المكسيكي، وبعد 15 شهرا من اختفائه عن الأنظار العامة، جلس أخيرا على المقعد البرلماني الذي فاز به العام الماضي.

وحينئذ، كان الأوان قد فات أمام المحققين ولم يعد بإمكانهم اتخاذ أي إجراءات ضده. فقد حملت المكانة الجديدة التي بلغها غودوي معها ميزة خاصة: الحصانة ضد المحاكمة.

والآن، بدأت فصول ملحمة سياسية تسلط الضوء على المخاوف المستمرة من اختراق عصابات الاتجار بالمخدرات للساحة السياسية والإحباطات الكثيرة حيال اقتلاع جذورها، في التشكل حول شخص غودوي.وتملك المدعي العام المكسيكي غضب شديد إزاء تمكن غودوي من التخفي عن أعين الشرطة، بينما ثار جدال حول بعض التفاصيل المثيرة الواردة في تقارير صحافية، مثل روايات حول تهريب غودوي إلى داخل البرلمان عبر مرأب السيارات في قبو المبنى باستخدام سيارة عضو برلماني آخر. وأعرب جون جيه. بيلي، البروفسور بجامعة جورج تاون والمهتم بدراسة الجريمة المنظمة والديمقراطية في المكسيك، عن اعتقاده بأن «ظهوره الفجائي ببساطة ليدلي باليمين يقوض جدية مجلس النواب وحكم القانون. وبطبيعة الحال أثار هذا الأمر علامات استفهام كبيرة».

ومساء أول من أمس، صوتت الغالبية العظمى من أعضاء مجلس النواب، لصالح تجريد غودوي من الحصانة ومسؤولياته التشريعية، في تطور مهم قد يسفر في النهاية عن إلقاء القبض عليه ومحاكمته، في حال العثور عليه. ومن جهته، أكد غودوي براءته، واصفا الاتهامات الموجهة إليه بأنها عملية انتقام سياسي من قبل الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس فيليب كالديرون. لكنه لم يحضر الجلسة المنعقدة أول من أمس، وبدلا منه، حضر المحامي الممثل له، ولا يزال الغموض يحيط بمكان وجوده.

وتسبب هذا الغموض في إثارة عاصفة سياسية استمرت شهورا. بالطبع، ليس من الغريب هنا تورط شخصيات سياسية وحكومية في الجريمة المنظمة، ذلك أن عشرات العمداء المشتبه في وجود صلات بينهم وبين شبكات إجرامية ألقي القبض عليهم أو قتلوا في السنوات الأخيرة، بل وحتى المسؤول الأول السابق عن مكافحة المخدرات بالبلاد ألقي القبض عليه لاتهامه بتقاضي رشوة من إحدى العصابات. ويؤكد محققون فيدراليون أن غودوي واحد من أهم المتواطئين مع كبار زعماء عصابة «لا فاميليا» المتورطة في تجارة المخدرات، وهي واحدة من أعنف العصابات بالمكسيك. وأعلنت هيئة تشريعية، الاثنين، أن غودوي عجز، من بين أمور أخرى، عن تفسير مصدر مبلغ 2.2 مليون دولار أودع بحساباته المصرفية أو اتصالات هاتفية أجريت من هاتفه الجوال بقيادات معروفة في العصابة.

وتقلد غودوي منصب عمدة من قبل، وانتخب في البرلمان عام 2009، لكنه اختفى عن الأنظار بعد ذلك بأيام بعدما وجهت إليه اتهامات فيدرالية بتورطه في صلات بالجريمة المنظمة وغسل الأموال. واعتبرته الحكومة الفيدرالية هاربا من العدالة. وحتى الآن، لا يزال الغموض يحيط بكيفية تمكن غودوي من الفرار من الشرطة طيلة هذه الفترة الطويلة.

وعندما عاود غودوي الظهور العلني، كان قد حلق شاربه، وذكرت تقارير صحافية أن الشيب زحف على رأسه على نحو ملحوظ. وقال غودوي إنه كان بمنزله طوال الوقت. إلا أن أنصاره عملوا على مساعدته بالفوز بمقعد برلماني ونيل الحصانة المترتبة عليه.

وأشار بعض الخبراء إلى أن تحقيقا واسع النطاق بولاية ميتشواكان أطاح بادئ الأمر بأكثر من 30 عمدة ومسؤولا محليا آخر، معظمهم أعضاء بالحزب الذي ينتمي إليه غودوي، والذي نجح كالديرون في التغلب على مرشحه بفارق ضئيل عام 2006 ليفوز بالرئاسة. وينتمي كالديرون في الأصل لميتشواكان، وعمد إلى تركيز أنظار القوات الفيدرالية عليها للقضاء على الجريمة المنظمة. إلا أن غالبية من ألقي القبض عليهم في البداية أطلق سراحهم لاحقا لنقص الأدلة أو وجود مشكلات أخرى بالقضية، حسبما ذكر جون إم. أكرمان، رئيس تحرير دورية «مكسيكان لو ريفيو». وأضاف: «بدلا من جمع أدلة، تصرفوا بسرعة مفرطة، قرب انعقاد انتخابات عام 2009».

وبينما أصر فرانسيسكو بليك مورا، وزير الداخلية، على أن الأدلة القائمة ضد غودوي متينة، أصدر قاض الصيف الماضي حكما يقضي بأن لغودوي الحق في نيل مقعده رغم الاتهامات الموجهة إليه - مع أن الحكم لم يذكر شيئا عن كيفية دخوله مبنى البرلمان من دون إلقاء القبض عليه أولا. وكانت الحكومة قد نشرت ضباط شرطة حول المبنى لمنعه من ذلك.

ومع ذلك، وصل غودوي مبنى البرلمان بقلب العاصمة في 23 سبتمبر (أيلول)، وطبقا لرواية صحيفة «إل يونيفرسال» الصادرة بمدينة مكسيكو، فإن السيارة التي استقلها كان يقودها زعيم «الحزب الثوري الديمقراطي» اليساري الذي ينتمي إليه غودوي، وأدى اليمين، مما أثار صدمة السلطات. وبعد ذلك، خرج من المبنى بحرية، وقال لاحقا: «لست ملاكا، لكنني أيضا لست مجرما».

ومنذ ذلك الحين، التفت حوله جموع من الصحافيين، بدلا من قوات الشرطة، في جميع مناسبات ظهوره العام تقريبا. وظهرت بعض الأنباء المثيرة في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما تسربت لوسائل إعلام شرائط سمعية تحمل صوتا يشبه صوت غودوي وهو يتحدث إلى غوميز، أحد زعماء «لا فاميليا». وأكد غودوي أن ذلك الصوت ليس صوته.

يذكر أن «لا فاميليا» تمزج في معتقداتها بين التعاليم المسيحية والاتجار بمادة الميثاميفتامين وقطع رؤوس الخصوم، وتتعرض حاليا لهجوم من القوات الفيدرالية يرمي لتفكيكها. ويعتقد أن الزعيم الروحي للعصابة، نازاريو مورينو غونزاليز، قتل الأسبوع الماضي في مواجهة مع الشرطة الفيدرالية، حسبما أعلنت الحكومة.

* خدمة «نيويورك تايمز»