الرئيس البوسني بيغوفيتش: مستقبلنا في الاتحاد الأوروبي

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن مباحثات تشكيل الحكومة تسير ببطء والنزعات الانفصالية مآلها الفشل

باكر علي عزت بيغوفيتش (رويترز)
TT

لم يكن باكر علي عزت بيغوفيتش، عضو مجلس الرئاسة البوسني، معروفا في الأوساط الدولية، قبل الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنه كان «كعلم فوق رأسه نار» داخل بلده. فقد كان مرافقا لوالده، الزعيم التاريخي علي عزت بيغوفيتش، في أصعب الظروف، عاصر مرحلة سجنه ومرحلة وصوله إلى السلطة، وشاركه الآلام ومسؤوليات التفويض الشعبي بالخدمة العامة. وكان ذلك رصيدا مهما، خدمه في الانتخابات الماضية، وفاز بثقة الناخبين عن جدارة، وليس عن وراثة.

من مواليد 28 يونيو (حزيران) 1956، أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي والجامعي في سراييفو، حيث حصل على شهادة التخرج من كلية الهندسة المعمارية عام 1981. وإلى جانب توليه شؤون مكتب والده أثناء الحرب (1992 - 1995)، وحتى 2003، تولى باكر علي عزت الكثير من المسؤوليات، من بينها عضو مجلس إدارة نادي سراييفو لكرة القدم، وعضو مجلس إدارة نادي البوسنة لكرة السلة، وعضو مجلس إدارة مؤسسة المرحمة الخيرية البوسنية، وعضو مجلس المشيخة الإسلامية في البوسنة.

وعمل في الفترة ما بين 1991 و2003 مدير التخطيط لإعادة بناء سراييفو. وفي الفترة ما بين 2000 و2002 نائبا لرئيس حزب العمل الديمقراطي، الذي أسسه والده. وفي الفترة ما بين 2006 و2010 كان عضوا في البرلمان ورئيسا لمجموعة حزب العمل داخل المجلس، وكذلك عضو في برلمان مجلس أوروبا عن بلاده. وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت في 3 أكتوبر الماضي انتخبه الشعب من بين مرشحين أقوياء جدا، وعبر صناديق الاقتراع رئيسا لبلادهم خلفا لحارث سيلاجيتش الذي حل ثالثا، ومني هو وحزبه بهزيمة منكرة. وقد جاء انتخاب باكر وفاء لوالده، وتقديرا لما يتمتع به من مقدرة على الحوار والتفكير، وميوله للحلول الوسط ونفوره من الإجراءات الحدية. ويقول البعض إن الراحل علي عزت بيغوفيتش عاد للحياة من جديد عبر ابنه باكر، وقال الأخير، سأكمل ما بدأه والدي بتفويض حقيقي من شعبي. «الشرق الأوسط» التقته في سراييفو، وأجرت معه هذا الحوار.

* كيف تسير عملية التوافق على تشكيل الحكومة الجديدة، وهل يمكن أن تستمر العملية حتى فبراير (شباط) المقبل كما تقول بعض المصادر؟

- المباحثات صعبة وتجري ببطء شديد، بين أكبر حزبين فائزين، (الاشتراكي الديمقراطي البوشناقي واتحاد الديمقراطيين الاشتراكيين المستقلين الصربي). إذا تمكنا من أن نشكل حكومة حتى شهر فبراير المقبل فذلك سيكون نجاحا نظرا للعلاقات السائدة في البوسنة.

* هل لا تزال لديكم بعض التحفظات على التحالف مع بعض الأحزاب، ولماذا؟

- نعم هناك رئيس حزب ينشر للأسف كتابات متدنية عن حزب العمل ورئيسه سليمان تيهيتش، ولهذه الأسباب لن تكون هناك في المستقبل إمكانية للجمع بين الحزبين.

* ما موقفكم من مساعي الانفصال التي هددت البوسنة أثناء الانتخابات وكذلك مساعي الكروات لإقامة كيان ثالث؟

- بالنسبة لكروات البوسنة لا بد أن نلبي مطالبهم بالمساواة مع الطائفتين الأكبر في البوسنة والهرسك، وهما البوشناق ثم الصرب. بطبيعة الحال لن يكون هناك أي تعديل في الأراضي كما يطالبون، وسوف تحدث تعديلات مؤسسية داخل المؤسسات. وهذه التعديلات لن تسمح للشعب الأكبر عددا في البوسنة أن يختار أو ينتخب زعيما للكروات. وعودة لسؤالكم حول بعض النزعات الانفصالية، فهي لن تتحقق، فالذي لم يحققه أصحاب هذه النزعات بالحرب وممارسة الإجرام والعدوان والإبادة، بينما كان شعب البوسنة يدافع عن بلاده من دون أسلحة كافية، لن يستطيعوا تحقيقه اليوم أو غدا وإلى الأبد. في أثناء العدوان وفي الظروف التي ذكرتها كانت صربيا وكرواتيا تدعمان بكل القوة النزعات الانفصالية، فمثل هذا الأمر يستحيل تحقيقه الآن.

* من يضمن ذلك؟

- إن الضامن لسيادة ووحدة أراضي البوسنة والهرسك هو القوى الدولية الكبرى الموقعة على اتفاقية دايتون، والضامن لهذه السيادة البوسنية بالدرجة الأولى هو القوات المسلحة للبوسنة والهرسك، والوطنيون البوسنيون.

* كيف تقومون زيارتكم الأخيرة إلى تركيا. وزيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى البوسنة، وهل صحيح أنه لم يتم تهنئتكم على الفوز من قبل الإدارة الأميركية. وهل صحيح أن الوزيرة كلينتون لم تجلس معكم؟

- إن زيارتي إلى تركيا كانت زيارة ممتازة. لنا علاقات تاريخية جيدة وعلاقات سياسية متميزة، والصداقة مستقرة، والتي يتولد منها التعاون الاقتصادي الأوسع والأحسن. إن النشاط التركي المؤثر في المنطقة، هو حراك حكيم يؤمن السلام الإقليمي طويل الأمد، ويخفف التوتر، ويحرك الحوار، ويعرض الحلول التي تكمن فيها الاستفادة والمنفعة للجميع. أما بخصوص الأميركان فسفيرهم كان أول من زارنا وقدم التهنئة على الفوز في الانتخابات. وهيلاري كلينتون طلبت لقاء خاصا معي وتم اللقاء. لقد بحثنا أثناء اللقاء إمكانية دخول الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في المفاوضات الرامية إلى تعديل الدستور في البوسنة.

* هل كان لتصريحات رئيس الحزب، سليمان تيهيتش، حول ضرب قوة عسكرية صربية سنة 1992 ووصفها بجريمة الحرب، تأثير على نتائج الحزب في الانتخابات. بينما صوتت أغلبية البوشناق لصالحكم؟ وما دور الوالد، رحمه الله، في فوزكم، وهل هذا يحفزكم على تتبع خطى سياسته بجميع تفاصيلها؟

- إنني لا أعلم بتصريحات سليمان تيهيتش، الخاصة بجيش يوغوسلافيا السابق، ولكن دعمه الصادق لي خلال الانتخابات كان دعما معهودا ومشكورا. سمعتي العائلية كان لها دور، ولكن يبقى في الأخير أن الأمر الحاسم هو الذي يقوم به الإنسان بنفسه، وليس للإنسان إلا ما سعى. منذ عشرين سنة وأنا أناضل من أجل شعبي، والعملية الانتخابية كانت ناجحة، ولكنها كانت متعبة جدا لي. إن ظل والدي سوف يرافقني ما دمت حيا، وبملء فمي أقول إن هدفي هدفه. إنني أستأنف وأواصل نضاله من أجل البقاء المادي والروحي لشعبي، من أجل البقاء الإسلامي في الوسط الذي نعيش فيه.

* لا شك أن البوشناق أحوج ما يكونون لتجميع الصفوف بعد الانتخابات التي كشفت عن أن الخلافات مدمرة على الصعيد السياسي، هل لديكم نية لفتح قنوات اتصال وتنسيق مع سيلاجيتش، ورئيس العلماء الدكتور تسيريتش، وأيوب غانيتش، ورادونجيتش، لمواجهة التحديات ونسيان الخلافات الشخصية والأخطاء في حق بعضكم مع بعض. فجميع هؤلاء يمكنهم مساعدة البوسنة نظرا لمواقعهم وعلاقاتهم المختلفة؟

- بالتأكيد لي علاقات محترمة مع كل الأشخاص الذين ذكرتهم، مع البعض منهم، علاقات صفاء وود. الأمور تغيرت فقط مع فخر الدين رادونجيتش، بكل بساطة لا نستطيع أن نتسامح مع كل ما يكتبه في جريدته عن جميع الزعماء البوشناق.

* يبدو أن الحرب استمرت بوسائل سياسية وثقافية، في حين يراد لكم أن تنفصلوا عما هو ديني وثقافي، كيف تقرأون سلوكيات الأطراف الأخرى من خلال قيام أحزاب ببناء صلبان وكنائس فوق أراض يملكها مسلمون، أو هدم مساجد بعد الحرب كمسجد ليفنو، ومنذ متى لم تقرأ كتاب والدك «الإسلام بين الشرق والغرب»؟

- إن الكنائس والصلبان التي ذكرتموها بنيت قبل 10 أو 15 سنة، وهي رمز للفترة التي مررنا بها. وتدلل على أنه بالوسائل المدنية، استمر تحقيق أهداف الحرب. وقد قمنا نحن البوشناق بعد الحرب بإعادة بناء المساجد. فخلال العدوان على البوسنة تم تدمير أكثر من ألف مسجد، قمنا بترميمها وإعادة بنائها، وبعضها أكبر مما كان، وبنينا 1500 مسجد جديد. لقد نظمت شخصيا وساعدت في بناء كل المساجد في سراييفو، بما فيها أكبر مسجد في البلقان، مسجد الملك فهد بن عبد العزيز، ومسجد الاستقلال. بخصوص بناء المسجد في ليفنو الذي تم من دون تصريح البناء، ومن دون حل مسألة ملكية الأراضي التي بني عليها المسجد. وحالما يتمكن البوشناق في ليفنو من حل قضية ملكية الأراضي، سوف نبني المسجد هناك، إن شاء الله، بشكل جيد جدا. أما كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب»، فأنا أحفظه عن ظهر قلب تقريبا، كنت أطبع هذا الكتاب على طابعة قديمة وأنا طالب في الجامعة وأصدرنا أول عدد في بلغراد، تم ذلك في الوقت الذي كان فيه والدي مسجونا. هذا الكتاب كان ممنوعا في البوسنة، وقد تمكنت من تهريب 200 نسخة من الكتاب في صندوق سيارتي، وزعتها في البوسنة آنذاك.

* عند لقائكم بالسفراء العرب، تحدثتم عن أفكاركم حول العلاقة مع البلاد العربية؟

- كانت لي حفلات عشاء وغداء ولقاءات مع سفراء الدول الإسلامية ومن بينهم سفراء الدول العربية، وكانت لي معهم الكثير من اللقاءات الثنائية مع ممثلي الدول الإسلامية والعربية. وكلها كانت تركز على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البوسنة والدول الإسلامية بما فيها العربية. لي علاقات جيدة جدا، مع الكثير من الناس من البلاد الإسلامية بما فيها العربية.

* نحن الآن في نهاية سنة 2010 وقد مرت الذكرى الـ15 لتوقيع اتفاقية دايتون (21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995). ما هي آفاق التغيير على مستوى دايتون، وسط رفض صربي لإصلاحه، ومساع كرواتية للحصول على كيان خاص. وهل صحيح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طلبت منكم الموافقة على تغيير الدستور بما يسمح للكروات بانتخاب عضو مجلس الرئاسة منهم؟

- لم أتطرق لهذا الموضوع مع المستشارة أنجيلا ميركل، وبالتأكيد مثل هذه القضية سوف تكون واردة في أجندة المفاوضات لتعديل الدستور، أما القيادة السياسية في كيان صرب البوسنة، فإنها سوف توافق على التعديلات لأن في ذلك مصلحتهم، وهذه التعديلات سوف تشمل أيضا، حكم محكمة حقوق الإنسان، من ستراسبورغ، التي تؤكد أن البوسنة يجب أن تمكن كل مواطن من حق ترشيح نفسه للانتخابات وليس فقط الطوائف المؤسسة للبوسنة، وهم البوشناق والكروات والصرب. وسوف توافق هذه القيادات أيضا على تأقلم قوانين البوسنة مع قوانين الاتحاد الأوروبي. كل هذا سيؤدي إلى تعديل الدستور، وبعد إتمامه لن تكون هناك حاجة لمندوب سام أو بعثة دولية.

* كيف ترون مستقبل البوسنة والمنطقة، مع مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وسعي البوسنيين للسفر إلى أوروبا من دون تأشيرة؟

- نحن رحبنا ببدء سريان تحرير نظام تحرير التأشيرات، منذ 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لأن عدم التواصل بين الشعوب يؤخرها عن مسيرة التطور والتقدم. إن مستقبل البوسنة يكمن في العضوية في الاتحاد الأوروبي، وهي مجموعة الدول المنظمة تنظيما جيدا، ولا أرى أي خيار آخر في الوقت الحالي، وهو الطريق الذي نسميه الطريق الأوروبي. وعلى البوشناق أن لا ينسوا من هم وأن يحترموا أنفسهم ودينهم وثقافتهم. إن الشعب الذي يضيع دينه، مثل الإنسان الذي يضيع نفسه.

* ما الذي يستطيع العالم الإسلامي تقديمه إلى البوسنة من وجهة نظركم، وما هي آفاق العلاقات المستقبلية على هذا الصعيد؟

- إن البوسنة دولة قائمة بين الشرق والغرب، وربما كان على والدي أن يكتب كتابا، متناولا هذا الموضوع، أي إننا ننتمي إلى الاثنين إلى أوروبا وإلى الشرق. إن العالم الإسلامي قادر على أن يساعد البوسنة، سياسيا واقتصاديا. أو بتعبير آخر أن يواصل عمله كما هو الآن ولكن بشكل أقوى وأكثر تنظيما. وأرى أنه في المستقبل القريب سوف يصبح العالم الإسلامي، قوة مهتمة بأوضاع المسلمين في جميع أنحاء العالم. لقد أكد البوشناق أنهم جديرون بمثل هذا الاهتمام لأنهم حاملون للإسلام مثل قبس النار على كف اليد.