واشنطن: إنفاق ملايين الدولارات على أنظمة التفتيش داخل المطارات دون أن ترصد إرهابيا واحدا

دعوات لتطوير أجهزة الفحص بعد أن تمكن الإرهابيون من التحايل على أحدث التقنيات

جون بيستول مدير إدارة أمن النقل والمواصلات يخضع لعملية تفتيش من قبل أحد أفراد الأمن في مطار ريغان في أرلينغتون بالمطارات («نيويورك تايمز»)
TT

بعد مرور تسعة أعوام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وعقود على أول مرة يستهدف فيها خاطفون شركة طيران لنقل الركاب، تستثمر الولايات المتحدة مليارات الدولارات في نظام طيران يجعل التقنية خط الدفاع الأخير لرصد الإرهابيين. ولكن لم يرصد هذا الخط حتى الآن إرهابيا واحدا.

وخلال كل محاولة حديثة معروفة، استخدم الإرهابيون وسيلة مختلفة من أجل التحايل على أحدث الوسائل التقنية داخل نقاط التفتيش بالمطارات، ويتم إحباط المحاولة من خلال معلومات اكتشفت عبر عمل استخباراتي أو بفضل تحذير من أحد الركاب على الرحلة الجوية.

ومحصلة ذلك هي إجماع متنام بين الخبراء والمشرعين على أن منحى الفحص المكثف عند نقاط التفتيش - وتفتيش كل راكب تقريبا - ربما لا يكون الحل الأكثر فعالية.

ويقول الكثير منهم إنه بدلا من ذلك يجب أن يركز النظام بدرجة أكبر على الأفراد ويجمع مجموعة أكبر من المعلومات عن أشخاص من أجل تحديد الذين يحتمل بدرجة أكبر أنهم يمثلون خطرا حقيقيا.

وتعد أجهزة المسح والتفتيش الذاتي والكلاب المدربة أشياء هامة في العملية، ولكن يجب دمجهم في نظام متعدد الطبقات يشمل الوصول البعيد المدى وبيانات كومبيوترية منقحة عن الأشخاص، علاوة على مراقبة وجها لوجه من خلال معادل عصري للشرطي الذي يتعقب المشتبه فيهم، بحسب ما يقوله خبراء ومسؤولون كثر. ويؤكد هؤلاء على أن للتقنية أهميتها، ولكنها تشبه وضع سلسلة الحواجز المنخفضة التي يمكن للإرهابيين تجاوزها.

ويعترف مسؤولون ومشرعون أميركيون بأن عمليات مراجعات أوسع ربما تكون ضرورية، مشيرين إلى أن فشل أجهزة الأمن داخل المطارات مسألة وقت.

ويقول رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ جوزيف ليبرمان (المستقل عن ولاية كونيتيكت): «لنكن صرحاء، لقد كنا محظوظين خلال المرات القليلة الأخيرة». وأضاف: «لم يحققوا نجاحا مع محاولة التفجير في أيام عيد الميلاد فوق ديترويت ومحاولة التفجير في ميدان تايمز والطرود المفخخة على طائرة شحن، ولكن ما حدث كان بسبب قصور لديهم، وليس لأننا كنا قادرين على وقفهم».

ونتيجة لهذه المحاولات، يجب أن يتنازل الركاب عن الأدوات الحادة (كرد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر) وأن يخلعوا أحذيتهم (كرد فعل على انتحاري حاول القيام بتفجير مستخدما حذاءه عام 2001). وعليها أن يزيلوا السوائل من حقائبهم (كرد فعل على مؤامرة تفجير طائرات تعود لعام 2006)، وبعد أسابيع قليلة، سيكون عليهم أن يخضعوا لتفتيش ذاتي أو جسدي (وهو الأمر الذي يدفع إليه محاولة التفجير الأخيرة لطائرة في أيام أعياد الميلاد العام الماضي).

ولكن، تشكك تقارير حكومية وتقارير مشرعين في كفاءة بعض الإجراءات المحددة. وعام بعد آخر، يتمكن أشخاص سريون يجرون اختبارات من التسلل ومعهم أسلحة معبئة عبر أجهزة الفحص في عمليات تحايل مخجلة. وعلى نطاق أوسع، يصف مشككون التركيز الكبير على نقاط التفتيش في المطارات بأنه غير مكتمل الأركان، وأنه يركز بدرجة كبيرة على الهجوم الأخير وليس على الهجوم التالي.

وبلغ الأمر أن وصف رئيس إدارة أمن المواصلات جون بيستول خلال مقابلة أجريت معه إدارته بأنها «خط دفاع أخير في مجموعة من جهود الأمن القومي التي تقوم بها الحكومة».

وكما هو الحال مع آخرين أجريت معهم مقابلات، قال بيستول إنه يأمل الانتقال إلى نظام يعتمد على الاستخبارات بقدر أكبر، ولكنه أكد على أن الهجمات السابقة لم يكن ممكنا تجاهلها قط.

وأضاف: «يتعين علينا دائما أن ندرس تهديدات أمس، فالعار كل العار إذا تكررت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أو حادث (انتحاري الحذاء) أو الانتحاري الذي كان يخفي متفجرات في ملابسه الداخلية، وإذا لم نعزز من أهدافنا».

وقد وصف بعض المنتقدين على منظومة أمن المطارات التي تشبه المتاهة بأنها «مسرح أمني»، وقالوا إن بها الكثير من الثغرات. ولا يجري مسح عمال المطارات يوميا، مما يجعلهم قادرين على الدخول إلى مناطق آمن ومعهم أسلحة. كما أن الخطوط داخل المحطة عرضة لهجوم انتحاري محتمل. وتمر الطرود التي ترسل كشحنة عبر عملية مسح أبسط نسبيا - وهي عملية يجري تعزيزها ولكن استغلها عملاء تابعون لتنظيم القاعدة في أكتوبر (تشرين الأول) عندما أرسلوا قنابل مخفية داخل خرطوشات طابعات.

ويقول رافي رون، وهو مدير أمن سابق في مطار بن غوريون الدولي داخل تل أبيب: «بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فشلت الهجمات بسبب المهارات الضعيفة للإرهابيين وليس بسبب شيء آخر قمنا به. وفي كل من تلك الهجمات الأخيرة، كان الإرهابيون يتغلبون على نقاط التفتيش الأمنية مستفيدين من ثغرات».

وبالنسبة إلى «القاعدة»، فإن إجبار الولايات المتحدة على أن تستمر في إضافة طبقات أمنية جوية يعد بمثابة انتصار لصالحها. وكتب أفراد تابعون لها في مجلة التنظيم «انسبير»: «إذا قام خصمك بتغطية خده الأيمن، فاصفعه على خده الأيسر». «لقد أجبرت الهجمات المستمرة التي جاءت عقب الحادي عشر من سبتمبر الغرب على أن ينفق مليارات الدولارات من أجل الدفاع عن طائرتهم». وكُتب أيضا إن هذه الاستراتيجية هي واحدة من «ألف جرح» بهدف «جعل العدو ينزف حتى الموت».

وقد دفعت المحاولات المتكررة مسؤولين أميركيين إلى أسلوب مكلف يعتمد على التجربة والخطأ في اختبار لما قد يؤتي ثماره وما سيقبله المواطنون. ومن 2002، بلغ إجمالي ميزانية إدارة أمن المواصلات 57.2 مليار دولار - وهي نحو ما تنفقه الحكومة على برامج استخبارات خلال عام واحد. ومع ذلك لا تزال هناك تجاوزات واضحة في مجال الطيران.

واستخدمت أجهزة مثل جهاز «puffer portal» في عام 2004، ولكن طُرح جانبا بعد ذلك. كما أن برنامج الإخطار الإرهابي المشفر حسب اللون في طريقه للخروج. وتخطط بريطانيا لأن تتخلى عن قيود على السوائل في أبريل (نيسان)، ويقول مسؤولون إنهم قد يقومون بنفس الأمر على الرغم من أنهم يتساءلون عما إذا كان ذلك مبكرا بدرجة كبيرة.

وربما تلي ذلك تغيرات أخرى سريعا. ويريد النائب جون ميكا (الجمهوري عن ولاية فلوريدا) استبدال عمال إدارة أمن المواصلات بأشخاص آخرين من القطاع الخاص يقومون بالمسح، كما جرى داخل 17 مطارا في مختلف أنحاء البلاد، ويهدف ذلك إلى جعلهم أكثر كفاءة ويمكن محاسبتهم بقدر أكبر. وسيتحول آخرون إلى نظام يضم بيانات ركاب إضافية في نظام الفحص، علاوة على علامات الهوية الجديدة - بما في ذلك جنس الراكب وتاريخ ميلاده - التي بدأت شركات الطيران تجمعها أخيرا.

وبصورة أكثر فورية، قال بيستول إنه يريد أن يرى تعديلات على أجهزة الفحص التي تسببت في مثل هذا اللغط «حتى ترى شكل الصورة الضبابية في مقابل (الصور العارية)»، بحسب ما ذكر. ويجري اختبار التقنية الجديدة، ولكنها تعطي نتائج إيجابية زائفة بدرجة كبيرة مما يعيق استخدامها.

ويعترف أشد مناصري النظام بعيوبه، ويشيرون إلى أن التعديلات أمر مؤكد تقريبا. ويقول النائب بيتر كينغ (الجمهوري عن ولاية نيويورك)، وهو الرئيس المقبل للجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب: «لا يوجد شيء تام، ويجري تطوير الاستراتيجية، وهذا عمل في مرحلة التطور». وأضاف قائلا: «نحن في الحرب الأخيرة، ونحن نتوقع الحرب المقبلة، وتوجد أشياء مزعجة، وقد حققت بعض الأشياء نتائج طيبة ولكن لم تعمل أشياء أخرى على ما يرام».

وقال: «ولكن علينا أن نواجه الحقيقة، لم نتعرض لهجوم، ولو قال أحد في 12 سبتمبر 2001 إننا سنقضي ثمانية أو تسعة أعوام من دون هجوم ناجح على الطيران، لما صدقه أحد».

وثمة نقاش بشأن ما إذا كان ينسب إلى النظام الجديد الفضل في الاستقرار خلال الأعوام التسعة الماضية. وعلى الرغم من أنه لم يجرِ إلقاء القبض على أي من الإرهابيين المشتبه فيهم داخل الولايات المتحدة خلال تلك الفترة عند نقاط تفتيش داخل مطارات، من المستحيل معرفة عدد من أعاقتهم الإجراءات الأمنية داخل المطارات من مجرد محاولة القيام بشيء. واستهدفت العديد من الهجمات أهداف أسهل مثل شبكة أنفاق نيويورك، كما في قضية نجيب الله زازي، أو سيارة في ميدان تايمز، كما الحال مع فيصل شهزاد. ولكن، هل يمكن للآليات المتبعة حاليا أن تعيق أمثال عمر الفاروق عبد المطلب؟ يزعج هذا السؤال خبراء أمنيين، يرون أخطاء دائمة - بدءا من ثغرات في نقاط التفتيش بالنسبة للطائرات التي تأتي من الخارج كما هو الحال مع عبد المطلب وصولا إلى مشكلات تتعلق بالطريقة التي تعمل بها أجهزة الفحص الذاتي.

وكانت أجهزة مسح تعتمد على تقنية تصوير متقدمة مستخدمة داخل 19 مطارا عندما حاول عبد المطلب أن ينزع فتيل متفجرات في ملابسه الداخلية في أيام عيد الميلاد العام الماضي بينما كانت طائرته متجهة من أمستردام إلى ديترويت. وسرعت الإدارة من انتشار الأجهزة إلى 500 مطار في مختلف أنحاء البلاد مع حلول أعياد الميلاد للعام الحالي، تحسبا لأن يحاول أحد استخدام نفس الأسلوب داخليا.

ويتساءل بعض المنتقدين عما إذا كانت الأجهزة تعرض المسافرين إلى إشعاع بصورة مبالغ فيها. وهناك آخرون قلقون بسبب تطفل التقنية وما إذا كانت هذه الطريقة ستؤتي ثمارها. وحسب ما أفادت به تحليلات مستقلة، فإن ذلك لن يرصد المتفجرات التي توضع داخل أي تجويف في الجسد.

وقال تقرير لمكتب المحاسبة الحكومي في مارس (آذار) الماضي: «لا يزال غير واضح ما إذا كان في مقدور أجهزة المسح المعتمدة على تقنية تصوير متقدمة رصد الأسلحة المستخدمة في حادث ديسمبر 2009». ويقول وحيد متولي، رئيس قسم التقنية الهندسية الميكانيكية في جامعة بورديو: «إذا كنت تخفي شيئا داخل فتحة، من الصعب رصد ذلك».وقلل مسؤولون أميركيون بارزون من تلك المخاوف، وقالوا إنه كي تنفجر قنبلة بصورة جيدة فإنه يجب أن تكون قريبة من سطح الجسم، حيث يعمل «الجسد مثبطا للتفجير»، بحسب ما أشار مسؤول بارز تحدث شريطة عدم ذكر اسمه حتى يتسنى له مناقشة الأمر بحرية. وعليه فإنه من غير الواضح ما إذا كانت القنابل المخبأة داخل تجاويف الجسد ستكون الاتجاه خلال المستقبل.

وعلى الرغم من أن عملية التصنيف لها ماض داخل الولايات المتحدة مرتبط بالنهج العنصري، فإنها تأتي في صورة متطور بدرجة أكبر كجزء أساسي من النموذج الإسرائيلي. وتتجاوز عملية التصنيف الإسرائيلية الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين، على الرغم من أنهم قد ينالون تدقيقا عن قرب. وربما كان أكثر نموذج يحظى باحتفاء على نطاق واسع هو عملية الاعتراض خلال 1986 لآن ماري مورفي، 32 عاما، التي كانت حاملا في الشهر السادس عندما حاولت أن تستقل طائرة تابعة لشركة «العال» من لندن إلى تل أبيب ولم تكن تعرف أن خطيبها وضع قنبلة داخل حقيبتها.

ويقول خبراء إن الولايات المتحدة لا تحتمل تطبيق النموذج الإسرائيلي. ويقول رون، مدير أمن المطارات الإسرائيلي السابق: «يشمل الأمر تصنيفا عرقيا وقوميا». «من الواضح أنها ليست ميزة أن يكون المرء فلسطينيا. وداخل الولايات المتحدة فإن أي تصنيف عرقي أو قومي غير قانوني وغير مقبول لدى المواطن الأميركي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»