رسالة باريس لدمشق: نعول على سورية لمنع الانجرار إلى العنف في لبنان

مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»: لا فائدة من عمل عسكري والمحكمة لن تتوقف

TT

تتخوف باريس من تفاعلات الأزمة اللبنانية المتصاعدة بسبب اقتراب صدور القرار الظني عن المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولذا فإن الدبلوماسية الفرنسية تضاعف الجهود عبر التواصل مع الأطراف المحلية، ولكن أيضا مع الأطراف الإقليمية والدولية.

وقالت مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن إحدى الرسائل التي نقلتها فرنسا إلى سورية بمناسبة زيارة الرئيس بشار الأسد إلى العاصمة الفرنسية، تكمن في دعوة دمشق إلى «لجم الاندفاع» نحو أية مغامرة أمنية - عسكرية «لا يمكن التحكم لا بسيرها ولا بنتائجها» ويمكن أن «تفلت» وتخرج عن النطاق اللبناني المحض. وتعتبر باريس أن ما يتداول به منذ فترة بخصوص جهود عربية أو غير عربية، ومنها فرنسية، من أجل «تأخير» صدور القرار الظني والضغط على المحكمة أو حتى إلغائها «لا أساس واقعيا له» مضيفة أنه «ليس هناك خيار آخر في الوقت الحاضر غير ترك المحكمة تقوم بعملها» ما يعني عمليا انتظار صدور القرار الظني عن المدعي العام. وأفادت المصادر المشار إليها أن باريس «قرعت ناقوس الخطر ونبهت الجميع» من المخاطر المترتبة على أزمة واسعة في لبنان أو من «سيناريوهات» يروج لها، ومنها احتمال أن يتحرك حزب الله ميدانيا في حال اتهام أعضاء منه أو مقربين منه في جريمة اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري لفرض واقع عسكري وسياسي جديد في لبنان. وترى فرنسا أن تصرفا من هذا النوع «لن يفيد» وتساءلت: «ما الذي سيجنيه حزب الله إذا ما احتل بيروت أو أسقط حكومة الحريري؟ وما الذي سيفعله بهذا الانتصار العسكري؟».

ولا تتخوف باريس من مخاطر حرب أهلية فقط، أو من حرب مذهبية، بل إن قلقها يشمل أيضا قوتها العاملة في إطار القوات الدولية في جنوب لبنان «اليونيفيل» خصوصا إذا اعتبرت إسرائيل أن سيطرة حزب الله على لبنان «ذريعة» لعمل عسكري واسع ضد حزب الله «يكون مختلفا عما حصل في عام 2006».

وأفادت معلومات متداولة فرنسا أن إسرائيل وتحديدا وزير دفاعها إيهود باراك الذي يحظى باحترام المسؤولين الفرنسيين قد أبلغ الأخيرين أن تل أبيب «لن تقبل» أن يضع حزب الله يده على لبنان، وهو ما فهمه الفرنسيون على أنه «تحذير» واضح للحزب من اللجوء إلى الخيار العسكري لقلب الطاولة، ومحاولة إجهاض القرار الاتهامي والمحاكمة الفعلية التي ستتبعه.

وتتساءل المصادر الفرنسية: ما هو الخيار الأفضل؟ هل هو وجود أزمة من غير محكمة ومن غير حقيقة أم احتمال قيام أزمة مع وجود محكمة وظهور الحقيقة؟ وتضيف: «لا يمكن قبول الحجة القائلة إنه بسبب الأزمة فإن المساومة واجبة ونحن نرى أن من يثير الأزمة عليه تحمل النتائج».

من هذه الزاوية يمكن تفهم الأهمية التي أولتها باريس لزيارة الرئيس الأسد، حيث إن فرنسا، وفق مصادر سياسية في باريس «تراهن» مجددا على دور سوري «مهدئ» بسبب الاعتقاد السائد في باريس أن دمشق «قادرة» على فرملة اندفاع بعض حلفائها وتحديدا حزب الله نحو «المواجهة» في حال لم تتحقق الشروط التي يطالب بها وأولها وقف مسار القرار الظني و«تحييد» المحكمة.

ووفق باريس، فإن سورية وإن لم يعد لها حضور عسكري في لبنان، فإنها ستكون «معنية» بأي انجرار إلى العنف في لبنان. ولذا، فليست لدمشق «مصلحة» في غرق لبنان في دوامة العنف وما يجر إليه محليا وإقليميا.

وبالنظر لانقطاع التواصل بين باريس وطهران بسبب مواقف فرنسا المتشددة من الملف النووي، فإن باب التأثير الفرنسي «الميداني» في لبنان يمر عبر البوابة السورية التي فتحت مجددا بعد فترة من البرودة تبعت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى سورية والقمة الثلاثية التي عقدت في القصر الرئاسي بحضور نجاد والأسد وأمين عام حزب الله حسن نصر الله. ورأت باريس وقتها في هذه القمة نسفا للسيادة اللبنانية، ورسالة سورية مفادها أن كل الجهود الهادفة إلى دفع سورية إلى سياسة «أكثر اعتدالا» قد فشلت.

وترى هذه الأوساط أن الرئيس السوري، خلال زيارته الأخيرة إلى باريس قد «سلف» باريس موقفا يتصف ببعض الليونة، عندما أكد أن بلاده لا تستطيع قبول قرار ظني «مسيس». وهذا الموقف يختلف عن موقف دمشق الرسمي السابق الذي عبر عنه وزير الخارجية وليد المعلم أكثر من مرة بقوله علنا إن بلاده «ترفض» المحكمة الدولية التي يصفها حليفه حزب الله بـ«الإسرائيلية - الأميركية».

وبسبب هذه المعطيات، ترى باريس أن ما يتعين عمله هو «استيعاب» القرار الظني الذي تؤكد بصدده أنه ليس حكما صادرا عن المحكمة بل يفتح الباب للمحاكمة التي ستجري وفق معايير العدالة الدولية. وجاء قرار باريس بتسليح طوافات الجيش اللبناني بصواريخ متطورة من طراز «هوت» كـ»إشارة» لرغبة فرنسا في دعم المؤسسات الشرعية وتقوية ذراعها العسكرية. وقال الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو أمس في مؤتمره الصحافي الأسبوعي إن تعاون فرنسا العسكري مع لبنان «يساهم في الحفاظ على استقلاله واستقراره، وهو يتلاءم مع القرار 1701». وأردف فاليرو أن الغرض المنشود هو «مساعدة السلطات اللبنانية وجيشها الذي هو القوة الشرعية الوحيدة لتوفير الدفاع عن البلاد» وهو ما يأتي عكس اللغة السائدة في لبنان عن «الجيش والشعب والمقاومة» كدرع للدفاع عن لبنان.

وكان السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون نقل إلى الرئيس سعد الحريري رسالة من نظيره الفرنسي فرنسوا فيون، يؤكد له فيها استعداد فرنسا لتزويد لبنان بهذه الصواريخ التي ستركب على 12 طوافة فرنسية الصنع من طراز «غازيل» جاءته منحة من الإمارات العربية المتحدة. وخلال الصيف الماضي، كانت هذه المسألة موضع «تجاذب»، بعيدا عن الأضواء، بين لبنان وفرنسا، حيث شكا الأول «الفاتورة» التي قدمتها باريس من أجل أنظمة تركيب الصواريخ وصيانة الطوافات التي قيل إنها بحدود 20 مليون يورو.