ضابط كوري شمالي يستعيد بحزن ذكريات تسلله لاغتيال الرئيس الجنوبي

تزعم وحدة كوماندوز لتنفيذ اغتيالات .. وسيول منحته عفواً وعينته مستشاراً لحقوق الإنسان

كيم شين جو قال إنه يشعر بـ«دمار» نفسي بسبب ماضيه (نيويورك تايمز)
TT

كان الخطأ الجسيم الذي ارتكبه، بحسب ما رأى الكوماندوز الكوري الشمالي، أنه لم يقتل القرويين الكوريين الجنوبيين عندما سنحت له الفرصة. لقد كانت الأوامر واضحة: إذا قابل هو أو أي من زملائه القتلة، أي مدنيين، يجب عليهم قتلهم على الفور ودفنهم، واستئناف المهمة بهدف التسلل إلى سيول وقتل الرئيس.

لكن كان ذلك في أواخر يناير (كانون الثاني)، وكان سهل الجبل المرتفع متجمدا، ولم يرغب كيم شين جو، وهو لفتنانت من القوات الخاصة عمره 27 عاما، في حفر قبور. وبدلا من ذلك، حذر القرويين، الذين قابلهم في إحدى الليالي خلال الرحلة من الشمال، من أن يذهبوا إلى السلطات، وبعد ذلك استأنف مع رجاله المسير تجاه «المنزل الأزرق»، وهو مقر إقامة الرئيس. إلا أن القرويين تجاهلوا التحذير، وذهبوا مباشرة إلى الشرطة، التي قامت حينها بإخطار الجيش. ويقول كيم «وحينها بدأ كل شيء يتداعى».

ارتدى أفراد الكوماندوز الشيوعي، البالغ عددهم 31 فردا، ملابس جنود كوريين جنوبيين، وتمكنوا من التحايل على من كانوا يتعقبونهم ثلاثة أيام، ومضوا في طريقهم عبر الكثير من نقاط التفتيش، وأصبحوا على بعد مئات من الياردات من «المنزل الأزرق»، حيث تمت مواجهتهم في نهاية المطاف. كان ذلك في وقت متأخر من صبيحة 21 يناير 1968.

نشبت معركة ضارية، قتل خلالها العشرات من المدنيين والجنود الكوريين الجنوبيين. وقيل إن حافلة مدرسية علقت في مكان إطلاق النيران، وقتل أيضا ثلاثة جنود أميركيين.

وبعد تفرق عناصر الكوماندوز الكوري الشمالي وتراجعهم ناحية الشمال، ظلت عملية تعقبهم لأكثر من أسبوع، ولم يبق على قيد الحياة سوى اثنين، وكان الآخرون ما بين قتيل ومنتحر. وعاد أحد الاثنين بسلام إلى الشمال، وبعد ذلك أصبح جنرالا. وكان الآخر هو كيم. وبعد عام من الاستجواب، فوجئ الأخير بأنه حصل على عفو، وكما يبدو يرجع ذلك إلى أنه تبين أنه لم يطلق النار من بندقيته. وتوقع الرجل أن يجري إعدامه. وبعد ذلك ولد من جديد: أولا كمواطن كوري جنوبي، وبعد ذلك ككاهن. وقابل زوجته بعد عام من إطلاق سراحه - وكانت هي التي جعلته يعتنق المسيحية - ولديهما الآن شابان يافعان. وقال كيم إن كنيسته الواقعة خارج سيول كان بها 70.000 عضو. ويعد كيم واحدا من بين 80 كاهنا هناك.

وقد عين الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك أخيرا كيم، 69 عاما، مستشارا لحقوق الإنسان للحزب الوطني الكبير الحاكم. ومن الغريب أن إحدى قيادات الحزب - والمرشحة المفترضة لمنصب الرئيس في 2012 - هي بارك جيون هاي، ابنة الرئيس الراحل بارك تشونغ هي - وهو الرجل الذي أُرسل كيم من أجل قتله عام 1968 (اغتيل بارك على يد رئيس استخباراته في 1979).

قابل كيم بارك جيون هاي للمرة الأولى قبل شهرين، في جنازة منشق كوري شمالي رفيع المستوى. لم يعتذر لها كيم من قبل لمحاولته قتل والدها، ولم يفكر في الاعتذار خلال الجنازة «لأنها كانت سعيدة لرؤيته بدرجة كبيرة»، حسبما قال. وأضاف «أخذت بيدي، وكان تعاملني بدفء شديد. أعتقد أنها تعتبرني جزءا من الفريق، وأنها تحبني».

وفي أعقاب الهجوم بالمدفعية من جانب كوريا الشمالية الشهر الماضي على جزيرة يونبيونغ في كوريا الجنوبية، والذي تسبب في مقتل اثنين من البحرية ومدنيين اثنين، دعا كيم صراحة لاستعداد عسكري جديد في كوريا الجنوبية، مع اتخاذ منحى والنظر بشكوك أكثر إزاء وطنه سابقا. وقال «كانت قرية كاملة على وشك الدخول مرحلة اللاعودة، وباستثناء قليلين يريدون الثأر، فإن باقي البلاد غير مستعدة». وأضاف «كوريا الجنوبية متقدمة على كوريا الشمالية في كل شيء سوى النظام، فإذا نشبت حرب، واعتمد الأمر على النفسية، فإنهم سينتصرون».

ويفضل كيم وقفا كليا للمساعدات إلى الشمال، بما في ذلك المساعدات الغذائية الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى فترات طويلة من الخدمة العسكرية الإلزامية للكوريين الجنوبيين. وأشار إلى أن استرضاء الشمال جعل الجنوب قانعا بصورة مبالغ فيها. ويقول كيم «لا يبالي المواطنون هناك بالأوضاع الجدية، لا سيما من هم دون الخمسين». وأضاف «نحن في حاجة إلى أن نكون مثل الإسرائيليين، حيث إن السكان بالكامل في نفس الوضع».

وحتى لو بدت مهمة «المنزل الأزرق»، بالنظر إلى الوراء، عملية وقحة وانتحارية، يؤكد كيم على أنه كان يتوقع أن فريقه سينجح. وقيل له إن الزعيم المؤسس لكوريا الشمالية كيم إيل سونغ كان يرغب في اغتيال بارك تشونغ هي، وكان ذلك أمرا كافيا بالنسبة إليه. والأوامر هي الأوامر. ويقول كيم «قيل لي: (أردِه قتيلا، واستخدم هذه البندقية)، وكان ذلك أمرا محددا».

وعلى الرغم من مرور وقت طويل، فإن تفاصيل المهمة لا تزال حاضرة في ذهنه. ويسترجع كيم روائح معينة كان يشمها بينما كان يتسلل مع زملائه عبر حقول الألغام على امتداد الحدود إلى الجبال أعلى سيول. ويتذكر أنه فوجئ عندما رأى العدد الكبير من السيارات في العاصمة والمنازل الكبيرة مقارنة مع المنازل في أرض الوطن والأضواء البراقة ليلا داخل المدينة. وقال «تعلمنا أن كوريا الجنوبية تعيش في عصور الظلام، لكن عندما عبر أجهزة التليسكوب وشاهدنا كل هذه السيارات، بدأنا نشعر بالتناقض». ولا يزال يعرف أسلوب للانتحار من خلال ترك الدم ينزف، تعلمه كل جنود القوات الخاصة في الشمال. ويتذكر أيضا تراجعه الخائف من سيول بعد تداعي العملية - وقيامه بدفن بندقيته «TT-33» التي يقول إنه لم يستخدمها في إطلاق النار، بالإضافة إلى سكينه و14 قنبلة يدوية. وبالتأكيد فإنه يتذكر الاستسلام، ويديه المرفوعتين على رأسه بعد أن أحاطوا به «كنت شابا أعزب، وأردت أن أنقذ حياتي».

تحول جزء من الطريق الجبلي الذي استخدمه الكوماندوز الكوري الشمالي في طريق تراجعه من سيول إلى ممر للمتنزهين على الأقدام والسياح وعشاق الطبيعة. وعلى الرغم من أن كيم لم يستخدم هذا الطريق، فقد أطلق عليه رسميا «طريق كيم شين جو». ويقول «عندما أفكر في ذلك تسوء حالتي المزاجية، إذ لو كانوا قد أطلقوا عليه اسمي بنية طيبة، فإن ذلك لا يتضمن معني جيدا، فلم تكن حادثة جيدة».

ويعترف كيم بأنه يشعر بـ«بدمار نفسي» بسبب ماضيه. ويقول «تلقى علي اللائمة برمتها لأنني الناجي الوحيد. لقد عانيت من كل أخطاء 31 رجلا». وبعد مرور أعوام كثيرة على الغارة أطلق عليه اسم «قرصان الجبال». ويخشى أن تضع سمعته السيئة ضغوطا على عائلته، لدرجة أنه حاول تغيير اسمه إلى كيم جاي هيون. ويقول «في بعض الأحيان أفكر في الهجرة إلى الولايات المتحدة، لكن عندها أهدئ من روعي، وأتذكر أن هذا هو المجتمع الذي منحني الحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»