«ويكيليكس».. وأوكامبو: البشير يملك 9 مليارات دولار في حسابات خارجية

الخرطوم تسخر: المدعي العام فشل في إثبات «الإبادة» فلجأ إلى حيلة أخرى.. وتعلن تنازلها عن الأموال «مكافأة لمن يعثر عليها»

الرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال تظاهرة لدعم السلام في دارفور (رويترز)
TT

نفى السودان، أمس، مزاعم بإيداع الرئيس عمر حسن البشير ما يصل إلى 9 مليارات دولار في الخارج، وقال إنه أمر مستحيل بسبب العقوبات المفروضة على السودان. وكانت مذكرة دبلوماسية سرية أميركية كشف عنها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني، أفادت بأن الرئيس السوداني عمر البشير يضع مبلغا يصل إلى 9 مليارات دولار من عائدات بلاده النفطية، وأن هذه الأموال أودعت في مصارف بريطانية. ونقلت المذكرة هذه المعلومات عن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو. ورأى المدعي، بحسب ما نقلت عنه المذكرة، أن الكشف عن هذه الممارسات «قد يقلب الرأي العام السوداني ضده». وقال إن ذلك «يمكن أن يغير نظرة الرأي العام إليه كقائد». وأوضحت الوثيقة أن مجموعة «لويدز» المصرفية البريطانية «ربما تكون لديها هذه الأموال أو تعرف مكان وجودها». لكن هذا المصرف نفى أيضا أن يكون مرتبطا بأي شكل مع الرئيس السوداني. وسخرت الحكومة السودانية من تسريبات «ويكيليكس» واعتبرتها «مجرد دعاية سياسية» وتحدت من يثبت «المزاعم». وأصدر الناطق الرسمي باسم وزارة الإعلام بيانا صحافيا تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، قال: «إن الخبر يؤكد فشل مهمة أوكامبو في تشويه صورة الرئيس بالحديث عن الإبادة الجماعية والاغتصاب وغيرها من التهم التي سخر منها الجميع». ووصف مواقف أوكامبو بالتناقض مع ما ظل يردده من أن مهمته تأتي استجابة لقرار مجلس الأمن.. وها هو يجتهد لإضافة اتهامات جديدة القصد منها هو قلب الرأي العام»، وقال: «المدعي لم يقدم على تقديم اتهام بما يمليه عليه ضميره، إنما كان اقتراحا قدمه لموظف أميركي ورد عليه ذلك الدبلوماسي بأنه لم يحن وقته، مما يعني أنه إنما يعمل في إطار خطة له فيها فقط حق الاقتراح ويلزمه تنفيذها وفق ما يقره من قاموا بتوظيفه للمهمة». وفي ذات السياق، قال المسؤول في وزارة الإعلام والعضو البارز في حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، ربيع عبد العاطي، إن هذه المزاعم مجرد دعاية، وإن مورينو أوكامبو يستخدم معلومات غير صحيحة لممارسة ضغط سياسي، وتحدى عبد العاطي أي شخص يثبت التهمة، وأكد أن «السودان سوف يدعو هذه الجهات للاحتفاظ بالنقود المعنية كمكافأة لهم في حال العثور على هذه الحسابات في مصرف عربي أو أفريقي أو أوروبي، أو أميركي، أو في أي مكان في العالم». وقال مسؤول سوداني بارز، طلب عدم نشر اسمه، إنه «غير صحيح ويستحيل أن يكون صدقا.. يخضع السودان إلى عقوبات مشددة. وثمة رقابة واسعة في أنحاء السودان.. كيف يمكن للرئيس بشير إذن إيداع أموال في بنك غربي؟!». وفي لندن قالت ناطقة باسم مجموعة «لويدز»، تعقيبا على وثيقة «ويكيليكس»: «ليس هناك أي دليل يشير إلى علاقة بين (لويدز بانكينغ غروب) والبشير». وأضافت أن «سياسة المجموعة تقضي بتطبيقها البنود القانونية والتنظيمية التي تخضع لها».

لكن مدعي المحكمة الجنائية الدولية عاد، أمس، وأكد ما جاء في وثيقة «ويكيليكس»، وقال إنه يجري تحريات بشأن حسابات الرئيس البشير في الخارج، نافيا أن تكون هذه الأموال موجودة في بريطانيا. وقال مورينو أوكامبو لوكالة الصحافة الفرنسية: «لدينا مصادر مختلفة تعطي معلومات عن أموال للبشير في عدة حسابات تبدأ من مئات الملايين إلى 9 مليارات دولار». وأضاف: «إنها معلومات نسعى إلى التأكد منها ونحن لا نتهمه»، مشيرا إلى أن «الأموال ليست في المملكة المتحدة وإنما خارجها. ونحن نسعى لمعرفة مكانها». وأوضح القاضي الأرجنتيني أن هذا «البنك (لويدز) لديه عدة حسابات رسمية للحكومة السودانية، لكن ليس لدينا معلومات عما إذا كانت لديه حسابات للبشير نفسه». وردا على سؤال عما إذا كانت هذه الأموال من عائدات بيع النفط السوداني، قال أوكامبو: «لا.. لسنا على يقين من أي شيء، ونحن لا نتهم أحدا لكننا نحقق».

ويباشر مورينو أوكامبو إجراءات دعوى ضد البشير لاتهامه بالإبادة الجماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور غرب السودان. وقال أوكامبو لـ«رويترز»: «أحقق في النواحي المالية ولدينا معلومات عن أموال البشير. يمكنني أن أؤكد أنها تصل إلى 9 مليارات دولار». وردا على سؤال عما إذا كان يتوقع إلقاء القبض على البشير قريبا، أجاب: «أنا واثق من أنها مسألة وقت». وتابع: «طلبت القبض عليه لكن لا يمكن التنفيذ. الحكومة السودانية صاحبة التفويض». ورفض البشير الاعتراف بالمحكمة الدولية ويواصل رحلاته الخارجية رغم إصدار أمر بالقبض عليه من جانب قضاة المحكمة الجنائية الدولية. وقد أكسبه تحديه للمحكمة تأييدا في السودان، وبصفة خاصة في الشمال، حيث يشك كثيرون في نيات الغرب.

من جهة ثانية، أعلن زعيم حزب الأمة القومي، رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، أنه سوف يعتزل العمل السياسي في نهاية الشهر المقبل، أو ينضم إلى تيار للإطاحة بالرئيس البشير، ما لم تقبل الحكومة مقترحات بتشكيل حكومة قومية بعد انفصال الجنوب مباشرة، وفق برنامج سياسي واضح ومحدد.

وقال المهدي، أمس، إن انفصال الجنوب سوف يغير المشهد السياسي في السودان بتحميل المؤتمر الوطني (الحاكم) مسؤولية الانفصال، مع تصعيد نوعي في مواقف حركات دارفور وإطلاق عنان الملاحقة الجنائية للبشير. وأكد المهدي أن «هذه العوامل مع التدهور الاقتصادي سوف تطلق تيارا واسعا للإطاحة بالنظام الحاكم، فيما سيعتبر الحزب الحاكم في المقابل انفصال الجنوب تخليصا من شريك مشاكس، مما يسهل مهمة السيطرة على الشمال».

وحدد المهدي السادس والعشرين من الشهر المقبل موعدا لعرض هذا الأمر ودراسته واتخاذ قرار بشأنه من قبل المؤتمر الوطني، وقال: «في حال رفضه سوف أدعو حزبي إلى مؤتمر عام ليقرر موقفه من المشهد السياسي، وشخصيا وفيما تبقى من العمر، سوف أستخير لاتخاذ أحد قرارين، هما الانضمام إلى الإطاحة، أو التخلي عن العمل السياسي».