فتوى تدعو لقتل البرادعي تثير جدلا دينيا وسياسيا بمصر

أنصاره حذروا من خطورتها.. وعلماء أزهريون اعتبروها «تهورا»

TT

أثارت فتوى بمصر تدعو لقتل الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، جدلا دينيا وسياسيا في البلاد. وبينما اعتبر علماء أزهريون صدور هذه الفتوى «تهورا»، حذر أنصار البرادعي الذي يفكر في الترشح لانتخابات الرئاسة العام المقبل، من خطورة هذه الفتوى التي أصدرها الداعية السلفي الشيخ محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة (180 كيلومترا شمال القاهرة). وتدعو الفتوى إلى قتل الدكتور البرادعي قائلة إنه أقدم على «التحريض على عصيان نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وإثارة الفتن والدعوة إلى العصيان المدني الشامل»، وقال الشيخ عامر في بيان نشره علي موقع جمعية أنصار السنة المحمدية، وحصلت «الشرق الأوسط» علي نسخة منه: «إننا في مصر شعب يدين غالبيته بالإسلام، والمتأمل لتصريحات البرادعي يجد فيها الحث والعزم على شق عصا الناس في مصر الذين تحت ولاية حاكم مسلم متغلب وصاحب شوكة تمكنه من إدارة البلاد»، مضيفا: «أيا كانت حالة حاكم مصر في نظر البعض فهو الحاكم الذي يجب السمع والطاعة له في المعروف، وبالتالي لا يجوز لمثل البرادعي وغيره أن يصرح بما ذكر». وطالب عامر، الذي أسند فتواه إلى بعض الأحاديث النبوية وفتاوى لشيوخ سلفيين، البرادعي بإعلان توبته مما قال « وإلا جاز لولي الأمر أن يسجنه أو يقتله درءا لفتنته حتى لا يستفحل الأمر». وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، قال الشيخ محمود عامر: إن «ما نشر على موقع الجمعية يعبر عن وجهة نظر أعضائها على الحكم الشرعي في مواقف البرادعي». وحول إذا ما كانت جمعيات أنصار السنة المحمدية في مصر تؤيد فتواه، أكد على أنه «لا يوجد ولاية على فرع الجمعية إلا من قبل الحكومة المصرية، وأن فرع الجمعية بدمنهور له استقلاليته، ولا توجد هيمنة من المركز الرئيسي بالقاهرة على الفرع أو على الفروع الأخرى، وفقا للوائح الجمعيات الأهلية».

من جهته، قال الدكتور عبد المعطي بيومي العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: «إن هذه الفتوى مخطأة، تمام الخطأ، ولا يجوز التبرع بفتاوى القتل لأن هذا سيؤدي إلى التقاتل، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إن عهدنا بجماعة أنصار السنة المحمدية أن لا يفتوا، فما الذي حدث، ليغيروا موقفهم؟ وهل عندما تفتي جماعة أنصار السنة المحمدية تفتي بالقتل؟!».

واعتبر بيومي أن التحريض على قتل الدكتور البرادعي، يدعو إلى تبادل العنف في المجتمع، وليس ذلك من سنة الرسول الكريم (ص)، التي تدعي جماعة أنصار السنة المحمدية تمسكها بها، معتبرا أن هذه الفتوى نتجت عن سوء فهم للسنة النبوية.

من جهته، اعتبر الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن «هذه الفتوى متهورة ولا تؤيدها الأدلة الشرعية، لأن الدكتور البرادعي لم يطالب الشعب المصري بثورة على النظام الحاكم، وإنما أراد أن يدعو إلى تغيير سياسات النظام المصري».

وأضاف عثمان أن «إهدار الدماء ليس بهذه السهولة في الإسلام، فالأمور التي يزاولها الإنسان في حياته الأصل فيه الإباحة، إلا أن يرد التحريم من الشرع»، موضحا أن إجماع العلماء الأصل في الدماء التحريم.

وقال: «إن تربص الناس على قتل إنسان خطأ فاحش، وإن الاختلاف في الآراء يكون بالحوار والقول الحسن، فقال الله عز وجل: «وقولوا للناس حسنا».

وعلى الصعيد السياسي، اعتبرت الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور البرادعي، عقب تقاعده مطلع هذا العام، أن هذه الفتوى بالغة الخطورة. وقال أحمد بهاء شعبان القيادي بالجمعية لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفتوى تشير إلى أن المجتمع المصري والعربي والإسلامي على حافة منزلق جديد، يستخدم الدين الإسلامي السمح في ترويع الأفراد والتحريض على حياتهم وإثارة المخاوف في نفوسهم، بدلا من إشاعة الأمن والاستقرار والمحبة».

وأضاف أن «هذه الفتوى لا تخدم إلا قوى الفساد في مصر، وتثير الرعب في نفس أي مواطن أو صاحب رأي يطالب بالتغيير»، مشيرا إلى أنه حتى في زمن مشايخ السلطة الذين كانوا يفتون لصالح الحاكم، لم تصل فتاواهم إلى حد التحريض على القتل».

وقال شعبان: «إن واجبنا الآن هو أن نقف بشدة وحزم في مواجهة هذا التيار الظلامي الجديد الذي يدعم أنظمة الفساد، ويستخدم الدين في خدمة أغراض دنيوية»، محذرا من أنه قد يستجيب أحد أفراد الشعب المصري للفتوى ويقوم بتنفيذها فعلا ضد الدكتور البرادعي، ضاربا مثلا بما حدث مع أديب نوبل نجيب محفوظ حين اعتدى عليه أحد الأشخاص، بعد صدور فثوى بتكفيره بسبب إحدى رواياته.