أبو مازن لعشرات الإسرائيليين: استبدلنا ثقافة العنف.. والسلام أهم من المستوطنات

استنفار إسرائيلي لإحباط أي تحرك عربي لحشد موقف دولي من الاستيطان.. هيومن رايتس تدعو لمعاقبة إسرائيل

أبو مازن يتحدث لمجموعة من ناشطي السلام الإسرائيليين وإلى جانبه رئيس حزب العمل الأسبق عمرام ميتسناع خلال زيارة لرام الله (أ.ف.ب)
TT

أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، أمس، تمسك الشعب الفلسطيني بخيار السلام، وقال لنحو 100 إسرائيلي ناشط في تحالف السلام الفلسطيني – الإسرائيلي: إن الوصول إلى السلام سيتم فقط عبر المفاوضات.

ودعا أبو مازن الإسرائيليين إلى ضرورة استغلال الفرصة السانحة لتحقيق السلام، مذكرا ضيوفه بأن «الفلسطينيين استبدلوا بثقافة العنف ثقافة السلام والاستقرار».

وقال أبو مازن: «إن السلام أهم من الاستيطان». وأضاف: «إنه من الضروري أن تغلب الحكومة الإسرائيلية منطق السلام وإنهاء الصراع على منطق الاستيطان وتغيير الحقائق بالقوة على الأرض». وجدد أبو مازن موقفه من أن وقف الاستيطان هو المدخل لمفاوضات جادة، وشدد على ضرورة تحديد مرجعية واضحة لعملية السلام تقوم على أساس حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967.

وقال أبو مازن لضيوفه: إن الاستيطان «يمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة متصلة وقابلة للحياة، ويعمل على تقويض حل الدولتين، الذي تدعمه كل الأطراف الدولية، إضافة إلى أن كل قرارات مجلس الأمن أكدت عدم شرعيته».

وتبادل أبو مازن أطراف الحديث مع ضيوفه، وقال عمرام ميتسناع، الذي كان رئيسا لحزب العمل، لأبو مازن: «أريد أن أقول لك: إن غالبية الإسرائيليين يدركون أنه سيتم تقسيم مدينة القدس في نهاية المطاف، كما ستقام دولة فلسطينية على حدود قريبة من حدود 1967».

ويتمسك الفلسطينيون بوقف تام للاستيطان، وبسب ذلك انهارت محادثات السلام التي كانت ترعاها الولايات المتحدة، ورفض أبو مازن كل الحلول الوسط التي تقدمت بها واشنطن، واختار الذهاب إلى مجلس الأمن لإدانة الاستيطان الإسرائيلي أولا كخطوة أولى ستقود لاحقا إلى خيار آخر، هو انتزاع اعتراف من المجلس بالدولة الفلسطينية وحدودها.

وتسود حالة من القلق الشديد في دوائر الحكومة الإسرائيلية من نتائج تحرك مشترك للسلطة الفلسطينية والدول العربية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ونقلت صحيفة «هآرتس» في عددها الصادر أمس عن محافل رسمية في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولها إن الحكومة الإسرائيلية تخشى ألا تسارع الإدارة الأميركية لاستخدام حق النقض (الفيتو) لإبطال المشروع العربي. ولفتت المحافل الأنظار إلى أن اجتماعا عربيا نهاية الأسبوع الماضي لتنسيق التحرك العربي المشترك. وأعربت المحافل عن قلقها الشديد من نجاح التحرك العربي في إقناع المجتمع الدولي بفرض مقاطعة على المستوطنات بشتى السبل اقتصاديا، ولا يكتفي بإلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان. ونوهت المحافل بحالة من الاستنفار تسود في كل من ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزارة الخارجية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن رئيس دائرة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية طالب بعدم تسريب الموضوع إلى وسائل الإعلام والتعتيم عليه. واعتبرت المحافل أن التحرك العربي المشترك يندرج ضمن توجهات السلطة الفلسطينية لتجاوز المفاوضات مع إسرائيل، وهو ما يمثل بحد ذاته تطورا بالغ الخطورة. وأشارت المحافل إلى أن السفارات الإسرائيلية في عواصم الدول الأعضاء في مجلس الأمن تعمل حاليا بتفانٍ من أجل إحباط التحرك العربي الفلسطيني والحيلولة دون إصدار مجلس الأمن القرار الدولي، مشيرة إلى أن الذي يعقِّد مهمة إسرائيل هو حقيقة أن الإدارة الأميركية لا تخفي اعتراضها على البناء في المستوطنات.

وأشارت المحافل الإسرائيلية إلى أن الإدارة الأميركية قد تعمل على عرقلة استصدار قرار من مجلس الأمن بشكل مؤقت إلى حين الانتهاء من الأعياد المسيحية. يُذكر أن مجلس الأمن الدولي أدان عام 1980 الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، داعيا إسرائيل إلى عدم مساعدة إسرائيل في مواصلة مشروعها الاستيطاني. وأوضحت المحافل أن التحرك الفلسطيني العربي المشترك جاء في أعقاب فشل الجهود التي بذلها المبعوث الأميركي جورج ميتشل في جهوده لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية القدس؛ حيث أصر نتنياهو على رفض التجميد.

من ناحية ثانية، دعت منظمة حقوقية أميركية إدارة أوباما لمعاقبة إسرائيل على مواصلة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية. وفي وثيقة صدرت عنها أمس الأحد، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: على الولايات المتحدة أن تخصم من مساعدتها لإسرائيل قيمة الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية للاستيطان في الضفة الغربية.

وقالت المنظمة، في وثيقة من 166 صفحة تحت عنوان «انفصال وانعدام للمساواة.. معاملة إسرائيل التمييزية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة»: «إن السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية تميز بقسوة ضد السكان الفلسطينيين، وتحرمهم من الاحتياجات الأساسية، بينما تنعم بمختلف الخدمات على المستوطنات اليهودية».

وقالت كارول بوغارت، نائبة المدير التنفيذي للعلاقات الخارجية في هيومن رايتس ووتش: «يواجه الفلسطينيون تمييزا ممنهجا من واقع أصلهم العرقي أو الإثني أو الوطني، مع حرمانهم من الكهرباء والمياه والمدارس والطرق، بينما المستوطنون اليهود الساكنون على مقربة منهم يتمتعون بجميع ما تقدم الدولة من خدمات».

وأضافت بوغارت: «بينما تزدهر المستوطنات الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية يعيشون في مشقة، فالأمر لا يقتصر على الفصل وانعدام المساواة، فهم أحيانا يبعدون أيضا عن أراضيهم ويخرجون من بيوتهم».

واعتبرت أنه «بينما يكافح صناع السياسة الإسرائيلية من أجل (النمو الطبيعي) لمستوطناتهم غير القانونية، فهم يخنقون المجتمعات الفلسطينية التاريخية، ويمنعون العائلات من النمو على أراضيها وفي بيوتها، ويجعلون الحياة شبه مستحيلة».

ورأت المنظمة في توصياتها أن «الولايات المتحدة التي تقدم نحو 2.75 مليار دولار مساعدات سنوية لإسرائيل عليها أن تجمد تمويلها لإسرائيل بمبلغ مواز لما تنفقه إسرائيل على دعم المستوطنات». وقالت إن هذا المبلغ «بلغ حسب دراسة أجريت عام 2003 نحو 1.4 مليار دولار»، مشيرة أيضا إلى وجود عدد كبير من التقارير التي تؤكد أن «منظمات أميركية معفاة من الضرائب توفر إسهامات كبيرة لدعم المستوطنات»، داعية واشنطن إلى «التأكد من أن هذه الإسهامات المعفاة من الضرائب تتسق مع الالتزامات الأميركية باحترام القانون الدولي، بما في ذلك حظر التمييز».

وأقامت إسرائيل منذ 1967 أكثر من 130 مستوطنة في الضفة الغربية يقطنها حاليا أكثر من 300 ألف نسمة. ومن بين الأوضاع التمييزية المفروضة على الفلسطينيين، بحسب هيومن رايتس ووتش: «سياسات مصادرة الأراضي من الفلسطينيين من أجل بناء المستوطنات وتوفير البنية التحتية لخدمتها، ومنع الفلسطينيين من استخدام الطرق والوصول إلى أراضيهم الزراعية، والحرمان من الكهرباء والمياه، والحرمان من تصاريح البناء اللازمة لإنشاء البيوت والمدارس والعيادات الصحية ومرافق البنية التحتية، وهدم المنازل الخاصة بمجتمعات سكنية بأكملها». وأكدت أن «هذه الإجراءات حدت كثيرا من توسع القرى الفلسطينية وفرضت مشقات كثيرة على السكان، بما في ذلك عدم إتاحة خدمات صحية كافية لهم».