«طالبان النيجيرية» تشن حربا ضد حكومة ترفض الاعتراف بها

«بوكو حرام» حركة راديكالية تضع الشمال النيجيري على المحك

نيجيريون يمتطون الخيول في احتفال شعبي في إحدى القرى الشمالية (أ.ف.ب)
TT

داخل شوارع ينتشر بها الغبار في شمال شرقي نيجيريا، وبعيدا عن ميادين القتال داخل أفغانستان، تشن حركة تطلق على نفسها اسم «طالبان النيجيرية» حربا ضد حكومة ترفض الاعتراف بها.

كان يعتقد أن هذه الفرقة الإسلامية الراديكالية التي يطلق عليها «بوكو حرام» قد اختفت خلال 2009، عندما سوى الجيش النيجيري مسجد تلك الفرقة بالتراب، وألقى القبض على زعيمها ليموت داخل السجن. ولكن في الوقت الحالي وبعد مرور عام، تعيش مدينة مايدوغوري والقرى المحيطة بها في رعب بسبب هذه الحركة، التي قام أعضاؤها باغتيال زعماء محليين وقيادات في الشرطة وخططوا لاقتحام أحد السجون، بحسب ما يقوله مسؤولون.

ويحدو دبلوماسيين غربيين شعور بالقلق الشديد، خشية أن تجذب هذه الحركة انتباه فرع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا. كما يخشون أيضا من أن تحدث «بوكو حرام» فوضى وتفسخا داخل نيجيريا، تلك الدولة الأفريقية ذات أكبر كثافة سكانية وأحد أهم موردي النفط إلى الولايات المتحدة.

وجاء في رسالة مسربة نشرها موقع «ويكيليكس» أن مساعد وزير الخارجية الأميركي المسؤول عن الشؤون الأفريقية جوني كارسون قال في وقت سابق من العام الحالي: «من الممكن أن تكون نيجيريا مثل باكستان في المستقبل، فخلال 25 عاما يحتمل أن توجد جموع غفيرة تعاني من الفقر، فيما تكون هناك نخبة ثرية مع انتشار الراديكالية في الشمال. والسؤال: هل ستكون آبار النفط جافة أيضا؟».

وتضيف الرسالة بعد ذلك قائلة: «تقف نيجيريا على أعتاب مرحلة سياسية ومالية خطيرة، ويمكن أن تتجه الدولة برمتها إلى الخلف بصورة دائمة».

وتقع مايدوغوري في شمال شرقي نيجيريا، على بعد 1.040 ميل (1.675 كيلومتر) من العاصمة التجارية لاغوس. وتشرق الشمس هناك في السادسة صباحا، وسرعان ما تغرق أشعتها الحارقة شوارع تنتشر فيها الأتربة، وتأتي الصحراء الكبرى تدريجيا على أراضيها.

وفي هذا المكان قبل عقد بدأ محمد يوسف، الذي كان في يوم من الأيام إماما معتدلا، يخطب ضد ممارسات التعليم الغربي في الحياة داخل الشمال النيجيري المسلم. وكانت «بوكو حرام» عبارة ثابتة في خطب باللغة الهوساوية وتعني «التعليم الغربي حرام».

وجاء كلام يوسف في وقت طبقت فيه نحو اثنتي عشرة ولاية شمالية الشريعة الإسلامية، في أعقاب تحول الدولة إلى الديمقراطية بعد عقود من الديكتاتوريات العسكرية. وحسب كثيرين فإن الشريعة الإسلامية سوف تضع نهاية للفساد الذي استشرى في أوصال الحكومة النيجيرية.

بيد أنه بقيت المحاكم الإسلامية تحت سيطرة حكومات علمانية داخل الولايات، وقامت تلك الحكومات بدفعهم إلى لعب أدوار في توجيه حركة المرور ووقف شاحنات البيرة. واستمرت الحكومة على نفس المنوال، وكان الساسة يقودون سيارات «لاند روفر» سوداء مترفة، وتباهى أحد التجار بعزبة بنيت مقابل نحو 100 مليون دولار، بها غرفة لها أرضية ذهبية. وفي الوقت نفسه يعيش أكثر من 80 مليونا من السكان البالغ عددهم 150 مليونا على أقل من دولارين يوميا.

ويقول إبراهيم أحمد عبد الله، وهو إمام مسجد في مدينة مايدوغوري: «يعيش الناس في فقر مدقع، وفي أي مكان يعيش الناس في فقر مثل هذا، لو أخذت تقول لهم انظروا، هيا لنحدث تغييرا.. يجب أن ينصت إليك الناس».

وقام خريجو الجامعة الذين انضموا إلى «بوكو حرام» بتمزيق الشهادات التي حصلوا عليها، وانضم آخرون إلى أعمال الشغب عام 2007 التي استهدفت مراكز الشرطة. وقد أصبح النهج الخطابي ليوسف أكثر إثارة للقلاقل.

وفي يوليو (تموز) 2009، قام أعضاء من هذه الفرقة بالهجوم على محطات للشرطة وأبنية حكومية في مختلف أنحاء شمال شرقي نيجيريا. وتسببت أعمال الشغب في رد فعل قوي من جانب الجيش النيجيري، الأمر الذي خلف 700 قتيل. وقد قتل يوسف نفسه عقب أسره وتسليمه إلى الشرطة في دولة تنتشر فيها عمليات «القتل خارج نطاق القضاء» على يد السلطات.

ولم يعد يبقى من مقر «بوكو حرام» السابق سوى حقل واسع تنتشر فيه الأعشاب، وتحيط به بقايا سيارات ودراجات بخارية يعلوها الصدأ وشبت فيها النيران خلال المواجهة الأخيرة للحركة. ويوجد على الأرض مكبر صوت كان يصدح بالأذان يوما ما، فيما تقوم الشرطة بتفتيش المارين الذين يركبون على دراجات نارية تنقل ركابا وتأخذ رشاوى من السائقين.

ولكن بدأت إشاعات هذا العام عن قيام الحركة بإعادة تسليح نفسها. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت فرق مكونة من رجلين مهاجمة ضباط شرطة وقيادات دينية وهناك مسؤولون محليون أدلوا بشهادات مناهضة للحركة داخل محكمة علنية من على دراجات بخارية تنتشر في الشوارع.

وتقول السلطات إنه في سبتمبر (أيلول) قام أعضاء من «باكو حرام» بالهجوم على سجن فيدرالي في بوتشي وحرروا 750 سجينا – ينتمي أكثر من 100 منهم إلى الطائفة. ولم يتضح حتى الآن عدد أعضاء الحركة في المجمل.

ويوجد أعضاء «بوكو حرام» حول مايدوغوري، وعبر الحدود النيجيرية مع الكاميرون وتشاد والنيجر، بحسب ما يقوله متحدث باسم شرطة ولاية بورنو لاوال عبد الله، الذي أشار إلى أن الحركة تحصل على الأسلحة من خلال بحيرة تشاد والمنطقة الرحبة التي تقل فيها دوريات الشرطة المحيطة بالمدينة. وتستخدم حاليا طرق التجارة القديمة التي نقلت الإسلام إلى المنطقة قبل قرون من أجل تمرير الأسلحة ونقل المقاتلين الأجانب إلى «بوكو حرام».

وقال: «أثارت الفورة التي تمر بها حركة (بوكو حرام) مخاوف داخل مايدوغوري وفي سفارات أجنبية. وتم بعث رسالة دبلوماسية سرية تتناول التهديدات العالمية المحتملة في يونيو (حزيران) نيابة عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وفقا لنسخة نشرها أخيرا موقع (ويكيليكس)». وذكرت الرسالة يوسف بالاسم، وعرفت حركته باسم «طالبان النيجيرية». وحذرت الرسالة من أن الحركة خططت للقيام بـ«هجوم شامل مفاجئ.. يستهدف إثارة صدمات عرقية داخل نيجيريا». وجاء التحذير قبل شهر من قيام «بوكو حرام» بأعمال الشغب.

ويخشى دبلوماسيون من أن «بوكو حرام» ربما تكون على صلة بمجموعات إرهابية أجنبية. وبعد أعمال العنف خلال 2009، قال مشتبه فيه يتبع «بوكو حرام» بعد أن ألقي القبض عليه لصحافيين إنه أرسل إلى أفغانستان لدراسة طريقة تصنيع القنابل. ولم يتسن التأكد من مزاعمه من طرف مستقل.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) بعث تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهو فرع التنظيم الإرهابي في شمال أفريقيا، فيما يبدو رسالة إلى «بوكو حرام» من خلال منتدى على شبكة الإنترنت نيابة عن نائب يوسف الذي يعتقد أنه يدير الحركة حاليا. وفي رسالة تعود ليونيو من عام 2009، قالت وزارة الخارجية أيضا إن «متطرفا تشاديا مخضرما وحاصلا على تدريب جيد له علاقات محدودة مع تنظيم القاعدة سافر مؤخرا إلى نيجيريا». وقالت الرسالة إنه يحتمل أن يكون الرجل قد جاء من أجل جمع المال لصالح هجوم إرهابي، ولكن لم تكن هناك معلومات أخرى.

ولا يزال غير واضح هل توجد علاقات رسمية مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بـ«بوكو حرام» وما هي طبيعة هذه العلاقات إن وجدت. وينتمي التنظيمان إلى طائفتين عرقيتين مختلفتين ولديهما عادات مختلفة. ومع ذلك، فقد دفع تنظيم القاعدة إلى قبائل محلية في الماضي من أجل أخذ رهائن أجانب، وقام مقاتلون مرتبطون بها بإعدام أجانب من قبل.

ويظهر التاريخ أن مايدوغوري منعزلة عن باقي الدولة النيجيرية، وعلى الرغم من أنها حاليا في أقصى الشمال المسلم النيجيري، فإن المنطقة كانت تنتمي إلى إمبراطورية قديمة تمتد شرقا وليس في أرض الهوسا الغربية. ولا تزال منعزلة حتى الآن.

وقد تمكنت «بوكو حرام» من الاستفادة من ذلك الوضع، علاوة على الفقر المستشري داخل المنطقة. ويحتمل أن يكون أعضاء الحركة من الفقراء داخل نيجيريا والدول المحيطة، بحسب ما يقوله موري لاست، أستاذ علم الإنسان المتفرغ بجامعة لندن الذي يدرس الشمال النيجيري. ويتساءل لاست قائلا: «ماذا يمكن أن تفعل إذا لم تحصل على تعليم ولم تحصل على وظيفة ولا يوجد مستقبل أمامك أو أمام عائلتك. ألن يكون من الأفضل أن تنتمي إلى الحركات الدينية التي ربما توفر لك زوجة وأطفالا ونوعا من التعليم؟.. لا يوجد أمام الكثير من الشباب أي خيار».

واندفع الكثير من هؤلاء الرجال الشباب إلى المدن النيجيرية الشمالية خلال الفورة التي شهدها قطاع النفط داخل البلاد في السبعينات من القرن الماضي على أمل العثور على وظائف. ولكن لم يجد القادمون من القرى سوى صعوبات وعزلة جعلتهم يتفاعلون مع أي تعهد بتغيير حياتهم، بحسب ما يقول لاست.

ويعد ذلك ما جلب إلى الشمال أول لمسة من التطرف الإسلامي. ويسيطر على الشمال النيجيري مسلمون، فيما يسيطر على الجنوب مسيحيون. وفي عام 1980، قامت حركة «مياتاتسين» بالاستحواذ على مدينة كانو الشمالية القديمة. ووجهت هذه الحركة، التي كان يتزعمها مهاجر كاميروني، انتقادات إلى الحكومة الفيدرالية ووصفتها بأنها فاسدة وتتكون من مجموعة من «الملحدين» وخلفت أعمال الشغب 4000 قتيل.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»