العلاج في المستشفى مقابل الفول السوداني

تدهور كبير في النظام الصحي في زيمبابوي بسبب الأزمة السياسية والتضخم

سكان يحملون معزات أو دجاجات أو فولا سودانيا ليقدموها إلى مستشفى مقابل تلقيهم العلاج في زيمبابوي («نيويورك تايمز»)
TT

اصطف الناس في شرفة مستشفى البعثة الأميركية قادمين من مناطق على بعد أميال يحملون دجاجات هزيلة ومعزات متشنجة ودلاء من الذرة للمقايضة مقابل الكشف الطبي والحصول على عقاقير. لكن أكثرهم كانوا يحملون على رؤوسهم أجولة من الفول السوداني.

امتلأت الكنيسة التابعة للمستشفى بما يشبه تلالا ضخمة من الكثبان الرملية من الفول السوداني المقشر، الذي تصنع المستشفى منه زبدة الفول السوداني وتقدم ضمن عصيدة الإفطار للمرضى وتفرد على الأصناف الخفيفة التي تقدم مع الشاي ويتم إذابتها مع الخضراوات في وجبة العشاء.

وتتعجب كاثي مكارتي، وهي ممرضة من كاليفورنيا تدير هذا المستشفى الريفي، الذي يبعد 35 ميلا عن أقرب طريق أسفلتي، منذ عام 1981، قائلة: «نحن نقدم خدمات طبية مقابل فول سوداني».

اتجه المستشفى إلى طريقة المقايضة بشكل جدي مع عدد لا يحصى من المواطنين الزيمبابويين عام 2008 عندما ارتفع التضخم بشكل مذهل إلى 500 مليار في المائة بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي مما أجهز على مدخرات العمر وجعل أوراقا مالية بقيمة تريليون دولار لا قيمة لها وأدى إلى انهيار كبير للنظامين الصحي والتعليمي. وبعد ذلك تشكلت حكومة تقاسم سلطة بعد سنوات من الاضمحلال تحت حكم الرئيس روبرت موغابي واستقر الاقتصاد. وتخلت زمبابوي عن عملتها العام الماضي وأحلت محلها الدولار الأميركي وانخفض التضخم إلى نسبة معقولة وهي 3.6 في المائة. وعاد المعلمون إلى فصولهم الدراسية والممرضات إلى الأجنحة في المستشفيات.

لكن تقريرا حديثا للأمم المتحدة يشير إلى المدى الذي يتعين على زيمبابوي أن تقطعه، حيث لا تزال أفقر من 183 دولة حسب بيانات الأمم المتحدة. كذلك تعد زيمبابوي، حسب الأمم المتحدة، واحدة من ثلاث دول في العالم ساءت أحوالها من ناحية الإجراءات الخاصة بالصحة والتعليم والدخل عن أحوالها منذ أربعين عاما.

تعد النقود نادرة الوجود بالنسبة إلى الكثير من الزيمبابويين مما دفع مستشفى تشيدامويو المسيحي الذي يوجد به 85 سريرا إلى الاستمرار في السماح للمرضى بالمقايضة. وكشفت الدراسات أن الرسوم تمثل عقبة كبيرة في مجال الرعاية الصحية في المناطق الريفية التي يعيش بها أكثر الزيمبابويين.

وتقول إستر تشيراساسا، 30 عاما، التي سارت ثمانية أميال وسط الأدغال لتصل إلى المستشفى لعلاج مرض التهاب المفاصل الشديد: «من الصعب أن يحصل المرء على الدولار الذي يتحدثون عنه». وكان يسير إلى جانبها ابنها، 13 عاما، وهو يحمل جوالا من الفول السوداني ليدفع مقابل حصولها على العلاج. قالت إستر إن الطعام الذي تعيش عليه عائلتها المكونة من سبعة أفراد والذي يزرعونه في أرض صغيرة قد نفد، لذا تعين عليها الحد من الألم حتى تتمكن من العمل في الحقول من أجل إطعام أطفالها.

ويساعد نظام المقايضة في سد بعض الثغرات، حيث أوضح مسح أجري في مايو (أيار) الماضي وشمل أكثر من 4000 أسرة ريفية أن متوسط إنفاق كل أسرة منهم تتكون من ستة أفراد لتغطية كافة احتياجاتهم في إبريل (نيسان) 8 دولارات، أي ما يعادل ثمن كوب من الكابتشينو في نيويورك. وقد اتبع أكثر من ثلث الأسر التي شملها المسح في سبتمبر (أيلول) الماضي نظام المقايضة لمساعدتها في تدبر أمرها.

لكن بحسب تقديرات هيئات الأمم المتحدة، سيحتاج 1.7 مليون من إجمالي 11 مليون زيمبابوي معونة غذائية خلال الأشهر القادمة. إلا أنه بحسب محللين، منع استمرار موغابي في الهيمنة على الحياة السياسية واستمرار خرق القانون وانتهاكات حقوق الإنسان تقديم المعونات الأجنبية والاستثمار الضروريين لإعادة بناء اقتصاد الدولة المنهار.

عقد مستشفى «تشيدامويو» مع من يعتمدون عليه في هذا المكان الريفي الذي لا توجد به خدمة اتصالات هاتفية أو كهرباء في أغلب الأحيان اتفاقا غير مكتوب لمقاومة الموت الذي حصد أرواح الكثيرين. وقد انخفض متوسط العمر المتوقع في زيمبابوي التي ابتليت بمرض الإيدز والفقر من 61 إلى 47 عاما خلال ربع القرن الماضي.

يقدم المرضى المحاصيل التي يزرعونها والحيوانات التي يربونها، وهو ما يمثل طعام آلاف المرضى في هذا المستشفى، في مقابل تولي المستشفى علاج جروحهم وأمراضهم ومساعدتهم في ولادة أطفالهم. ويضم المستشفى طبيبين و15 ممرضة ويستقبل شهريا نحو 6 آلاف مريض، ووصف لألفي مريض بمرض الإيدز عقاقير مضادة للفيروسات الارتجاعية للحفاظ على حياتهم.

بقيت أبواب مستشفى «تشيدامويو» مفتوحة حتى عندما أغلقت المستشفيات الحكومية أبوابها خلال التضخم الشديد عام 2008 بسبب تقلص رواتب العاملين بها وذلك من خلال منح العاملين طعاما مقدما من المرضى بنظام المقايضة. وقالت مونيكا مبيزو، 22 عاما، التي تعاني من آلام في المعدة وقايضت بثلاث دجاجات سوداء هزيلات: «يتم مساعدة الناس بشكل جيد ويوفر طاقم العمل في المستشفى الرعاية للمرضى».

يحصل المستشفى الذي أسسته جماعات تبشيرية أميركية منذ أربعين عاما على دعم محدود من الحكومة التي تحتاج إلى عائد. ويحصل المستشفى أيضا على مبلغ يصل إلى 10 آلاف دولار شهريا من الكنائس الأميركية والبريطانية مما يمكنه من تحديد رسوم علاج نقدية وعينية أقل من الكثير من المستشفيات الحكومية، حيث يبلغ رسم الكشف 1 دولار أو ربع دلو من الفول السوداني، في حين تبلغ قيمة الكشف في أي مستشفى حكومي 4 دولارات ولا يتم قبول أي رسوم عينية.

ويقوم المستشفى، بسبب معاناته من السيولة النقدية هو الآخر، بممارسات غير معتادة في الغرب، حيث يعقم العاملون والمتطوعون فيه القفازات البلاستيكية بالبخار من أجل إعادة استخدامها ويملأون أصابع القفازات بالماء للتأكد من عدم وجود تسريب. كما يزيلون كرات القطن من آلاف زجاجات الأدوية لمسح أذرع المرضى بالمطهر قبل حقنهم. كذلك يجمعون الوريقات التي تغطي تلك الزجاجات لاستخدامها كأوراق تواليت.

لكن هناك حدودا لما يمكن أن تحققه أكثر الاقتصاديات صرامة وشدة، حيث لم يحصل المستشفى خلال العام الماضي على ما يكفي من النقود لتخزين الدم. وقالت كاثي إنه تم تحويل السيدات اللاتي عانين من نزيف ما بعد الولادة أو من حمل منتبذ إلى مستشفيات أكبر لكنها لم تكن لديها أكياس دم هي الأخرى مما أدى إلى وفاة ثماني سيدات. وبدأت الأمم المتحدة مؤخرا بدفع ثمن الدم في المستشفى لتحسين فرص نجاة السيدات.

وتذكر الدكتور فيرنون مورينجي وهو يقف أمام سيدة مخدرة قبل إجراء عملية ولادة قيصرية كيف كانت فكرة إجراء العملية دون وجود أكياس دم مخيفة. ويقول فيرنون: «إنك تجري العملية لكن يدور في ذهنك سؤال: ماذا لو حدث فقدان كبير للدم؟».

وبينما كان يستعد لشق جسد المريضة، كان التيار الكهربائي في المستشفى منقطعا لأسبوعين والمولد الكهربائي القديم، الذي اشتراه المستشفى مستعملا منذ 20 عاما، لا يستطيع أن يوفر الطاقة اللازمة لتشغيل جهاز أشعة إكس أو الحفاظ على ثبات الضوء المنبعث من لمبات فلوريسنت. لقد تم تشغيل المولد قبل بدء عملية الولادة القيصرية مباشرة. ويصدر التكييف صوته بوهن في الغرفة المختنقة. وعندما جاء الولد الصغير إلى الحياة، صاحت كاثي قائلة: «مرحبا بك في زيمبابوي»، إلا أنه لم يصدر أي صوت، فظلت تربت على مؤخرته وتضغط على أنفه حتى أطلق صرخة مثل فرخ طائر مرتعش. وقالت: «أخيرا أدركت أنك ولدت في زيمبابوي. لقد ظن أنه ولد في جنوب أفريقيا وكان سعيدا».

وجدير بالذكر أن كنيسة في حي رينغوود بولاية نيوجيرسي قد جمعت 24 ألف دولار وساهم نادي روتاري «سيباستوبول» بكاليفورنيا بمبلغ 7 آلاف دولار لشراء مولد كهربائي لهذا المستشفى.

* خدمة «نيويورك تايمز»