الصدر يستعد لممارسة نفوذ كبير عبر وزرائه في حكومة المالكي

البعض يخشى دوره المرتقب وعودة مسلحيه إلى الشارع

TT

لا يتوقع حضور رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي كان خلال الـ10 سنوات الماضية قائد المقاومة ضد القوات الأميركية ووسيطا سياسيا يعمل من خلف الستار، شخصيا عند تشكيل القادة العراقيين لحكومة جديدة. لكن بفضل سعي أتباعه إلى الحصول على مناصب مهمة في الحكومة، من المحتمل أن يكون نفوذه واضحا في شتى مناحي الحياة العامة في العراق، بدءا من قاعات البرلمان إلى مزارع الطماطم والأهوار هنا في جنوب شرقي العراق.

لقد كانت محافظة ميسان معقل الصدر حتى أسهمت حملات قام بها الجيش العراقي عام 2008 في إرخاء قبضة جماعته المسلحة. وأدى التغير السياسي إلى عزل حليفه من منصب المحافظ العام الماضي. لكن اتجاه الرياح يتغير مرة أخرى حاليا؛ حيث أصبحت المدينة ساحة لعودة سياسية ملحوظة للصدر في العراق بعد سنوات من الانشقاق والهزائم العسكرية وهروبه إلى إيران.

ويدفع أتباع الصدر باتجاه السيطرة على منصب محافظ ميسان مرة أخرى؛ حيث يعتبر هذا المنصب أحد المناصب التي يأملون في الفوز بها كمكافأة على الانضمام إلى الائتلاف السياسي الذي سيخول لنوري المالكي، رئيس الوزراء وعدو الماضي، الاحتفاظ بمنصبه بعد شهور من المشاحنات والمجادلات التي أعقبت الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة التي أجريت في مارس (آذار).

ويقول حكيم الزاملي، الذي أعيد انتخابه بسهولة بعد إسقاط تهم عنه بالقتل والخطف والفساد أثناء توليه منصب في وزارة الصحة: «إذا كنا قادرين على النجاح هذه المرة ومحو بعض أخطاء الماضي، نعتقد أنه يمكننا الفوز بأكثر المناصب وربما منصب رئيس الوزراء».

وقد تتجاوز هذه الطموحات الكبيرة قدرة الحركة حاليا، لكن نفوذها السياسي المتنامي أثار المزيد من القلق بشأن كيفية لعب الصدريين دورا أكبر. وقال جيمس جيفري، السفير الأميركي في العراق، في تصريح للصحافيين: «لا نرى أي دليل قوي سواء من الناحية النظرية أو الناحية العملية على تخليهم عن فكرة استخدام القوة ضد معارضيهم».

وقد اتهم أتباع الصدر في الحكومة العراقية الأخيرة باستغلال مناصبهم في نشر الفساد والطائفية مع وجود مسؤولين يجنون الأرباح بشكل غير شرعي وفرق الموت تجوب المستشفيات العامة. ولا تزال هناك مخاوف في نفوس الأميركيين والعراقيين من احتمال تعبئة الجماعة المسلحة، التي ساعدت في وصول الصدر إلى السلطة في البداية، التي كانت مسؤولة عن الكثير من أعمال العنف التي هددت بتمزيق البلاد، ضد أعداء الصدر، خاصة بعد انسحاب القوات الأميركية. ويمكن للقوة المتنامية للحركة أن تزيد من تعقيد علاقة الولايات المتحدة بالعراق؛ حيث يصر الصدر، الذي شن حرب عصابات على القوات الأميركية والمسلمين السنة، وكذلك أعضاء التيار، على انسحاب جميع القوات الأميركية من العراق، ويرفضون التحدث مع أي مسؤول أميركي. وقال أحد الدبلوماسيين الأميركيين الذي رفض الكشف عن هويته التزاما بالقواعد الدبلوماسية الأساسية: «نعلم أنه سيكون هناك وزراء من الصدريين. نريد أن يفلح الأمر، لكننا سنلتزم بمبادئنا وربما لا يريدون أن يعملوا معنا».

وإضافة إلى السعي إلى الفوز بمنصب محافظ ميسان، يسعى الصدريون إلى السيطرة على الوزارات الخدمية ووظيفة أحد نواب المالكي. ويقول ناصر الربيعي، أحد السياسيين البارزين من أتباع التيار الصدري أثناء خروجه من البرلمان ظهيرة أحد الأيام: «سنحصل على كل شيء».

لقد أجبر وضع ونفوذ الصدريين المسؤولين الأميركيين والخصوم العراقيين السابقين، الذين يجدون أنفسهم حاليا في شراكة مضطربة معهم داخل الحكومة، على تغيير نبرتهم. فبعد الانخراط في العملية السياسية، حصد مرشحو التيار الصدري 40 مقعدا خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وأبلت المرشحات على قائمة التيار الصدري اللاتي كن متشحات بالسواد من أعلى الرأس إلى أخمص القدم بارتدائهن العباءات السوداء أثناء القيام بحملاتهن السياسية بلاء حسنا في الانتخابات مقارنة بالمرشحين العلمانيين.

وقد أثارت عودة التيار الصدري في مدينة العمارة ردود فعل متباينة ومقاومة من المحافظ الحالي محمد السوداني الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع الأميركيين. ويقول بعض أهل المدينة إنهم يرحبون بعودة التيار الصدري.. وحملوا السوداني، المحافظ المدعوم من المالكي، مسؤولية ارتفاع معدل البطالة المطرد ومستوى الخدمات السيئ، وقالوا إنهم كانوا على استعداد لمنح الصدريين فرصة أخرى لتولي السلطة. وتحدث البعض عن الولاء لعائلة الصدر التي كان بعض أفرادها رجال دين شيعة بارزين وقتلوا خلال مقاومتهم نظام صدام حسين. وقال عبد الوحيد بداي، 78 عاما، الذي تزدان غرفة معيشته بصورة لوالد الصدر المقتول: «لقد كان الصدريون أناسا طيبين وأكْفاء. نحن نحترمهم ونحترم الحركة».

لكن عبد الكريم محمدي، أحد القادة المحليين والمقاتل السابق في حرب العصابات إبان حكم صدام حسين، أشار إلى مخاوف الذين يقلقون من عواقب إعادة التيار الصدري للسلطة. وقال محمدي، المعروف في المدينة باسم «أمير الأهوار»، إنه رأى بالفعل أفرادا من الجماعات المسلحة التابعة للتيار الصدري، كانوا قد سجنوا من قبل، في شوارع مدينة العمارة. ويقال إن من بينهم من أطلق سراحه في إطار صفقة مع المالكي. لكنه خشي من احتمال انحسار الاستقرار النسبي الذي تحقق خلال العامين الماضيين، وقال: «نحن منزعجون من أمر هذه الصفقة. هذه هي اللحظة التي تسبق العاصفة».

* خدمة: «نيويورك تايمز»