متجر لبيع الـ«آيس كريم» الإيراني «يتحدى» واشنطن على بعد بضع ياردات من أكثر سفاراتها حماية

بينما تشهد بغداد تراجع شعبية العلامات التجارية الأميركية

TT

في قلب المنطقة الخضراء ببغداد، وعلى بعد بضعة ياردات من الحصن القوي لأكبر سفارة أميركية في العالم، يمثل متجر «آيس كريم» إيراني نوعا من التحدي الرمزي للنفوذ الأميركي الذي يتراجع سريعا في العراق.

سيتم افتتاح متجر «آيس باك» - وهو علامة تجارية جديدة تعلن عن نيتها في تحدي هيمنة الوجبات الأميركية السريعة - في المنطقة الخضراء في يناير (كانون الثاني) المقبل، على حد قول علي حازم حيدري، المدير العراقي للمتجر. ولا يزال مبنى المتجر قيد الإنشاء، ولكن حال اكتماله، سوف يقدم لعملائه «آيس كريم» بـ34 نكهة مختلفة، بالإضافة إلى إطلالة مباشرة على مشهد ذهاب وإياب مواكب السيارات المدرعة التي تنقل مسؤولين أميركيين عبر الجدران المقاومة للانفجارات التي تحمي مبنى السفارة القريب.

يقع بجوار هذا المتجر مطعم «فريدوم» (الحرية)، الذي يخبو بريقه سريعا. وكان قد سمي كذلك تكريما للغزو الأميركي للعراق وكان جمهوره المستهدف هم الجنود الأميركيون وأفراد الشركات الأمنية الخاصة. ويندر الآن وجود زبائن أميركيين فيه وكلهم أصبحوا من موظفي الحكومة العراقية الذين يذهبون إليه لتناول الدجاج والكباب على مفارش بلاستيكية تحت أضواء النيون المرتعشة.

هذا الوضع يذكر بالتغيير الحاصل في ميزان القوى في العراق، بينما يقلص الجيش الأميركي من وجوده استعدادا للرحيل والعودة إلى الوطن. حتى المنطقة الخضراء التي كانت تضم فرعا لسلسلة مطاعم «أميركانا» وسط الفوضى السائدة في العراق لم تعد منطقة للنفوذ الأميركي، فقد سلمت الولايات المتحدة المسؤولية الأمنية إلى قوات الأمن العراقية في يونيو (حزيران) الماضي، وذلك إضافة إلى مسؤولية إصدار بطاقات التعريف التي تعد موضع حسد الكثيرين، لكونها تسمح بالدخول إلى المنطقة المحاطة بالأسوار فيما يعني التخلي عن صلاحية السيطرة على العابرين.

إيران، لا أميركا، لعبت دور الوسيط في الصفقة التي مكنت رئيس الوزراء نوري المالكي من الاحتفاظ بمنصبه، وذلك خلال فترة جمود طويلة شهدتها عملية تشكيل الحكومة، فقد عمدت إيران إلى الضغط على مقتدى الصدر، رجل الدين المناهض للولايات المتحدة، لقبول المالكي لولاية ثانية مما جعل الطرفين يشعران بالتزام حيال دولة الجوار القوية.

وتتمتع إيران، من خلال الجوار فقط، بنفوذ في العراق لا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل فيه، حيث يزور مئات الآلاف من الإيرانيين المراقد الشيعية كل عام وتتدفق البضائع الإيرانية دون قيود عبر الحدود. ويدرك السياسيون العراقيون جيدا أن عليهم الاستمرار في التعامل لفترة طويلة مع إيران، التي خاض العراق معها حربا استمرت ثمانية أعوام في الثمانينات، بعد انسحاب القوات الأميركية.

موطئ قدم في العراق

* في هذه الأثناء، وبينما يتوسع متجر «آيس باك» في أنحاء العراق، لا توجد أي نية لافتتاح فروع لـ«ماكدونالدز» أو «ستارباكس» أو «برغر كينغ» أو أي فرع لسلسلة المتاجر الأميركية المنتشرة في الدول الأخرى، ببغداد.

وقال حيدري البالغ من العمر 22 عاما، وشريكه هادي ليث، البالغ من العمر 23 عاما، صاحب فرع «آيس باك» في العراق، إنهما كانا يفضلان شريكا أميركيا. قال حيدري وأمامه أكواب ورقية كبيرة ممتلئة بـ«آيس كريم» الشوكولاته والفاكهة والكريمة المخفوقة، في أول فرع ببغداد في حي الكراده المزدحم: «لقد أردنا افتتاح فرع لـ(ماكدونالدز) هنا، لكننا خشينا أن يتعرض للتفجير». وأضاف: «يريد الكثير من العراقيين تذوق منتجات جديدة ويتحمس مسؤولو (ماكدونالدز) لفتح فروع هنا لإدراكهم أنهم سيحققون أرباحا كبيرة من وراء هذا. لكن العراقيين خائفون للغاية». وقال ليث، الذي اشترى حق وكالة «آيس باك» عام 2008 مقابل 800 ألف دولار بعد مفاوضات استغرقت أسابيع مع ممثلي «ماكدونالدز» في الأردن: «وسائل المواصلات متوافرة، ومن السهل التعامل مع العملاء. لقد كان لمسؤولي (ماكدونالدز) طلبات محددة وأرادوا الحصول على 4 ملايين دولار».

لا يعد الدفع بمتجر «آيس باك» إلى المنطقة الخضراء تحديا بقدر ما هو تعبير عن الازدراء، إذ يمثل الـ«آيس كريم» الإيراني الصنع للمسؤولين الأميركيين تهديدا أدنى من تهديد الصواريخ الإيرانية الصنع التي تطلقها الجماعات المسلحة التي تلقت تدريبا وتمويلا إيرانيا على السفارة والمنطقة المحيطة بها بين الحين والآخر.

ويقول حيدري إنه لم يتعمد اختيار موقع المتجر بالقرب من السفارة الأميركية، ويبدو متوترا وقلقا إلى حد ما من قرب المتجر من مرمى الصواريخ التي تستهدف الأميركيين. ويأمل حيدر في أن يجتذب متجره الأسر العراقية التي تعيش في المنطقة ولا يتوقع أن يرتاده الدبلوماسيون الأميركيون. ويضيف حيدري: «أعتقد أن لديهم قواعد صارمة ولا يسمح لهم بمغادرة السفارة. سيكونون موضع ترحيب إن جاءوا».

لكن هناك شيئا من الوقاحة في افتتاح فرع لسلسلة متاجر في المنطقة الخضراء يعلن على موقعه الإلكتروني أن هدفه «تمجيد اسم إيران وتعزيز الهوية الإيرانية». ويضيف الموقع الإلكتروني بالإنجليزية، مشيرا إلى «ماكدونالدز» و«ستارباكس» و«برغر كينغ» بالمنافسين ومصدر الإلهام: «بالنظر إلى حقيقة أن دولا مثل الولايات المتحدة قادرة على فرض صادراتها على دول أخرى من خلال نظام سلاسل المتاجر والعلامات التجارية، لم تستخدم إيران هذه الطريقة. وقد تمكنت سلسلة متاجر (آيس باك) من جعل إيران منافسا لأكبر سلاسل المتاجر العالمية».

وتحبذ الشركة افتتاح فروع لها في بلدان بعيدة مثل ماليزيا والكويت وتركيا وفنزويلا، وكذلك في إيران. وقد كتب على لافتة معلقة في المتجر بالمنطقة الخضراء أن هذا الفرع سيكون الحادي والعشرين على مستوى العالم، والثالث في بغداد. ومن المخطط افتتاح فروع في مدينتي النجف والبصرة جنوب العراق.

تدخل دائم

* ما زالت إمكانية أن يحقق «آيس باك» نجاحا في العراق أمرا غير مؤكد، فرغم تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أزكى الدعم الإيراني للجماعات الشيعية المسلحة والمسؤولة عن الكثير من أعمال العنف خلال السنوات القليلة الماضية، فضلا عن تدخلها السافر في السياسة العراقية، مشاعر العداء بين الكثير من العراقيين العاديين.

وتتدفق المنتجات الإيرانية الرخيصة، بدءا من السيارات وصولا إلى الدجاج، إلى السوق العراقية مما يؤدي إلى تدمير الاقتصاد المحلي ويزيد من عمق خصومة طويلة عمرها ألف عام بين العراقيين العرب والإيرانيين الفرس.

قال جوست هلترمان من منظمة «إنترناشيونال كريزيس غروب»: «النفوذ الإيراني يحد من ذاته. لن يكف الإيرانيون عن التدخل، لكن العراقيين لا يثقون في إيران ولا يحبونها».

يقول حيدري إنه خفف من إظهار الأصول الإيرانية للعلامة التجارية لمتجره خشية أن ينفر ذلك الزبائن، مضيفا: «لقد تراجعت شعبية إيران».

قال الناس في الشوارع المحيطة بأول فرع لسلسلة «آيس باك» في بغداد إنهم لا يعلمون أن المتجر إيراني ولا يعنيهم هذا الأمر. وقال حيدر صالح محمد، بائع أدوات رياضية بالقرب من المتجر، ويبلغ من العمر 23 عاما، بلا مبالاة: «البعض يفضلون إيران، بينما يفضل البعض الآخر أميركا، لكنني لا أحب أيا منهما!».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»