أميركا تبحث التدخل البري في الشريط القبلي بباكستان

مع اقتراب الموعد النهائي لسحب القوات الأميركية من أفغانستان

الجنرال كتهول محمد ضياء، أول مظلية جوية في الجيش الوطني الأفغاني تؤدي تحية السلام الوطني في حفل نظمته جمعية المرأة في كابل (أ.ب)
TT

يسعى كبار القادة العسكريين الأميركيين في أفغانستان إلى توسعة حملة العمليات الخاصة البرية داخل المناطق القبلية الحدودية الباكستانية، في استراتيجية خطرة تعكس حالة الإحباط المتنامي إزاء فشل الجهود الباكستانية في اجتثاث المقاتلين من المنطقة.

وسيعمل المقترح الجديد، الذي وضعه مسؤولون أميركيون في واشنطن وأفغانستان، على تصعيد الأنشطة العسكرية داخل باكستان، حيث حظرت العمليات البرية العسكرية إلى حد بعيد خشية إثارة الانتقادات.

لم تتم المصادقة على الخطة بعد، لكن المسؤولين العسكريين والسياسيين تحدثوا عن الأهمية القصوى للقيام بهذه الخطوة، نظرا لاقتراب الموعد النهائي الذي حدده الرئيس أوباما لسحب القوات الأميركية من أفغانستان. وعلى الرغم من هذه المخاطر يؤكد القادة العسكريون على أن استخدام قوات العمليات الخاصة الأميركية يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة من الاستخبارات، إذا تم القبض على المسلحين وأعيدوا عبر الحدود إلى أفغانستان لاستجوابهم.

وكما هو معلوم فإن القوات الأميركية لم تقم سوى بعدد محدود من الغارات داخل الحدود الباكستانية الأمر الذي أثار غضب المسؤولين الباكستانيين، بيد أن القادة الأميركيين أصبحوا على ثقة الآن من حدوث تحول في السياسة الباكستانية، يسمح بالقيام بمزيد من الغارات بصورة دورية.

كان الجزء الأكبر من حرب أميركا السرية على الإرهاب في باكستان ينفذ عبر طائرات دون طيار تقوم بالإشراف عليها وكالة الاستخبارات المركزية، ناهيك عن قيام عناصر أفغانية، مدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، خلال السنوات الأخيرة، بعدد من المهمات السرية في المناطق القبلية الباكستانية. وعرفت هذه العمليات التي يقوم بها عملاء أفغان، بفرق تعقب ومكافحة الإرهاب، والتي قيل سابقا إنها كانت شُكلت فقط لجمع المعلومات. بيد أن المقابلات التي أجريت خلال الأسابيع القليلة القادمة أفادت بأن واحدة على الأقل من هذه العمليات شهدت عنفا ودمر خلالها مخبأ للأسلحة تابع للمتمردين.

سيعني قرار توسيع النشاط العسكري الأميركي في باكستان، والذي ينبغي أن يقره الرئيس أوباما ذاته، فتح جبهة قتال جديدة في هذه الحرب التي امتدت على مدى تسع سنوات، والتي باتت تحظى بكراهية متزايدة من قبل الأميركيين. ومن المتوقع أن تؤدي الخطة الجديدة إلى إثارة غضب الحكومة الباكستانية الحليف المضطرب في الحرب في أفغانستان خاصة إذا ما أدت إلى خسائر في صفوف المدنيين أو مواجهات مدنية كبيرة.

غير أن أحد القادة العسكريين الأميركيين قال: «لم تكن علاقتنا وثيقة الصلة مع باكستان كما هو الحال الآن».

لا تزال العمليات العسكرية في باكستان محل جدال واسع واشنطن وربما يدور نقاش حول المقترح، فأشار أحد مسؤولي الإدارة إلى أنه لا يؤيد القيام بعمليات عبر الحدود - التي قال إنها كانت غير مثمرة إلى حد بعيد - ما لم تكن موجهة ضد كبار قادة «القاعدة». وعبر عن مخاوفه من أن يؤدي الجدل السياسي في باكستان بشأن الهجمات إلى التخلي عن أي مكاسب تكتيكية.

رغم ذلك لا توجد أدلة على احتمالية قيام الجيش الباكستاني بعملية عسكرية رئيسية في معقل المقاتلين في شمال وزيرستان، حيث يعتقد تحصن كبار قادة «القاعدة» بها، وهو ما دفع قادة القوات الأميركية إلى تجديد مطلبهم للموافقة على إرسال فرق كوماندوز أميركية إلى باكستان.

ومع الإعلان عن نتائج مراجعة استراتيجية أفغانستان، قال مسؤولو إدارة أوباما إنهم يفكرون في توسيع العمليات العسكرية الأميركية لمواجهة التهديدات داخل باكستان، لكنهم لم يقدموا أي تفاصيل بشأن ذلك.

وقال مسؤولون أميركيون في كل من واشنطن وكابل في مقابلات أجريت معهم إن الضباط وضعوا خططا لبدء عمليات برية لأسر أو قتل قادة من طالبان وشبكة حقاني. ويشير الضباط الأميركيون إلى أنهم تواقون بشكل خاص إلى أسر، لا قتل، قادة المقاتلين الذين يقولون بإمكانية استخلاص معلومات استخباراتية مهمة منهم لتوجيه العمليات المستقبلية.

وعلى الرغم من عدم الانتهاء من أي خطط لزيادة الغارات على الجانب الآخر من الحدود الباكستانية، زادت إدارة أوباما بالفعل من الهجمات الجوية على المناطق القبلية بصورة غير مسبوقة للطائرات دون طيار التي توجهها وكالة الاستخبارات المركزية هذا العام. فمنذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي نفذت وكالة الاستخبارات أكثر من 50 هجمة بطائرات دون طيار في شمال وزيرستان ومناطق قبلية أخرى، مقارنة بـ60 هجمة خلال الأشهر الثمانية السابقة.

وخلال المقابلات التي أجريت معهم قدم الضباط وصفا أكثر تفصيلا لعمليتين نفذهما عملاء أفغان بإشراف من وكالة الاستخبارات المركزية عام 2008 ضمن ميليشيا تعرف بقوة دفاع بكتيكا في الأراضي الباكستانية. وقدموا روايات أكثر تفصيلا حول نشاطات هذه المجموعات المسلحة في باكستان.

وأكد زعيم سياسي أفغاني أن إحدى تلك الغارات كانت بهدف اعتقال زعيم طالباني يعمل داخل باكستان. وعندما وصلت القوات الأفغانية إلى المعسكر لم تجد القائد الطالباني، لكن المسلحين الباكستانيين فتحوا النار عليهم.

من جانبه شكك مسؤول أميركي في الرواية مشيرا إلى أن المقاتلين العاملين مع وكالة الاستخبارات المركزية لم يرسلوا إلى الحدود الباكستانية لأسر قائد طالباني بل لجمع معلومات.

وقامت ميليشيا باكتيكا في الغارة الثانية بمهاجمة وتدمير مخبأ للذخيرة تابع لحركة طالبان ثم عادوا إلى القاعدة. وقد دعمت كل من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هذه الغارات على معقلي طالبان والواقعين على بعد أميال قليلة من داخل الأراضي الباكستانية.

هذا، وتعد قوة دفاع باكتيكا واحدة من بين ست مجموعات تشرف على تدريبها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والتي تعمل كوحدة عمليات خاصة ضد المتمردين في أفغانستان. وتعمل الميليشيات الأخرى في مدن قندهار وكابل وجلال آباد إلى جانب الأقاليم الريفية مثل خوست وكونار.

وأكد أحد أفراد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان، طلب عدم ذكر اسمه، أن الميليشيات الأفغانية المدعومة من الاستخبارات الأميركية تم نشرها مؤخرا في المناطق الجبلية على الحدود الباكستانية حيث ستقضي الشتاء في محاولة لاعتراض مقاتلي طالبان، لكنه أشار إلى أن أيا من الميليشيات التي دربتها القوات الأميركية لم يحرز تقدما يذكر.

يذكر أن القوات الأميركية لم تحقق سوى نجاح محدود في علمياتها عبر الحدود في الماضي، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قتلت مروحية عسكرية مصادفة مجموعة من الجنود الباكستانيين الذين كانوا في مهمة عبر الحدود لتعقب مقاتلين من طالبان. وقد أثار الحادث غضب الحكومة الباكستانية، مما دفعها إلى إغلاق مسارات الإمداد الخاصة بالقوات الأميركية إلى باكستان، مما شجع المتمردين على تدمير شاحنات الوقود الرابضة على الحدود، ودفع المسؤولين الأميركيين إلى الاعتذار بصورة علنية.

قبل ذلك بعامين قامت القوات الخاصة الأميركية بتنفيذ غارة على المناطق القبلية الباكستانية وقتلت العديد من المشتبه في كونهم متمردين، وهو ما أدى إلى غضب عارم في أوساط القيادة الباكستانية وتحذيرات من تكرار مثل هذا الفعل.

*خدمة «نيويورك تايمز»