وزير الخارجية المالكي لـ«الشرق الأوسط»: متفائل بأن أوروبا ستعترف بدولة فلسطين الصيف المقبل

حرب فلسطينية ـ إسرائيلية من نوع آخر مسرحها العالم.. بريطانيا قد تحذو حذو النرويج

رياض المالكي (إ.ب.أ)
TT

حرب من نوع آخر مسرحها العالم أجمع تجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حرب دبلوماسية تشتد معاركها في الوقت الحاضر وعلى وجه الخصوص على جبهة دول أميركا اللاتينية التي بدأت الواحدة تلو الأخرى تعلن الاعتراف بدولة فلسطين، كما تشتد وإن كان على مستوى أخف، على جبهة دول الاتحاد الأوروبي التي رفع بعضها مستوى التمثيل الفلسطيني إلى بعثة دبلوماسية تتمتع بالحصانة كما السفارات. وهي خطوة يعتقد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي كما قال لـ«الشرق الأوسط»، على طريق الاعتراف الكامل بدولة فلسطين مع حلول أغسطس (آب) 2011 وهو الموعد الذي حددته الحكومة الفلسطينية للجاهزية للإعلان عن الدولة.

وحقق الجانب الفلسطيني نجاحات على صعيد أميركا اللاتينية بعد اعتراف البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وتوقع انضمام الأكوادور والأوروغواي والباراغواي مطلع العام. كما حقق نجاحات على الصعيد الأوروبي في فرنسا وإسبانيا والبرتغال وأخيرا النرويج، برفع مستوى التمثيل.

في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، يدفعها الخوف من تحقيق المزيد من النجاحات الفلسطينية لا سيما على الصعيد الأوروبي، تعليماتها لسفرائها للتحرك للحد من التقدم الفلسطيني، بالتركيز على أن هذه الاعترافات والخطوات الأخرى لن تساعد عملية السلام المتوقف جراء استمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويعزو المالكي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» هذا النجاح إلى «جهد جماعي وعمل تراكمي شارك فيه الجميع بدءا بالرئاسة مرورا بالحكومة وحتى وزارة الخارجية وسفارتنا المعنية، وهو ليس وليد اليوم بل هو جهد متواصل قائم منذ فترة». وقال المالكي «نجحنا حتى الآن بإقناع فرنسا وإسبانيا والبرتغال من دول الاتحاد الأوروبي، وفي الأسبوع الماضي جاء دور النرويج التي تعرضت لهجوم عنيف من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية».

وأضاف «على فكرة، فإننا ومنذ فترة نتابع موضوع رفع مستوى التمثيل الفلسطيني مع دول الاتحاد الأوروبي التي لا نقيم معها علاقات على مستوى سفارة. وأنت تعلم أن دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لنا علاقات قديمة وعلى مستوى السفارات عندما كانت ضمن المنظومة الأوروبية، وهذه السفارات لا تزال قائمة ولم يتغير شيء بالنسبة لها. وبالتالي ليس لدينا مشكلة معها، وأشير هنا إلى بولندا ورومانيا والمجر وبلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا. أما خارج الاتحاد فهناك صربيا والبوسنة وغيرها التي نتمثل فيها على مستوى السفارات. إذا ليس لدينا مشكلة مع هذه الدول، إنما نحن نتحدث عن دول الاتحاد الأوروبي التي لم تعترف بنا بعد. ولقد بحثنا هذه القضية مع وزراء خارجية هذه الدول الذين وعدوا بدراسة هذه المسألة، رغم تحججهم بالسابق بوجود موانع قانونية تحول دون ذلك. وكنا نوضح لهم أن الوضع الفلسطيني غير مرتبط بتفسير قانوني وإنما بتفسيرات سياسية، وبالتالي نجحنا في أن تكون فرنسا وإسبانيا والبرتغال، قدوة في رفع مستوى التمثيل. ونأمل بأن تلحق بها دول أخرى، ونتوقع من السويد أن تحذو قريبا حذو جارتها النرويج، وقد وعدتنا بذلك. وتنتظر قبرص أيضا إعلان رفع مستوى التمثيل خلال زيارتي في 28 يناير (كانون الثاني) المقبل».

ويؤكد المالكي «نحن نتواصل أيضا مع فنلندا وبلجيكا وآيرلندا والنمسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي التي لم تقدم بعد على مثل هذه الخطوة ونتوقع منها أن ترفع التمثيل في غضون الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة».

وقال «كان متوقعا أن نعقد مع إيطاليا اجتماعا مشتركا لمجلسي الوزراء في 14 ديسمبر (كانون الأول) أسوة بالاجتماع الذي عقد مع مجلس الوزراء الألماني، لكن المساءلة البرلمانية التي كان من المقرر أن يخضع لها رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، أجلت الموضوع لموعد في غضون شهرين، وأتوقع أن تعلن إيطاليا قرار رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في هذا الاجتماع». ويعتقد المالكي أن دول الاتحاد الأوروبي «تبحث المسألة في ما بينها، وقد اتصلت بالدول التي رفعت مستوى تمثيل بعثاتنا، عن الخطوات المطلوبة والإجراءات التي تمت. ونحن متفائلون بأن هذه الدول ستلحق بفرنسا وإسبانيا والبرتغال والنرويج». وبالنسبة لبريطانيا، فقال المالكي إنه أثار «القضية مع وزير خارجيتها ويليام هيغ خلال زيارته للأراضي الفلسطينية قبل بضعة أسابيع، وهو من جانبه وعد بدراسة الموضع.. وأعربت له بوضوح عن استغرابنا، من عدم إقدام بريطانيا على هذه الخطوة، وهي الدولة التي كانت رائدة في موضوع التمثيل الفلسطيني فوق أراضيها، لتصبح آخر الدول التي ترفع مستواه. وقلنا له إن على بريطانيا أن تتحرك سريعا بسبب الدور الذي تمثله في المنطقة. ووعد هيغ من جانبه بدراسة الموضع»، مشيرا إلى وجود بعض الإشكالات القانونية، ونعمل من أجل التغلب عليها. وفي هذا السياق أكدت وزارة الخارجية البريطانية أنها تدرس اقتراحا لرفع مستوى التمثيل الفلسطيني إلى بعثة دبلوماسية حسبما ذكرت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية المحافظة في عددها أمس. وهذا من شأنه أن يفتح الطريق أمام خطوات مماثلة تتخذها دول أوروبية، كما من شأنه أن يزيد من مخاوف إسرائيل من أن بريطانيا تتقدم خطوة جديدة للاعتراف بدولة فلسطينية، كما قالت الصحيفة.

وقال المالكي «كنت في إسبانيا في مطلع الأسبوع حيث التقيت بوزيرة خارجيتها الجديدة ترينيداد خيمينيز، وبحثت معها كيف يمكن أن تساعد إسبانيا في تسريع هذه الخطوات مع بعض الدول وأن تقدم إسبانيا على الاعتراف بدولة فلسطين.. وتوقعت (الوزيرة) أن يتم هذا الاعتراف من بقية دول الاتحاد الأوروبي في غضون العام المقبل، أي عندما تنتهي الحكومة الفلسطينية من جاهزيتها للدولة (كما وعد رئيس الوزراء سلام فياض في 11 أغسطس في إطار خطة العامين التي أعلنها في أغسطس 2009). في نفس الوقت سيقوم الرئيس أبو مازن بزيارة للبرازيل مطلع العام المقبل لحضور حفل تنصيب الرئيسية الجديدة ديلما روسيف، وكذلك من أجل تقديم الشكر للبرازيل على خطوتها المتقدمة للاعتراف بدولة فلسطين. وفي هذه المناسبة سيتواجد جميع رؤساء أميركا الجنوبية والوسطى».

يذكر أن حكومة البرازيل تبرعت بقطعة أرض لبناء سفارة فلسطين عليها. وتسلم السفير الفلسطيني إبراهيم الزبن يوم الاثنين الماضي أوراق ملكية الأرض، التي تبلغ قيمتها 14 مليون دولار وتبلغ مساحة الأرض 16 دونما، يضاف إليها 6 دونمات أخرى كمنطقة خضراء، وتقع في مكان مميز في العاصمة البرازيلية وفي منطقة السفارات الشمالية.

وستكون زيارة البرازيل، حسب المالكي، فرصة لحث رؤساء آخرين مثل الأكوادوري والأورغوياني والباراغوياني للاعتراف بدولة فلسطين. ويشار هنا كما يقول المالكي إلى «أن الأوروغواي وعدت بالاعتراف في بداية العام الجديد. وفي الباراغواي يعمل سفيرنا غير المقيم هناك مع وزير الخارجية من أجل وضع اللمسات الأخيرة لإعلان الاعتراف». وردا على سؤال حول السبب وراء هذا الاهتمام في أميركا الوسطى أكثر من غيرها، قال المالكي «كان هناك اهتمام كبير بهذه القارة خلال السنوات الماضية، إضافة إلى أن هذه القارة تعتمد في سياساتها الخارجية وفق تفسيراتها للقانون الدولي واحترامها له. وهذا يسهل إمكانية الحصول على اعترافات منها. وفي هذه المناسبة وقعنا نحن في العام الماضي اتفاقين للاعتراف بدولة فلسطين مع كوستاريكا وجمهورية الدومنيكان، وإقامة العلاقات على مستوى السفراء. وهذا جعلنا نتفاءل خيرا وبناء على ذلك قررنا أن نكثف حملتنا لدى بقية الدول في أميركا الجنوبية، كي يكون لها صدى إيجابي على دول أخرى. وفي اعتقادنا أن هذا مؤشر نجاح وهو بالفعل مؤشر نجاح، لأنه كان له أصداء قوية في القارات الأخرى خصوصا في أوروبا الغربية. لهذا السبب فنحن نرى ردود فعل وزارة الخارجية الإسرائيلية وتحركاتها من أجل لجم هذه النجاحات التي عجزوا عن إيقافها لأنها فعلا انطلقت وستستمر». وأكد المالكي أن مصير الحملة التي أطلقتها الخارجية الإسرائيلية في العالم، وخاصة لدى دول الاتحاد الأوروبي، للحيلولة دون مزيد من الخطوات، سيكون الفشل لأنها جاءت متأخرة، على حد قوله. وأضاف «نحن تحركنا منذ فترة وفق خطة منهجية لذلك ترى الآن أننا نقطف ثمار هذه الخطة وجهد السنوات الأخيرة. وبالتالي لن يكون بإمكان أي تحرك إسرائيلي في هذه اللحظة، وقف هذا المد خاصة أنه تولدت قناعة لدى كل هذه الدول بأن الاعتراف بدول فلسطين ضرورة من أجل تفعيل عملية السلام وكذلك تشكلت قناعة بأنه لا يمكن ترك مهمة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين حكرا على إسرائيل وهي دولة الاحتلال التي تريد استدامة الاحتلال. وهذه قناعة تولدت لدى الكثير من قادة دول العالم، ولهذا السبب رأينا دول العالم تحمل إسرائيل مسؤولية فشل عملية التفاوض، وتسارع للاعتراف بدولة فلسطين لما لهذا الاعتراف من تأثير إيجابي لتفعيل عملية السلام». وأعرب المالكي عن تفاؤله إزاء إمكانية أن تعترف دول الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين في الموعد المحدد وفق خطة الحكومة لجاهزية الدولة في أغسطس المقبل. وقال «أستطيع أن أدعي أنه عندما نصل إلى هذا التاريخ الذي لا بد أن يكون واضحا ومحددا، ستكون دول العالم جاهزة لاتخاذ الخطوة التاريخية للاعتراف الكامل. وأنا شخصيا متفائل مما سمعته من وزراء خارجية أوروبا الذي التقيتهم في الأسابيع الأخيرة.