محكمة أربيل تصدر حكما بالسجن على الكاتب والشاعر فرهاد بيربال

لنشره ترجمة كردية لكتاب «نزهة الألباب»

فرهاد بيربال («الشرق الاوسط»)
TT

تسببت ترجمة كردية لأحد الكتب الشهيرة والمتداولة في العالم الإسلامي في حبس أحد الكتاب والشعراء المعروفين في كردستان لمدة ستة أشهر، وتغريم جهة النشر مبلغا قدره خمسة ملايين دينار عراقي.

ففي حادثة فريدة من نوعها أثارت استغراب الكثير من الأوساط الثقافية تذكر بالحملة التي شنت في السنوات الأخيرة على كتاب «ألف ليلة وليلة» التراثي العربي، قضت محكمة جنح أربيل بالحبس لمدة ستة أشهر بحق الكاتب والشاعر والأستاذ الجامعي فرهاد بيربال لنشره ترجمة كردية لكتاب «نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب» لمؤلفه التونسي شهاب الدين أحمد التيفاشي (1184 - 1253) بمجلة «ويران» الكردية التي تصدر في إقليم كردستان، وفرضت المحكمة أيضا غرامة مالية قدرها خمسة ملايين دينار عراقي، بما يعادل أربعة آلاف دولار أميركي ضد المجلة المذكورة.

وفي اتصال مع الكاتب والجامعي بيربال أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الحكم صدر بحقه جراء نشره قصة قصيرة عبارة عن ترجمة كردية لكتاب «نزهة الألباب» للتيفاشي، وهو كتاب معروف ومتداول في جميع أنحاء الدول العربية ويعتبر من نفائس التراث الأدبي الإيروتيكي العربي. والغريب أن هذا الكتاب تم طبعه في أكثر من سبعين دولة إسلامية وعربية، ووصلت طبعاته إلى حدود سبعين طبعة متداولة، وتاريخ تأليفه يعود إلى أكثر من 800 سنة، ولكن للأسف هناك من يعتبر التطرق إلى هذا الكتاب النفيس بمثابة جريمة، «وهم الأشخاص نفسهم الذين جرّموني في السابق لنشري بعض اللوحات الأرشيفية التي اعتبروها صورا خليعة، وهذا يعني أنهم لا يفرقون بين الفن الراقي والصور الوضيعة، كما لم يفرقوا بين كتاب تراثي وتاريخي أدبي وإشاعة الغرائز الجنسية».

وأشار بيربال إلى «أنه بموجب هذا الحكم فإن النشاطات الثقافية والأدبية ستمنع عنه، ولا يستطيع بعد الآن، ولمدة ثلاث سنوات، المشاركة في أي ندوة أو تجمع أدبي أو ثقافي أو المشاركة في تظاهرة شعبية وما إلى ذلك من النشاطات الأخرى، بل إنني لا أستطيع بعد الآن أن أكتب حتى مقالاتي خوفا من أن يتصيد البعض كلماتها ويفسرها على هواه ليلصق بي جريمة أخرى، وهذا القيد المجحف يتناقض مع شخصيتي المتحررة التي أعبر عنها دائما في كتاباتي، فهذا الحكم قيدني وشل حركتي تماما». وقال «إن المدعي عليّ كان هو المدعي العام نفسه، وهنا مكمن الخطورة على حرية التعبير والرأي ولحرية النشر، وهذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لدعوى قضائية من المدعي العام الذي سبق أن أقام دعوى مماثلة ضدي قبل سنتين بتهمة نشري صورا خليعة ضمن كتابي عن السلطنة العثمانية، وهي صور للوحات فنية أخرجتها من أرشيف بعض الدول».

وبسؤال القاضي عبد الباسط فرهادي، المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية في كردستان، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس هناك أي حكم قانوني يفرض الإقامة الجبرية أو يمنع أي إنسان من مزاولة نشاطه الأدبي أو الثقافي، كما يدعي السيد بيربال، فالقانون ينص على أن الأحكام التي تقل عن سنة واحدة في قضايا الجنح يعود إلى القاضي تقدير تنفيذها، وخول القانون لقاضي المحكمة إصدار الحكم مع وقف التنفيذ، خصوصا في الحالات التي يحاكم فيها شخص له مكانة داخل المجتمع، أو من يرتكب الجنحة لأول مرة، ولكن القانون يحكم أيضا أنه في حال معاودة ذلك الشخص لأي جريمة أو جنحة أخرى خلال السنوات الثلاث التي تعقب صدور الحكم، فإن الحكم السابق سينفذ في المحكوم، وليس هناك أي قيد قانوني يفرض على المحكوم أن يلازم بيته أو يمنعه من مزاولة نشاطاته الطبيعية والمهنية وغيرها، ولكن في حال ارتكابه جريمة أو جنحة خلال تلك السنوات الثلاث فتعود السلطة إلى الحكم السابق لتنفيذه، وإذا لم يتركب مخالفة أو جنحة أو جريمة خلال تلك السنوات فإن آثار العقوبة سترفع عن المحكوم.

يذكر أن الشاعر والأستاذ الجامعي فرهاد بيربال يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب في كردستان، وتثير كتاباته ومقالاته ردود فعل ومشكلات كثيرة له، حيث إنه اعتاد على تخطي التابوات في تلك الكتابات، مما حرض عليه الكثير من خطباء المساجد والأحزاب الإسلامية في كردستان، وتعرض بسبب ذلك إلى الكثير من القضايا في المحاكم، وسجالات على صفحات الصحف والمطبوعات المحلية، إضافة إلى حملات متعددة من أئمة وخطباء مساجد كردستان.