أسلوب المالكي في الحكم يثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في العراق

منتقدوه يتهمونه بـ«ميول استبدادية»

TT

عندما ظهرت سلسلة من الصور العملاقة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بشكل غامض في ساحة بوسط العاصمة العراقية بغداد منذ عدة أسابيع، كان رد الفعل من مكتب المالكي سريعا وحاسما. فقد تم إرسال قوات الشرطة إلى المكان لإزالة الصور التي أعادت إلى الأذهان أيام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

ولو كانت لدى رئيس الوزراء العراقي ميول استبدادية بالفعل، كما يزعم منتقدوه، لكان ترك هذه الصور وحذا حذو صدام في الترويج لنفسه. ويقول مساعدو المالكي إنه كان غاضبا، وشكوا في أن الصور ربما علقت بهدف تشويه سمعته في لحظة حرجة خلال مرحلة المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة – بهدف دعم التصورات القائلة بأنه ديكتاتور عراقي.

ومسألة ما إذا كان المالكي ديكتاتورا أم لا هي واحدة من المسائل الحرجة التي تحوم حول الديمقراطية العراقية الناشئة والتي لا تزال هشة مع بدء المالكي ولايته الثانية. وقد اتضح امتلاك المالكي لنزعة استبدادية بشكل قوي على مدار السنوات الأربع والنصف الماضية، حسبما يقول النقاد. وأثبت المالكي، الذي تم اختياره أصلا خلال عام 2006 كمرشح وسط يفترض أن يكون ضعيفا ولينا، أنه قائد سياسي قوي وصارم مارس نفوذه بذكاء على البرلمان لكي يعزز سلطته على عدد كبير من مؤسسات الديمقراطية الجديدة الوليدة.

وبصفته قائدا عاما للقوات المسلحة، استبدل المالكي قادة إداريين في الجيش بقادة جدد عينهم بنفسه، وأخضع مراكز القيادة الإقليمية لسيطرته وتحرك للسيطرة على وكالات الاستخبارات. واستخدمت قوات لواء بغداد، التي تتلقى أوامرها مباشرة من مكتب المالكي، بشكل متكرر للتحرك ضد خصومه السياسيين. وقد اتهمته منظمة العفو الدولية ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» بإدارة سجون سرية كان المتهمون السنة يتعرضون للتعذيب فيها. وشهدت الهيئات التي يفترض أن تكون مستقلة، ومن بينها هيئة النزاهة، التي أنشئت للتحقيق في الفساد، وهيئة دعاوى الملكية، التي تسوي المنازعات على الأراضي في عهد صدام، طرد مديرين عينهم البرلمان واستبدلوا بآخرين موالين للمالكي، من دون الحصول على موافقة برلمانية. ولم تتضمن تشكيلة الحكومة الجديدة وزراء الدفاع والخارجية والأمن الوطني. وبدلا من ذلك، أعلن المالكي أنه سوف يتولى هذه المناصب بنفسه بالوكالة. وينظر بعض العراقيين إلى هذه الخطوة على أنها محاولة من المالكي لتشديد سيطرته بشكل إضافي على قوات الأمن. وقال توبي دودغ، الخبير في الشؤون العراقية في كلية «كوين ماري كوليدج» التابعة لجامعة لندن: «لقد شاهدنا المالكي يتحرك بدقة بارعة من أجل فرض سيطرته على الجيش، وبعدها أجهزة الاستخبارات، ومن ثم تأمين قبضة محكمة ومشددة على الآليات المدنية للدولة. وهذه ليست تصرفات قائد ديمقراطي لا مركزي. إنها تصرفات رجل يرغب في تركيز أكبر قدر ممكن من السلطة في يديه». لكن أنصار المالكي دافعوا عن تصرفاته بقولهم إنه شخص محب لوطنه يرغب فقط في تحقيق الاستقرار لبلاده. وقال سامي العسكري، أحد المستشارين المقربين للمالكي: «عندما تقلد المالكي مهام منصبه عام 2006، كان العراق ينزلق نحو الفوضى، وكان السنة والشيعة يذبحون بعضهم البعض في الشوارع وكانت قوات الأمن العراقية تؤدي وظيفتها بالكاد. إنه شخصية قوية، لكنه ليس ديكتاتورا. إنه شجاع ولا يتردد في اتخاذ قرارات صعبة عند الحاجة».

وكان رايان كروكر، السفير الأميركي السابق لدى العراق خلال الفترة من عام 2007 وحتى عام 2009، من بين الأشخاص الذين احترموا المالكي بشكل كبير. ومن واقع منصبه، التقى كروكر مع المالكي عدة مرات أسبوعيا لمراقبة زيادة القوات الأميركية، ثم للدخول في مفاوضات معه حول الصفقة الأمنية التي حددت بنود الانسحاب الأميركي من العراق بنهاية عام 2011. وقال كروكر «كانت رؤية المالكي تتركز في أن رئيس الوزراء يجب أن يفرض قبضته على كل ذرة من السلطة، وإلا فسوف تنطلق قوى الطرد المركزية وسوف يصبح العراق غير متماسك. وسوف يحاول المالكي أن يجمع أكبر قدر ممكن من السلطة. ولكنني أعتقد بأنه على بعد سنوات ضوئية من أن يصبح شخصية استبدادية حقيقية أو حاكما ديكتاتوريا».

وبنظارته ذات الإطار الذهبي وتجهمه الدائم، يبدو المالكي في كثير من الأحيان كمدرس غاضب أكثر منه كديكتاتور. والذين يعرفونه يقولون إنه يثق في عدد قليل من الناس خارج حلقة مستشاريه المقربين، وهي تركة، ربما ورثها من السنوات الكثيرة التي قضاها في معارضة صدام حسين مع حزب الدعوة الذي كان يترأسه. ويبدو مزاجه أسطوريا، لكنه يمتلك أيضا روح الدعابة حسبما ذكر أحد مساعديه السابقين. وقال كروكر «لقد أعجبت بشجاعته ومثابرته. إنه يمتلك قدرة هائلة على العمل؛ وهو شخص يعمل 15 ساعة يوميا لمدة 7 أيام في الأسبوع، ومثابرته مذهلة». احتفاظ المالكي بمنصبه يعد شهادة على مهاراته السياسية الحادة وصلابته المتجددة. وفي قدر كبير من المأزق الذي استمر لمدة 9 أشهر والذي تلا انتخابات مارس (آذار) الماضي، توحد السياسيون العراقيون المتناحرون من الشيعة والسنة فقط في معارضتهم لتولي المالكي لفترة ثانية من الحكم، وهي شهادة على العداوة التي أحدثها خلال سعيه لتعزيز سلطته.

لكن التجربة ربما تكون قد أذلت المالكي عبر تلقينه درسا بأنه لا يمكنه حكم العراق من دون الحصول على دعم من الحلفاء، حسبما ذكر قاسم داود، وهو نائب سابق وكان واحدا من أعنف نقاد المالكي. وقال داود «أتمنى أن يكون المالكي قد تعلم درسا من التأخير في تشكيل الحكومة خلال الشهور التسعة الماضية لأن الشكوى الرئيسية ضده هي هذه النقطة. وأنا لا أعتقد بأنه سوف يمتلك حرية التصرف التي كان يمتلكها من قبل لتعزيز سلطته». واقترح مسؤولون أميركيون أيضا إنشاء مجلس السياسات الاستراتيجية، الذي سيرأسه المنافس الأبرز للمالكي، إياد علاوي كوسيلة للحد من سلطات رئيس الوزراء. ولكن لم يتضح بعد ما هي الصلاحيات التي سوف يمتلكها المجلس، إن وجدت. ويشير حلفاء المالكي إلى أن هذا المجلس لن يمتلك الكثير من الصلاحيات. وقال النائب علي الأديب، العضو البارز في حزب الدعوة: «تأكدوا من أن المجلس لن يتدخل في السلطات التنفيذية لرئيس الوزراء».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»