مصدر فرنسي رسمي لـ«الشرق الأوسط»: موقف خامنئي من المحكمة يكشف اختلافا مع دمشق حول الملف اللبناني

باريس لا تستبعد أن يكون حديثه موجها لدمشق أيضا

TT

أولت مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» تصريحات مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامئني عن المحكمة الخاصة بلبنان، أهمية كبيرة، لما تأتي به من «دلالات» على اختلاف المقاربة بين دمشق وطهران بشأن الملف اللبناني ومسار المحكمة وكيفية التعاطي معها في الأيام والأسابيع المقبلة عشية صدور القرار الظني عن المدعي العام دانيال بلمار.

وترى باريس أن «نظرة» فرنسا التي تفترض أن «الأجندة» السورية في لبنان «مختلفة» عن الأجندة الإيرانية، رغم التحالف الاستراتيجي بين العاصمتين، جاء ما يؤكدها، في إشارة إلى رفض خامنئي القطعي والنهائي للمحكمة وإسناد ذلك لأسباب «شرعية» وليس فقط لأسباب سياسية. ولا تستبعد باريس أن يكون ما صدر عن أعلى المراجع الإيرانية موجها إلى دمشق التي «لينت» موقفها من المحكمة ومن القرار الظني عندما اشترط الرئيس الأسد قبول ما يصدر عنها بأن يكون مستندا إلى دلائل وبراهين لا تقبل الجدل، وهو ما يعد موقفا بعيدا كل البعد عن الموقف الإيراني.

ونقلت هذه المصادر أن الرئيس الأسد عبر للرئيس ساركوزي لدى استقباله في قصر الإليزيه قبل أسبوعين عن «تخوفه العميق» من تدهور الوضع الأمني في لبنان على خلفية المحكمة وعن «الحاجة للتحرك». وأكد الأسد أن «الجهود» السورية - السعودية «ما زالت قائمة» ولكنه لمح إلى «بطئها». ورد ساركوزي بالطلب من سورية بأن «تلجم» التدهور عن طريق التأثير على الأطراف التي تتأثر بها، في إشارة إلى المعارضة بشكل عام وحزب الله بشكل خاص. كذلك شرح الرئيس الفرنسي الجهود التي تبذلها بلاده مع مختلف الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية ومتابعتها للجهود السورية - السعودية وطبيعة الرسائل التي أوصلتها إلى الأطراف بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

وتشارك باريس الجانب السوري مخاوفه من مسار الأحداث التي ترصد مفاعيلها ليس فقط على لبنان بل على كل المنطقة، وتعتبر أن أي تدهور لن يبقى حصرا على لبنان، بل سيتمدد إلى المنطقة، حيث إن عملا عسكريا يقوم به حزب الله سيوفر لإسرائيل الفرصة لكي تتدخل في لبنان رغبة منها هذه المرة في «القضاء» على حزب الله. وسبق لباريس أن تبلغت رسالة إسرائيلية بهذا المعنى.

وترى هذه المصادر أن «تسلسل» العنف وتمدده قد يجران سورية للتدخل العسكري أو قد تستغل إسرائيل الفرصة لاستفزاز دمشق ودفعها باتجاه حرب تؤكد باريس أن سورية «لا تريدها اليوم وفي ظل وضع عربي مشتت ومضعضع ومع وجود حكومة إسرائيلية يمينية». وخلاصة التحليل الفرنسي، كما نقلته المصادر الرسمية، هو أن لسورية اليوم «مصلحة سياسية واستراتيجية» في منع تدهور الوضع اللبناني من غير أن تغفل انعكاس ذلك على الوضع السوري الداخلي نفسه.

وتؤكد باريس أنها وبالنظر إلى كل هذه الأسباب، وجدت «أذنا سورية صاغية» ولقيت «وعودا» على مستويين: التهدئة «الميدانية» والاستمرار في الجهود لبلورة «صيغة مخرج» مزدوجة بحيث إنها «لا تعري» الحريري من خلال التمسك بالمحكمة والقرار الظني والمحاكمة من جهة ولا «تهدد» حزب الله لا في بقائه ولا في سلاحه وتبعد عنه تجرع كأس الاتهام الجماعي. وعرض ساركوزي بعض «الأفكار» الفرنسية التي سبق له أن تناولها مع مسؤولين وسياسيين لبنانيين وسيطرحها لاحقا على سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، وأمين الجميل رئيس حزب الكتائب، وأيضا على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي سيدعى هو كذلك إلى باريس.

ويرى الجانب الفرنسي، رغم قلقه، أن الوضع في لبنان لم يتدهور رغم الأصوات التي تحذر من تدهوره منذ شهور وهو ما ترى فيه عنصرا إيجابيا يمكن أن يتقوى إذا ما التزم الطرفان (المستقبل وحزب الله) نقاط التفاهم الضمنية السعودية - السورية التي لم ترق بعد إلى حد الاتفاق المكتوب والنهائي. ومن الزاوية الفرنسية، فقد «قبل» الطرف الثاني ضمنا صدور القرار الظني بعد أن كان يرفضه رفضا مطلقا في البداية وقبل، بضمانة سورية، الامتناع عن أي رد فعل عنيف بعد الصدور. وترى باريس في ذلك عاملا «مشجعا». أما ما هو مطلوب من الحريري، إلى جانب التهدئة والحوار، فيأتي أجله بعد صدور القرار الظني، حيث ينتظر منه أن «يفي بقسطه» لجهة استبعاد استهداف حزب الله وعدم تسخير القرار الظني في المعمعة السياسية اللبنانية... وثمة بنود أخرى ما زالت من غير حسم بانتظار أن تسهم في حلحلتها الجهود السعودية - السورية بدعم عربي وفرنسي وموافقة دولية وربما أميركية.