مسيحيو العراق يستقبلون أعياد الميلاد خائفين مذعورين.. ويتساءلون: أين العيد؟

بارزاني يطلب دعما أوروبيا للاجئين منهم إلى كردستان.. وتحذيرات من مخطط ضدهم في الموصل

عراقي يحمل بيد دلة قهوة وبالأخرى فنجانين يمر قرب مجسم لـ«بابا نويل» أمام متجر في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

حذر المتحدث باسم المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني أمس من «مخطط إرهابي» يدبر له تنظيم «القاعدة» في الموصل ضد المسيحيين. جاء ذلك غداة إعلان المسيحيين في عدد من مدن العراق الرئيسية إلغاء احتفالاتهم بأعياد الميلاد ورأس السنة إثر تلقيهم تهديدات من التنظيم نفسه.

وقال المتحدث إنه «وفقا لبعض المصادر، فقد دبر تنظيم القاعدة الإرهابي مخططا لتخريب العلاقات بين مكونات الموصل، خاصة بين الكرد والعرب المسيحيين، وذلك عبر التخطيط لتنفيذ بعض الأعمال الإرهابية من خلال أشخاص ضالين». وأضاف أنه «لمواجهة هذا النوع من المخططات الإرهابية وتداعياتها ينبغي لكل جهة أن تعي هذه المخططات ونتائجها، ويجب أن لا نفسح المجال لتنفيذ مخطط كهذا ليصبح محل فتنة بين المواطنين في تلك المناطق التي ما زال الوضع الأمني فيها غير مستقر»، مؤكدا أن «المواطنين المسيحيين هم الأبناء الأصلاء لهذا الوطن، وكل كارثة تلحق بهم هي كارثة لنا»، ومن هذا المنطلق، أعرب المتحدث باسم المكتب السياسي عن «تعاطف الاتحاد الوطني مع الإخوة والأخوات المسيحيين».

إلى ذلك، بحث رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني مع السفير البولوني لدى العراق ستانيسلاف سمولن، أمس، أوضاع المسيحيين اللاجئين إلى كردستان العراق. ونقل مصدر في ديوان رئاسة الإقليم لـ«الشرق الأوسط» أن السفير البولوني، الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا، «قدر دور بارزاني في مساعدة الطائفة المسيحية خاصة الهاربين منهم إلى مدن إقليم كردستان، وتوفير الملاذ الآمن لهم ورعاية مصالحهم وتلبية مطالبهم الإنسانية». وأشار المصدر إلى أن بارزاني أكد من جانبه أن «وضع المسيحيين والتهديدات التي يواجهونها في بعض مناطق العراق تثير قلقنا في كردستان، والهدف الأساسي لتلك التهديدات هو دفع أبناء العراق من المسيحيين إلى الهجرة للخارج وإفراغ العراق من هذا المكون الأساسي والعريق في العراق، ولذلك ينبغي للإخوة المسيحيين عدم الاستسلام لإرادة الإرهابيين وتحقيق أهدافهم، وأبواب إقليم كردستان مفتوحة أمامهم بالكامل لاحتضانهم ورعايتهم، وعلى الاتحاد الأوروبي الذي ترأسه بولونيا في الدورة الحالية أن يبادر بتقديم الدعم لحكومة إقليم كردستان لتمكينها من الإيفاء بالتزاماتها تجاه النازحين، حيث إن حكومة الإقليم ليست قادرة على توفير المستلزمات الكاملة للعائلات النازحة واستيعاب الأعداد الهائلة منهم».

واستنادا إلى المفوضية العليا للاجئين، فإن «الطوائف المسيحية في بغداد والموصل بدأت رحلة هجرة بطيئة لكن منتظمة (...). فقد فر الآلاف من المسيحيين من ديارهم ولجأوا إلى مناطق أخرى في العراق أو في الخارج. ووصل نحو ألف عائلة إلى كردستان العراق منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي». وبدأت موجة النزوح الأخيرة هذه في أعقاب الهجوم الذي شنه مسلحون تابعون لـ«القاعدة» على كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقتلوا 44 من المصلين وكاهنين.

وفي الأيام الأخيرة تلقى رجال دين مسيحيون تهديدا جديدا من «القاعدة» مما حدا بهم إلى إلغاء الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة. وتقول فرقد أسعد إنها قررت عدم الاحتفال بليلة عيد الميلاد. وبعد أن أكدت أن «احتفال ليلة عيد الميلاد مناسبة كبيرة ومهمة بالنسبة لنا كنا نحتفل بها كل عام ونفرح بها مع الأقارب والأصدقاء ونحضر القداس فيه»، قالت هذه الطبيبة التي تعيش في بغداد لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا العام العيد سيختلف كثيرا». وأضافت: «لا نستطيع أن نفرح مثل كل عام لأننا نخاف على أولادنا ولا نستطيع أن نأتي ونخرج على راحتنا في ظل التهديدات الموجودة فعليا». من جانبه، أكد يوسف محمد صاحب محل زهور: «كنا نجهز بين مائتي و300 شجرة لأعياد الميلاد كل عام، لكنني لم أبع سوى 15 شجرة في هذا العام».

وفي الموصل، التي تضم عددا كبيرا من المسيحيين وشهدت الجزء الأكبر من الاعتداءات ضد المسيحيين، قالت مريم دانيل (57 عاما) بحزن: «أين العيد للأم التي فقدت ابنها بالقتل الوحشي الذي يمارسه أعداء هذا البلد؟». وأضافت هذه السيدة التي قتل ابنها وهو في الثانية والعشرين من عمره وكان أبا لولدين حين كان يهم بالتوجه إلى الجامعة أمام منزله قبل ثلاثة أشهر: «أي عيد وأنا أرى أحفادي يبكون على أبيهم ويتحسرون على من كان يأتيهم بشجرة الميلاد وملابس العيد؟». وتابعت: «أين العيد وأنا أرى زوجة ولدي في عينها دموع وكلمات تشكي من هم الوحدة التي خلفتها أياد ملطخة بدم الأبرياء وتتحسر على لمسة حنان من زوج يقول لها في أول يوم من العيد كل عام وأنت بخير؟».

وفي البصرة، ثاني أكبر مدن العراق، قال سعد متّى عضو مجلس محافظة البصرة عن الأقليات: «أصدرنا بيان مجلس كنائس البصرة لإلغاء كل مراسم الاحتفالات بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة والاكتفاء فقط بإقامة القداس».

وفي كركوك (255 كلم شمال بغداد)، قال الدكتور لويس ساكو رئيس أساقفة كركوك للمسيح الكلدان إن «المسيحيين هذا العام لن يحتفلوا بأعياد رأس السنة لأسباب أمنية ولأنهم يشعرون بألم وحزن كبير»، وأضاف أن «فاجعة (سيدة النجاة) وما شهدته الموصل وضحايا الشعب العراقي في عموم العراق، يجعلنا نكتفي بالصلاة في يوم العيد من دون أن نستقبل المهنئين أو نحتفل بالأعياد لأننا نشعر بالحزن والأسى في الوضع الذي نعيشه ويعيشه الشعب العراقي».