إيران 2010: ضجيج الاستعراضات العسكرية يغطي على صوت المعارضة

تكثيف مناورات الجيش تزامن مع قمع للحركات الاحتجاجية

TT

على خلفية نزاعها مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي، كثفت إيران من مناورات الجيش والاستعراضات العسكرية خلال عام 2010، وغطى ضجيج «الوعيد» للغرب على صوت المعارضة، كما تزامن ذلك مع قمع السلطات للحركات الاحتجاجية. وتميزت هذه السنة في إيران بقضيتين مثيرتين للانتباه؛ الأولى كثرة المناورات العسكرية التي قام بها الجيش، والثانية مطاردة السلطات هناك لمعارضيها السياسيين والمسلحين في البلاد.

وزادت إيران من استعراضاتها العسكرية في مناطق مختلفة من البلاد، تركز معظمها في الجانب الغربي على الخليج، معلنة خلال تلك المناورات عن أنواع مختلفة قالت إنها لأسلحة متطورة، لكن لوحظ أن تلك المناورات كانت تظهر عقب كل تشدد غربي تجاه طهران، وبعد كل موجة قلاقل داخلية في ذلك البلد الذي يعاني من العقوبات الدولية، خاصة مع تعثر محاولاته للحصول على نظام الدفاع الصاروخي الروسي المعروف باسم «إس 300».

واقترنت المناورات العسكرية الإيرانية أيضا بكلمات استعراضية من قبيل أن «قوتنا العسكرية هي الأقوى في المنطقة»، وأن أي عدوان عليها سيؤدي إلى نزاع شامل في المنطقة. أو كما قال الرئيس محمود أحمدي نجاد عند مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك إن أي هجوم على بلاده سيؤدي إلى قيام حرب بلا حدود.

وشهد عام 2010 عدة مناورات بحرية وبرية وجوية وأخرى للحرس الثوري بمنطقة الخليج، وكانت المناورات التي بدأت في أبريل (نيسان) الماضي وتحمل اسم «النبي الأعظم» بداية لسلسة من الاستعراضات التي استمرت طوال العام.. وكان لافتا ضخامة المناورات البحرية التي أجرتها طهران تحت اسم «الولاية 89» في مضيق هرمز وبحر عمان وشمال المحيط الهندي على مساحة نحو 250 ألف كيلومتر مربع، استمرت ثمانية أيام، واختبرت خلالها طوربيدات وصواريخ «كروز» و«نور» و«فجر خمسة» الموجهة للأهداف البحرية المتحركة والثابتة.

وأعقب ذلك مناورات جوية بغرض ترقية مستوى أنظمة الدفاع الجوي والتنسيق بين وحداتها وبين وحدات الجيش ووحدات الحرس الثوري. ووصل عدد المناورات الرئيسية الكبيرة إلى خمس مناورات تكتيكية حسب ما أعلنه قائد قوات الدفاع الجوي الإيراني الجنرال أحمد ميقاني. وتركزت تلك المناورات في مناطق نووية حساسة في إيران، في كل من طهران وناتانز وبوشهر وغرب إيران.

كما شاركت القوات البرية في مناورات أخرى في منطقة أصفهان وسط البلاد الصيف الفائت. واستمرت مناورات «بيت المقدس 22» لمدة ثلاثة أيام. والهدف: كي لا تفكر القوات الأجنبية في مهاجمة إيران مطلقا، حسب تعبير قائد القوات البرية للجيش العميد أحمد رضا بوردستان، الذي يعتقد كذلك أن القوات البرية للجيش الإيراني تعتبر «من أقوى القوات العسكرية في العالم» و«تتمتع بأعلى درجات الاستعداد العسكري».

وظهر خلال العام ما وصفته إيران بأنواع جديدة من الأسلحة من بينها خمسة أنواع من الطائرات القاذفة طراز «كرار»، وهي طائرة بدون طيار. وتقول طهران إن هذه الطائرة قادرة على الوصول لأي هدف في نطاق دائرة يبلغ شعاعها ألف كلم، ولديها القدرة على إلقاء قنابل وصواريخ.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي وبمناسبة الذكرى الثلاثين لحربها مع العراق، قامت إيران بعرض قوتها العسكرية الدفاعية. وظهرت خلال تلك المناورات صواريخ من طراز سجيل وشهاب 3، وهي ذات مدى متوسط يصل إلى ما بين 1800 كلم و2000 كلم ويعتقد أنها قادرة على الوصول إلى أهداف إسرائيلية نظريا.

وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) واصلت طهران مناورات الدفاع الجوي لمدة خمسة أيام شملت المرحلة الثانية من مناورات «المدافعون عن سماء الولاية - 3» وتم خلالها عمليات محاكاة لاعتراض طائرات حربية معادية واختبارات للحرب الإلكترونية، واستخدام أنواع من الرادارات الثابتة والمتحركة المصنعة محليا مثل «كاشف» و«مطلع الفجر» و«الرادار الوطني»، معلنة عن أن بعض هذه الرادارات يصل مداها إلى ثلاثة آلاف كيلومتر شعاع، ومخصصة لرصد الأهداف ذات التحليق المنخفض.

وكانت تلك المناورات تهدف أيضا لاختبار القدرات الدفاعية للصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، إضافة إلى ما قالت طهران إنه «نسخة جديدة من نظام الدفاع الجوي»، حسب المتحدث باسم المناورة العميد حميد أرجنكي.

وتعد مناورات الشهر الفائت الأضخم في سلسلة مناورات عام 2010 في إيران، واستمرت لمدة خمسة أيام، في أعقاب تعثر التفاوض حول صفقة الصواريخ الدفاعية الروسية (إس 300).

وكان التركيز في هذه المناورات ينصب على أنظمة الدفاع، والتدريب على امتصاص الهجوم المفاجئ ومواجهة صواريخ كروز وإسقاط الأهداف المهاجمة بالصواريخ والمقاتلات الحربية، إلى جانب استخدام طائرات بلا طيار.

وتهدف إيران من وراء هذه المناورات إلى إظهار قدراتها في الدفاع على كافة الأصعدة بحسب ما صرح به عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، محمود أحمدي بي غش، والذي أضاف أيضا أن الهدف يشمل كذلك «الدفاع عن برنامجنا النووي السلمي والمواقع النووية أمام أي هجوم محتمل».

ويعتقد كثير من المحللين أن «التعبئة العسكرية» من خلال المناورات والخطب الداعية لمواجهة «الأعداء»، تلعب دورا في سحب البساط من تحت أقدام حركات المعارضة السلمية في قلب البلاد وكذا حركات المعارضة المسلحة التي تعمل بين حين وآخر على الأطراف الشرقية والغربية من الحدود. ويقول أحد المسؤولين الإيرانيين إن قادة المعارضة السياسية في الداخل فقدوا الكثير من شعبيتهم بسبب دفاع الغرب عنهم، في وقت يعلو فيه خطاب المسؤولين الرسميين محذرين من مغبة تعرض «الشعب» لهجوم غربي.

ويرى المحللون أن سلطات طهران تتخذ من زخم المناورات والإعداد للحرب والتحسب لهجوم الأعداء مبررات للتمادي في قمع المعارضة السلمية والتوسع في إصدار أحكام بالإعدام ضد المعارضة المسلحة.

وأمام هذا التصعيد اضطرت المعارضة الإصلاحية بقيادة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والمتمثلة في «الحركة الخضراء» الصيف الماضي، لإلغاء خططها لتنظيم مظاهرات احتجاجية في الذكرى الأولى لإعادة انتخاب نجاد رئيسا لفترة جديدة. وأطلقت السلطات على مثل تلك المظاهرات أنها «فتنة»، حسب قائد الحرس الثوري الميجور جنرال محمد علي جعفري.

وتصف السلطات الإيرانية المعارضة المسلحة التي يشنها ناشطون من البلوش (شرق) والأكراد (شمال غرب) والعرب (جنوب غرب)، إضافة لمنظمة مجاهدين خلق، بأنها معارضة مرتبطة بقوى الاستكبار والصهيونية في إشارة إلى الدول الغربية وإسرائيل. وبينما يقول هؤلاء المعارضون إنهم ينشطون لرفع الظلم عن الأقليات والتيارات السياسية التي ينتمون إليها، والتخلص من هيمنة النظام الحاكم في طهران، ترد السلطات بإصدار أحكام تصل عقوبتها بين السجن المشدد والإعدام، كما حدث الصيف الماضي حين تم الحكم بإعدام عبد الملك ريغي من تنظيم جند الله.

ويقول مراقبون إن سلطات طهران استغلت ما قالت إنه محاولة لاغتيال أحمدي نجاد الصيف الفائت لحشد الرأي العام لموالاة النظام ومطاردة الخصوم وإسكات المعارضين. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي هاجم مجهولون استعراضا عسكريا للقوات الدفاعية في شمال غرب إيران بقنبلة مما أدى لمقتل 11 شخصا. وقالت السلطات إن منفذي الهجوم «عناصر معادية للثورة». كما أشارت بإصبع الاتهام للغرب وإسرائيل عقب اغتيال عالم نووي في طهران قبل نحو أسبوعين.

ومع تزايد ضغط العقوبات الدولية على طهران يبدو أن لغة حشد الشعب لمواجهة العدو الخارجي ستكون أقل فاعلية بسبب تقليص الدعم وانخفاض كمية البنزين وارتفاع أسعار السلع.