في حصاد 2010.. نجاد يحصد رأس متقي

نجاد يضحي بوزير خارجيته.. ما هي الرسالة؟ ولمن وجهت؟

TT

في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي أقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وزير خارجيته منوشهر متقي من منصبه أثناء قيامه بمهمة خارجية تمثلت في زيارة رسمية للسنغال بعد خمس سنوات من شغل متقي لهذا المنصب الذي تقلده في أغسطس (آب) 2005، حيث كان آخر ظهور دولي له خلال مشاركته في منتدى المنامة حول الأمن في الخليج في الثالث والرابع من ديسمبر 2010. وقد عين نجاد رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي وزيرا للخارجية بالإنابة. ولم توضح الأسباب التي وقفت وراء هذه الإقالة التي تأتي بعد أيام من عودة المفاوضات بين إيران والقوى الـ6 الكبرى حول الملف النووي الإيراني.

واعتبرت الأوساط الدبلوماسية قرار الإقالة والطريقة التي صدر بها أنه شكل إهانة من المرجح أنها كانت متعمدة من قبل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لوزير خارجيته الذي تلقى نبأ الإقالة من مضيفيه السنغاليين أثناء زيارته للسنغال للتخفيف من تداعيات أزمة سفينة الأسلحة القادمة من إيران التي اكتشفها النيجيريون في ميناء لاغوس. ويشير مراقبون ومطلعون على الوضع الإيراني إلى أن القرار يعكس أبعاد الصراع الدائر على السلطة بين أقطاب المحافظين الممسكين بدفة نظام الملالي في طهران، أو بين ما بات يعرف بمعسكر المحافظين التقليديين الذين يتحالف معهم متقي في البرلمان وأجهزة الدولة الأخرى، والمعسكر الآخر الذي يتزعمه الرئيس نجاد نفسه والمدعوم من الحرس الثوري في إيران.

ولتلافي ردود الأفعال الداخلية على قرار وطريقة الإقالة، صرح نجاد بأن متقي قد أبلغ بقرار الإقالة قبل سفره إلى السنغال، غير أن متقي في رد غير مباشر على نجاد قال: «دعوا الكذب»، نافيا أن يكون قد أبلغ بالقرار قبل سفره إلى السنغال، مؤكدا أن تصرفات الحكومة (في إشارة إلى نجاد) تتنافى مع الإسلام ومع ثقافة الشعب الإيراني الأصيل. وقد فتح التراشق الإعلامي بين الوزير المقال ورئيسه الأفق على مزيد من التأويلات لطبيعة الصراع بين الرجلين أو بين التيارين المحافظين.

وقد حاول الكثير من المحللين الخوض في أسباب الإقالة المباغتة، فمنهم من ربطها برفض متقي محاولات نجاد لتعيين مبعوثين دبلوماسيين له وإعطائهم مهام خارجية، كما حدث حين أرسل نجاد مبعوثه الخاص رحيم مشائي في مهمة دبلوماسية إلى الأردن، الأمر الذي يعارضه متقي ويشكو منه باستمرار. وقيل في هذا الخصوص إن متقي كان قد بعث برسالة إلى خامنئي يشكو فيها من محاولات نجاد فرض هيمنته على وزارة الخارجية عن طريق تكليف بعض المسؤولين المقربين منه بمهام دبلوماسية فيما بات يعرف باسم «الدبلوماسية الموازية» التي يحاول نجاد فرضها على وزارة الخارجية لتحجيم دور متقي في رسم السياسة الخارجية الإيرانية.

ولكن هل تمت الإقالة بغير علم المرشد خامنئي ومن غير رضاه، أو أن نجاد أحاط مرشده علما بذلك؟

في هذا الصدد يميل كثير من المتابعين للشأن الإيراني إلى أن نجاد اتخذ هذه الخطوة دون الرجوع إلى المرشد لإرسال رسالة مفادها أنه متحكم في مقاليد الحكم، وأنه بات رقما صعبا في معادلة الصراع على السلطة في إيران، ولأنه قدر أن المرشد لن يعترض بشكل جدي على الإقالة، وفوق هذا فإن من صلاحيات الرئيس أن يقيل من يرى ضرورة إقالته حسب الدستور الإيراني. غير أن المرشد على ما يبدو لم يكن راضيا على الإقالة والدليل على عدم رضا المرشد عن قرار الإقالة -حسب محللين - أن عددا من النواب والإعلاميين المقربين من المرشد قد انتقدوا عملية الإقالة والطريقة «المهينة» التي تمت بها، فقد قال حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» والمقرب من المرشد الأعلى آية الله خامنئي، عن الإقالة بهذا الشكل إنها «إهانة علنية». ويرى كثير من المراقبين أن نجاد بإقالته متقي إنما أعلن عن صراع الأجنحة داخل نظام الملالي، غير أن الصراع موجود بالفعل وكل ما عمله نجاد هو إخراج الصراع للعلن، وهي الخطوة التي سوف تجر على نجاد الكثير من الضرر جراء توقع عدم سكوت المعسكر المناوئ لنجاد على هذه «الإهانة» البالغة التي وإن كانت موجهة إلى متقي على وجه الخصوص، فإنها تعد موجهة إلى تيار كبير داخل أروقة السياسة الإيرانية ينتمي إليه متقي. ولا شك أن علاقة نجاد بالمرشد خامنئي سوف تخضع إلى المراجعة، بفعل تسابق كل طرف إلى استمالة المرشد لصالحه، كما أن النواب الذين يسعون منذ فترة إلى مساءلة نجاد سيكثفون جهودهم في هذا الاتجاه، مما يرشح الوضع داخل معسكر المحافظين إلى مزيد من التوتر والصراع.

وبغض النظر عن أسباب الإقالة، فإن الكثير من المراقبين يرون أن تعيين صالحي في منصب وزير الخارجية بالإنابة يعكس الأولوية الكبيرة التي يوليها نجاد لملف المفاوضات النووية خلال هذه المرحلة، فصالحي هو رئيس البرنامج النووي الإيراني، وكبير المفاوضين الإيرانيين مع القوى الغربية حول هذا البرنامج، وتعيينه في منصب وزير الخارجية بالإنابة سيوجه رسالة تشدد مقصودة من نجاد للدول الغربية، مفادها أن مفاوضات الملف النووي الإيراني سوف تكون أكثر صعوبة وتعقيدا في مراحلها القادمة، وأن «تخصيب اليورانيوم» أصبح حقا إيرانيا لا يمكن التنازل عنه. ويبدو أن الدول الغربية المعنية بالملف النووي الإيراني قد وعت الرسالة، وهو ما حدا بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون وعدد من وزراء الخارجية في الدول المعنية إلى التعبير عن الأمل في ألا تعوق الإقالة مشروع المفاوضات.