عام 2010 بين أزمة «بلاك بيري».. وتتويج «آي باد»

الأول أجج صراع الخصوصية والأمن والثاني باع 3 ملايين نسخة في 80 يوما

TT

ربما كان للأحداث السياسية والاقتصادية نصيب الأسد من التغطية الإعلامية اليومية. لكن عالم التقنية فرض نفسه على أجندة عام 2010 بحدثين لفتا الأنظار بشدة، وأخذا نصيبا من كعكة الاهتمام العام، وهما أزمة «بلاك بيري» وظهور «آي باد (الكومبيوتر اللوحي)». بالنسبة لـ«بلاك بيري» كانت مشكلة الشركة المشغلة له تتعلق بمدى إمكانية إتاحتها لمعلومات للسلطات المحلية حول المستخدمين عند الضرورة، وبالنسبة لـ«آي باد»، فقد بهر عشاق التقنية الحديثة من خلال سعته التخزينية الهائلة وقدرة بطاريته على البقاء أطول من المعتاد، إضافة لرخص ثمنه.

وظهرت قضية «بلاك بيري» مع بداية أغسطس (آب) الماضي حين فوجئ العالم بقرار دولة الإمارات، بتعليق معظم خدمات وتطبيقات هذا النوع من الهواتف التي يستخدمها نحو نصف مليون شخص في الإمارات لما قالت إنها مخاوف أمنية. وبعد ذلك بيومين طلبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية (بها نحو 700 ألف مشترك) من شركات الهاتف الجوال في المملكة وقف خدمة التراسل على هواتف «بلاك بيري»، قائلة في بيان في ذك الوقت إن الحظر سيستمر لحين استيفاء الشركات المشغلة للهواتف الجوالة في البلاد للمتطلبات التنظيمية للهيئة.

وفي حين هددت الهند والكويت والجزائر ودول عدة بتعليق الخدمة، أكدت دول أخرى أنها تدرس الأمر، وتنتظر نتائج ما تصل إليه الدول التي هددت بتعليق الخدمة. في حين أشارت دول، مثل مصر، إلى أنها لن تمنع الخدمة المطبقة بها، لوجود اتفاق مع الشركة المزودة لتلك الخدمات على تقديم بعض المساعدات حال الاحتياج إلى ذلك، من دون الإفصاح عن أوجه مثل هذا التعاون.

واشتمل القرار على إيقاف خدمات مفصلية توفرها شركة «ريم» أو «ريسيرش إن موشن» الكندية المصنعة والداعمة للجهاز وتطبيقاته، ومنها خدمات البريد الإلكتروني وتصفح الإنترنت والشبكات الإلكترونية الاجتماعية وخدمة المراسلة الفورية التي تدعمها خدمة إنترنت «بلاك بيري» كجزء من خدماتها، ليفقد هذا الجهاز الذي يثمن خدماته كثيرون أهم مميزاته الداعمة ويقتصر بعدها على الخدمات الأساسية التي تقدمها، بل وقد تتفوق عليه فيها، أجهزة الجوال العادية.

ولكن القرار الذي جاء في صورة مفاجئة للعالم، كانت له خلفيات في كواليس الأحداث، حيث طالبت هذه الدول شركة «ريم» معاملتها بمثل ما تعامل به دولا أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة في ما يخص أحقيتها، عبر السلطات التحقيقية والقضائية، في الحصول على معلومات المستخدمين عند الضرورة. وتستخدم شركة «ريم» نظم تشفير وترميز متطورة للغاية، كما أن الخوادم الرئيسية التي تعمل من خلالها أجهزة «بلاك بيري» في كل أنحاء العالم متركزة في حوزة الشركة الأم بكندا، مما يعوق أي محاولات لفك شفرات الرسائل للسلطات المحلية في حال وجود ضرورات أمنية.

ولم تكن تلك المخاوف الدولية نابعة من العدم، حيث سبق أن أشارت التحقيقات إلى أن منفذي تفجيرات مومباي الهندية عام 2008 قد استخدموا خدمات «بلاك بيري» المشفرة للتراسل إبان تنسيق الهجمات. كما أن كثيرا من الحكومات، مثل الحكومة الفرنسية، حظرت استخدام هذه الأجهزة في منشآتها الحساسة خوفا من احتمالات التجسس عليها، خاصة أن كثيرا من الخبراء التقنيين حول العالم قد علقوا على نظم التشفير والترميز الخاصة بـ«بلاك بيري» قائلين إنها تفوق احتياجات رجل الأعمال والسياسيين بمراحل، وتتعدى ذلك لتصل إلى درجات قد يحتاجها العسكريون أو الجواسيس.

قرار حظر الخدمة، قوبل باعتراضات شخصية من مستخدمي الخدمات على الرغم من أن الشركات عرضت بدائل تقنية للخدمات التي سيتم تعليقها. من جانبها، أصدرت شركة «ريم» بيانا قالت فيه إنها تحترم خصوصية عملائها في أكثر من 175 دولة حول العالم، ولكنها أضافت أنها تحترم كذلك الشروط التنظيمية التي تفرضها الحكومات، وتتعاطف مع مخاوفها الأمنية، ولكنها لن ترضخ للضغوط. وعلى الرغم من تأكيدات «ريم» المتتالية بأنها لا تستطيع، هي نفسها أو أي جهة أخرى بما فيها الولايات المتحدة، الوصول إلى مضمون المعلومات المشفرة التابعة لعملائها، قائلة إن تقنية «بلاك بيري» صممت لمنع «ريم» أو أي طرف آخر من قراءة المعلومات المشفرة تحت أي ظرف، لأن «ريم» لا تخزن وليست قادرة على الوصول إلى المعلومات المشفرة.

ولكن تقارير أخرى أفادت في المقابل أنه لولا تمكن السلطات الأميركية من الحصول على معلومات من «ريم» تخص المستخدمين وفق أمر قضائي، لما سمحت بتطبيق الخدمة على أراضيها.. وكونها (أميركا) العميل الأهم لدى «ريم»؛ إذ يوجد بها نحو 25 مليون عميل لخدمات «بلاك بيري»، فإن «ريم» قطعا سترضخ لكل ما تطلبه واشنطن من تنازلات.

وعلى مدى نحو عشرة أيام، استمرت الأزمة بين «ريم» والسعودية، التي تولت المفاوضات نيابة عن الدول الأخرى.. وطالبت الدول بحل من ثلاثة لاستمرار خدمات «بلاك بيري»، أولها أن تخصص الشركة خوادم محلية تتيح للدول مراقبة البيانات والمعلومات الخاصة بها عند الضرورة، أو أن تمنح الشركة للدول مفاتيح الدخول على الخوادم الخاصة بها للاطلاع على التفاصيل المعلوماتية، أو أن تلجأ تلك الدول لشركات أخرى لفك الشفرات من دون تدخل من الشركة المصنعة.

وبادرت «ريم» بإصدار بيان لطمأنة عملائها، قالت فيه إنه على الرغم من أنها لا تستطيع تقديم تفاصيل حول المفاوضات التي تدور بينها وبين أي حكومة، فإنها تريد إعلام مستخدميها بأنها تتعاون قدر الإمكان للحفاظ على أمن الدول التي تُستخدم فيها أجهزتها، مع الحفاظ على خصوصية احتياجات المستخدمين والشركات.

أما الحدث الأبرز لدى عشاق التقنية، فكان إطلالة الكومبيوتر اللوحي الجديد لشركة «أبل»، الذي أطلقت عليه اسم «آي باد»، والذي بهر المحللين عندما عرض عليهم ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي لـ«أبل»، نسخته التجريبية الأولى في مؤتمر صحافي في مطلع 2010.

وشهدت بداية طرح «آي باد» في الأسواق الأميركية نجاحا باهرا؛ إذ يكفي أن الجهاز باع 3 ملايين نسخة في ثمانين يوما فقط بعد طرحه في 3 أبريل (نيسان)، وبعد مرور عدة أشهر أخرى، استحوذ «آي باد» على حصة تقدر بنحو 95 في المائة في شريحة الأجهزة اللوحية على مستوى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الجهاز عليه عدد من المآخذ، ومنها أنه لا يحتوي على كاميرا رقمية أو مدخل «يو إس بي» ولا يدعم تطبيقات «الفلاش»، إلا أنه يمتلك كثيرا من المزايا التي تجعله يحتل عرش الكومبيوترات اللوحية بلا منازع، فالجهاز يمتلك قدرات تخزينية هائلة تصل إلى 64 غيغا بايت، وشاشة عالية الجودة تعمل باللمس، وبطارية تعمل حتى 10 ساعات قبل الحاجة لإعادة شحنها.. كما أنه يدعم تقنيات «جي بي إس» الملاحية، إضافة إلى سعره المنافس الذي يتراوح بين 500 إلى 700 دولار بحسب قدرته التخزينية.

ويعتبر «آي باد» رفيقا مثاليا، فهو يدعم تشغيل ملايين الملفات الموسيقية وملفات الفيديو عالية الجودة، ومشاهدة العروض التلفزيونية، وقراءة الكتب الإلكترونية، إلى جانب نحو 150 ألفا من البرامج الترفيهية والعملية التي يتيحها متجر «أبل» الإلكتروني. وخلال الأشهر القليلة الماضية، اتجه معظم منظمي خدمات التقنية إلى توفير وإتاحة نسخ خاصة من البرامج والتطبيقات التي تعمل من خلال «آي باد»، للتمتع بمميزاته الفريدة. والخلاصة أنه يبدو أن اقتناء وحدة من «آي باد» سيصبح من ضرورات الحياة بداية من عام 2011!