شباب عراقيون «يثورون» عبر حركات بهلوانية بدراجاتهم النارية

يجدون تسلية في تعلم حركات جديدة كل يوم.. ويهربون من أعين الشرطة والأهل

شاب عراقي يستعرض مهاراته في قيادة الدراجة النارية في حي الجادرية الراقي ببغداد («نيويورك تايمز»)
TT

قبيل الغسق بلحظات يبدأون في التوافد.. في البداية أصحاب الدرجات النارية الصغيرة، ثم تشرع الدراجات الأكبر في إثارة سحابة من الغبار والضوضاء. على مدار ساعة أو اثنتين كل جمعة، تتراجع تعقيدات الحياة في بغداد لتفسح المجال داخل أحد الشوارع العريضة التي تكتنفها الأشجار لتصاعد تساؤلات تراود الشباب في شتى أرجاء العالم: هل يمكن أن أؤدي حركات بهلوانية بالدراجة بينما يشاهدني الناس؟ هل يمكن أن أتسلل إلى خارج المنزل من دون أن يلحظني أحد؟ ألم يكن من الأفضل لو أن فتيات حضرن هنا؟

في أحد أيام الجمعة القريبة، جلس علي حمرة، 28 عاما، على دراجته النارية يراقب حشدا من نحو 75 من سائقي الدراجات النارية يؤدون حركات بهلوانية باستخدام دراجاتهم التي يعدونها العشق الأول في حياتهم. وقد ركب بعضهم الدراجات وهو واقف بقدميه على المقعد أو مقود الدراجة، بينما رفع آخرون العجلة الأمامية لأعلى، وعمد آخرون إلى لف العجلة الخلفية على نحو يخلق سحبا من الدخان الأسود.

في الولايات المتحدة، نادرا ما تلفت هذه الحركات البهلوانية أعين الناس، لكنها في العراق تبدو كخطوات أولى على صعيد ثقافة شبابية ناشئة، تقوم في مجملها على رؤية مستوردة من الخارج. وقال حمرة: «أشعر بأنني ثائر»، مستعرضا وشما على ساعده هو صورة للمغني فيفتي سنت. وأضاف: «لقد اتبعنا هذا الأسلوب باعتباره أسلوبا أميركيا. وتروق لي فكرة الظهور بمظهر المحارب. وعادة ما يستمع أصحاب الدراجات النارية لأغاني الراب أو الروك، ويتميزون بأسلوب خاص بهم يعكس صورة المحارب». واستطرد بأنه «في أميركا، يحظى الثائرون بشوارع ومقاه خاصة بهم. ونحن نسير على نهجهم». وكان صديقه أحمد حسن، 23 عاما، يرتدي قميصا يحمل صورة تشي جيفارا اشتراه من كردستان. وقال إنه كان واحدا من أوائل الذين ابتكروا فكرة عروض الدرجات النارية عام 2002، قبل أن تدفع الحرب وأعمال العنف الطائفية سائقي الدراجات النارية لالتزام منازلهم. الآن، مع تحسن الأوضاع الأمنية في العامين الماضيين، عادوا للظهور بقوة، وأصبح حسن من الشخصيات المشهورة إلى حد ما، حيث يظهر في النشرات الإخبارية، ويحمل لقب «أحمد داميدجيز» لقدرته على إصلاح الدرجات المحطمة.

وقال أثناء جلوسه على دراجة نارية ذات لون أخضر باهت: «يسعدني أن أكون رمزا وشخصية مشهورة بالنسبة لهم. لقد غادر كثير من الرواد الأصليين للفكرة البلاد جراء الوضع الأمني وتعرضهم لمضايقات من الشرطة. الآن، أتولى تعليم جيل جديد كيفية أداء حركات بهلوانية».

يضم سائقو الدرجات سنة وشيعة، وقد قدموا من مختلف أرجاء المدينة، في تحد للأهل، مع حرصهم على تجنب الشرطة، وأملهم في نيل مسار آمن عبر المدينة التي لا تزال تضم مناطق خطرة. وقد حرصت سيارة شرطة على مراقبتهم عن قرب.

وقف حيدر أحمد، 19 عاما، بجوار دراجته النارية على جانب الطريق ليشاهد أصدقاءه. واعترف بأن أسرته لا توافق على مشاركته في هذا النشاط، مما اضطره للتسلل خفية من المنزل. وهدده شقيقه بتحطيم دراجته النارية إذا ضبطه يشارك في عروض الدراجات النارية لخوفه على سلامته. وقال أحمد: «عندما نكون هنا، ننسى كل شيء من حولنا. أحيانا تأتي الشرطة وتمنعنا، لكننا نعاود الكرة مجددا». كانت الشرطة قد أوقفته مرتين بسبب عدم وجود رخصة بحوزته وأجبرته على دفع غرامة تعادل 25 دولارا.

وأوضح أحمد، الذي يعمل في مصنع لإنتاج الأسلاك، أنه وجه كل ماله ووقت فراغه لدراجته النارية، مثلما الحال مع الآخرين هنا. وأضاف أن تعلم حركة بهلوانية جديدة بالدراجة قد يستغرق شهرا، بينما لا يستغرق أداء الحركة سوى بضع ثواني. ويحاول الجميع أداء حركة جديدة كل أسبوع. وقال: «إنه أمر خطير، وليس من السهل على أي شخص تعلم حركات بهلوانية جديدة والإقدام على أدائها. لذا، أشعر بالتميز والاختلاف عن الآخرين». إلا إن إعجابه بتمرده لم يخل من حذر عملي، حيث اعترف بأنه «عندما آتي إلى هنا، يساورني دوما خوف من أن شخصا سيقبض علي».

مع غروب الشمس، بدا سائقو الدراجات غير متحمسين تجاه استئناف حياتهم اليومية. وأوضح عمار كاظم، 22 عاما، الذي كان يرتدي قميصا عليه عبارة «ستريت بويز» (أولاد الشوارع)، أنهم يعيشون باقي الأسبوع بأكمله أملا في تقديم حركة جديدة أمام أصدقائهم.

وقلل كاظم من شأن فكرة أن الدراجة النارية تشكل ثقافة مضادة، قائلا: «إننا لسنا ثائرين سوى على شرطة المرور والشرطة بوجه عام»، إلا أنه استطرد بأن ركوب الدراجات النارية في العراق لم يخل من تحديات ذات طبيعة خاصة، فمثلا يكاد يكون من المستحيل العثور على قطع غيار. لذا، يساور أصحاب الدراجات النارية قلق بالغ حيال الإضرار بدراجاتهم.

ونظرا لعدم اختلاط الرجال والنساء في العراق لأسباب دينية، فإن عروض الدراجات النارية ظلت شأنا ذكوريا محضا. واعترف أصحاب الدراجات النارية ممن لهم صديقات أنه ليس بإمكانهم الركوب معا خلال هذه العروض. وقال ميسار الصفار، 33 عاما: «الدراجات النارية من الأشياء التي تجتذب الفتيات بشدة، لكن في العراق من الصعب أن تجلس صديقتك خلفك على الدراجة»، وأضاف: «وجودنا معا يخفف من حدة الضغط العصبي، فعندما نكون معا على طريق سريع ننسى الدنيا كلها».

*خدمة «نيويورك تايمز»