غباغبو «الخباز» يتحكم وحده في تجارة الكاكاو.. بمساعدة «زمرة مستفيدة»

وفد أفريقي في أبيدجان اليوم.. ودعوة وتارا للإضراب لا تلقى تجاوبا كبيرا

نساء أعضاء في جمعية نسائية مسيحية عاجية يتجمعن في أبيدجان ويدعون من أجل السلام في البلاد، أمس (أ.ب)
TT

ربما يظهر الطريق الأخضر المورق المؤدي إلى مقر إقامة الرئيس السبب الذي يدفع من يسكن فيه حاليا، لوران غباغبو، إلى القتال بشدة من أجل البقاء داخله. وتختلف الميزات الموجودة في هذه المنطقة الهادئة اختلافا جذريا عن أحياء مجاورة تنتشر بها القاذورات وتشهد غارات ليلية تقوم بها قوات الأمن التابعة لغباغبو ضد مناوئيه، وفق ما يقوله شهود ومنظمات حقوقية.

ولكن، تعرف غباغبو على هذا العالم الآخر الذي تنتشر فيه القاذورات ويغيب عنه النظام خلال أعوام قضاها في صفوف المعارضة المثيرة وداخل السجن على خلفية آرائه السياسية وبسبب أصوله المتواضعة في قرية ريفية. ولا يبدو أنه يرغب في العودة إلى ذلك الوضع.

وعلى الرغم من استنكار دولي واسع النطاق وتهديد زعماء دول في غرب أفريقيا باستخدام «القوة المشروعة» إذا لم يتنحَّ عن الحكم، فإن غباغبو لم يبد رغبة في التخلي عن منصبه بعد أن خسر الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي. وداخل شوارع أبيدجان، يطلقون على غباغبو اسم «الخباز» لأنه يستطيع بمهارة الضحك على من يتحدث معه، وقد تمكن بالفعل من إبقاء منافسه الرئيسي محاصرا حتى الآن.

ولا يزال الحسن وتارا، وهو رجل تقول الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول أجنبية أخرى إنه تمكن من هزيمة غباغبو، محاصرا داخل فندق تسيطر عليه قوات أمنية تابعة لغباغبو، على الرغم من العقوبات والضغوط المالية التي تنهال على غباغبو بصورة يومية تقريبا.

وقد دعا وتارا إلى إضراب عام في البلاد أمس من أجل دفع غباغبو إلى التنحي، لكن تلك الدعوة لم تلق تجاوبا كبيرا؛ فمن حي كوكودي الراقي (شمال) إلى حي تريشفيل الشعبي (جنوب) كانت الحركة عادية: زحمة سير وضجيج وسيارات أجرة عابرة ومتاجر مفتوحة. وبسط التجار السلع في سوق كوماسي (جنوب) التي اتجه إليها سكان الحي بكثافة.

وبهدف تكثيف الضغوط الخارجية الكبيرة، دعا التحالف الحزبي الموالي للحسن وتارا الذي اعترف به المجتمع الدولي رئيسا منتخبا أول من أمس إلى «وقف جميع النشاطات» في البلاد اعتبارا من يوم أمس «حتى رحيل لوران غباغبو من السلطة». لكن هذه الدعوة على غرار دعوة إلى «العصيان» المدني في الأسبوع الماضي، لم تلق صدى كبيرا في العاصمة الاقتصادية أبيدجان أمس التي تضم أربعة ملايين نسمة. وصباح أمس اكتظت شوارع حي أبوبو الشعبي (شمال) معقل وتارا بالسيارات، في حين احتل الباعة المتنقلون الأرصفة بحثا عن زبائن. لكن في بواكي (وسط) معقل التمرد السابق المناصر لوتارا لقيت الدعوة إلى الإضراب أصداء، حيث أغلقت الأسواق والمصارف أبوابها في حين واصلت سيارات الأجرة نشاطها. وبعد اعتراف الأمم المتحدة بسفير معسكر وتارا، أفادت فرنسا أن آلية إقرار سفيره في باريس انطلقت. ويعد منصب سفير لدى فرنسا، القوة الاستعمارية سابقا والشريك الاقتصادي الأساسي، محوري للسلطة في ساحل العاج.

ومن المتوقع أن يصل اليوم الثلاثاء إلى أبيدجان وفد يضم ثلاثة رؤساء دول أفريقية غربية سيطلبون من غباغبو التنحي عن السلطة لمصلحة خصمه الحسن وتارا، وإلا فإن عليه أن يواجه ربما حملة عسكرية من دول في غرب القارة للإطاحة به. ويفترض أن يطلب الوفد من غباغبو مغادرة الرئاسة باسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي هددت باللجوء إلى «القوة المشروعة» إن لم ينصع إلى مطلبها. وفي مقابلتين في صحيفتي «لو فيغارو» و«لوموند» الفرنسيتين قال غباغبو إنه يأخذ هذا التهديد «على محمل الجد» لكنه برر بقاءه باحترام القانون. ويقول خبراء مراقبون إن من المحتمل أن تتجه البلاد إلى حرب أهلية أخرى. وبحسب الأمم المتحدة، فقد قتل 173 شخصا على الأقل في أعمال عنف منذ الانتخابات التي جرت في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولا يبدو أن هناك شيئا يردع غباغبو، الذي قال عبر التلفزيون الحكومي الأسبوع الماضي: «أنا رئيس جمهورية ساحل العاج».

ويقول محللون إن غباغبو يسيطر من داخل منطقته الواسعة بحي كوكودي في أبيدجان على الكاكاو، وهو أحد أثمن السلع في أفريقيا. وتعد ساحل العاج أكبر منتج في العالم للكاكاو. وأشاروا إلى أن الزمرة المحيطة بغباغبو تحقق أرباحا كبيرة من وراء ذلك. ويقول دبلوماسي غربي بارز إن غباغبو اشترى عددا من «العقارات الشخصية» في الخارج، ويعد ذلك تحولا بالنسبة إلى فتى فقير من قرية ريفية كان منتهى طموحه هو مهنة التدريس. ويقول الدبلوماسي السويدي المخضرم بيير شوري، معلقا على صمود غباغبو: «في أفريقيا عندما تكون رئيسا فقد حزت على كل شيء، وعندما لا تكون رئيسا لن يكون معك أي شيء».

وقد قام غباغبو بتقليص مدة شوري كمندوب خاص تابع للأمم المتحدة في أبيدجان في أوائل 2007، في ظل مشهد مماثل لما يجري حاليا: ضغوط من الخارج من أجل الديمقراطية. وفي الواقع، فإنه على ضوء تحذيرات خلال الأيام الأخيرة من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية ما تصفه الأمم المتحدة بانتهاكات «واسعة» لحقوق الإنسان في أبيدجان، ربما يسلب غباغبو مزرعته الواسعة داخل كوكودي.

ولا يعد غباغبو أول رئيس في القارة الأفريقية يرفض نتائج الانتخابات ويبقى داخل القصر الرئاسي. ولكن هذه المرة نجد زعماء أفارقة متحدين ويتحدثون على غير العادة مطالبين إياه بالرحيل - ويعد ذلك تحولا بارزا، إذ كانوا مترددين في إدانة رئيس زيمبابوي روبرت موغابي الذي تبنى سياسة مماثلة بعد انتخابات مشكوك في نتائجها خلال 2008. ويوجد اختلافان مهمان: لا يظهر غباغبو كبطل شارك في النضال ضد الاستعمار، كما فعل موغابي، ولذا لا يكن الزعماء الأفارقة احتراما خاصا له. وكان غباغبو يبلغ من العمر 15 عاما فقط عندما حصلت ساحل العاج على الاستقلال من فرنسا عام 1960. وبعد نحو 10 أعوام شهد فشل جهود إقليمية من أجل إحلال السلام في بلده، وأصبح لدى جيرانه ما يكفي، بحسب ما يقوله محللون.

كانت هناك مفاوضات في لومي عام 2002 أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النيران الذي وضع النهاية حرب أهلية قصيرة داخل البلاد؛ ودعت اتفاقات لينا - ماركوسي عام 2003 إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات؛ وأكدت اتفاقات بريتوريا عام 2005 - وهو العام الذي انتهت فيه ولاية غباغبو كرئيس - على الدعوة إلى إجراء انتخابات ونزع السلاح؛ وتولت الأمم المتحدة اتفاقات متعثرة من أجل إجراء انتخابات عام 2006 وبعدها في عام 2007؛ وكان مع اتفاقات واغادوغو عام 2007 وعد آخر بعقد الانتخابات عام 2008؛ وأرجئت انتخابات عام 2009؛ وامتدت عملية مضنية على مدار أعوام لتحديد من أصبح «منتميا لساحل العاج» بدرجة تؤهله للإدلاء بصوته في الانتخابات على ضوء العدد الكبير من المهاجرين في البلاد؛ وأخيرا كانت هناك جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي رفض خلالها حليف غباغبو في المجلس الدستوري مئات الآلاف من الأصوات الانتخابية في شمال البلاد وأعلن فوز صديقه.

وقبل أن يطرح زعماء دول بغرب أفريقيا فكرة استخدام القوة خلال اجتماع طارئ يوم الجمعة الماضي، بدأ غباغبو يواجه تهديدات ملموسة أخرى من الدول المحيطة. وفي وقت متأخر من يوم الخميس، قامت دول المنطقة بمنع غباغبو من الحصول على المال، وهي خطوة يحتمل أن تصيبه بالعجز وقد يستحيل عليه بسبب ذلك دفع رواتب أفراد الجيش والموظفين الحكوميين. ويقول مايكل ماغوفرن، المتخصص في شؤون دول غرب أفريقيا في جامعة ييل الأميركية ومؤلف دراسة مقبلة عن نظام غباغبو الذي يتضمن دمج قطاعي الكاكاو والقهوة المربحين في حزبه السياسي «الجبهة الشعبية بساحل العاج»: «هناك حالة من الضجر منذ نحو خمسة أعوام. وفي الواقع لقد جعل من نفسه شخصا غير مرحب به».

وعلى الرغم من أن المتمردين من الحرب الأهلية ما زالوا يسيطرون على شمال البلاد ولديهم تاريخ من الانتهاكات، فإن الوسائل العنيفة التي يرتبط بها غباغبو - مثل قتل الخصوم السياسيين وعمليات الاختفاء غير المبررة ليلا - لا تساعد موقفه. ويتردد على نطاق واسع أن غباغبو، وهو مؤرخ وأستاذ جامعي سابق تخصص في تاريخ الثورة الفرنسية، اشتكى في إحدى المرات من أنه «أجبر على تنفيذ ثورة 1789 تحت أعين منظمة العفو الدولية». ويشير ماكغوفرن إلى أن التجارب السابقة الخاصة بالمشاركة في السلطة انتهت بالفشل، حيث سرعان ما سيطر غباغبو على كل مصدر سلطة متاح. وكان بعض المراقبين قد توقعوا أنه على الرغم من احتمال موافقة غباغبو في النهاية على إجراء انتخابات فإنه سيكون عاقد العزم على الفوز بها. وفي الواقع كان الشعار الأبرز خلال الانتخابات هو «سنفوز أو سنفوز».

وقالت السفارة الأميركية في يوليو (تموز) 2009، في رسالة نشرها موقع «ويكيليكس»: «لن تكون هناك انتخابات ما لم يكن الرئيس غباغبو واثقا من الفوز بها». ويقول ريتشارد بانغاس، وهو متخصص في شؤون ساحل العاج بجامعة السوربون الفرنسية: «كان ذلك متوقعا بدرجة كبيرة. لم يكن ليمضي إلى الانتخابات لو كان يفكر في الخسارة».

* خدمة «نيويورك تايمز»