الصوماليون في مقديشو رحلة الانتقال من جحيم إلى آخر

الهاربون من القتال يتعرضون للصوص وقطاع الطرق من رجال القبائل

صومالية تنتظر أمام مخيم للاجئين أقامته الأمم المتحدة (أ.ب)
TT

جلست ديكا محمد إيدوو تحت شجرة، وهي مجهدة تماما بعد رحلة شاقة استمرت 6 أيام، وقامت بوضع يدها فوق بطنها، وهي تتوق إلى تلمس حركة طفلها الذي لم يولد بعد.

والذي جعلها تقوم بهذه الرحلة الشاقة والطويلة عبر الطرق الوعرة للخروج من مقديشو هو الحرب، فزوجها وأبناؤها الثلاثة في عداد المفقودين، كما أن بيتها قد تهدم.

والذي أتى بها إلى هنا في هذه الأرض التي تضربها العواصف على الحدود بين الصومال وجيبوتي، هو أنها تنشد وتتوق إلى السلام والعمل لتعليم طفليها الآخرين. وهي لا تعرف ما ينتظرهم، هل سيجدون مأوى أما سيتعرضون لمعاناة أكبر، لكنها متأكدة من شيء واحد، «أنني سأضع طفلي في مكان ليس به رصاص».

بالنسبة إلى الصوماليين، فإن الطريق الذي يخرجهم من مقديشو هو الملاذ الأخير. والذين يسافرون عليه، يفرون من ديارهم فجأة ويصحبون معهم أطفالهم المذعورين، ويمرون على الكثير من اللصوص والمسلحين الإسلاميين وقطاع الطرق من رجال القبائل. وقد تعرض الكثير منهم للسرقة والضرب والاغتصاب وحتى القتل.

لقد أصبح الوضع في مقديشو سيئا للغاية مما دفع ما يقرب من 300 ألف صومالي إلى الخروج منها هذا العام، مما يعد ثالث أكبر تعداد للاجئين في العالم بعد اللاجئين العراقيين والأفغانيين. ومعظم هؤلاء اللاجئين من النساء والأطفال. أما ما بقي من الرجال الذين نجوا حتى الآن من الحرب فبعضهم ظل في المدينة لحراسة منازلهم والبعض تركها. والبعض تلاشى في هذه الفوضى والآخرون لا يزالون يقاتلون.

وهذا الطريق، والأماكن على امتداده، هو أوضح دليل على أن سكان هذا البلد لا يزالون يعانون من التمزق، وسط اليأس والموت، بعد عقدين من انهيار حكومة سياد بري ووقوع الصومال في براثن حرب أهلية لا نهاية لها.

وتسيطر اليوم حركة الشباب، وهي ميليشيا مرتبطة بتنظيم القاعدة، على أجزاء كبيرة من هذا البلد وتسعى إلى الإطاحة بالحكومة الضعيفة المدعومة من الولايات المتحدة. وسياسات هذه الميليشيا التي تشبه سياسات حركة طالبان وتجنيدها للأطفال يعتبران سببين آخرين لهروب الصوماليين.

وهم يسافرون شمالا إلى أماكن ما كان يخطر في أذهانهم أنهم سيزورونها، ويصلون وهم يعانون من الجوع واليأس، لينضموا إلى مئات الآلاف من الذين فروا منذ عام 1991، تاركين وراءهم مدينة كانت تحتضن 2.5 مليون شخص.

وليس لدى الكثير من الصوماليين ما يعينهم على القيام بمثل هذه الرحلة. ويتوجه الذين يتملكون بعض النقود إلى مخيمات اللاجئين المقامة داخل مدن صومالية مثل جالكايو وبوساسو وهرغيسا بحثا عن الأمن والمساعدة. أما الذين ليس لديهم سوى القليل من المال فيتجهون إلى دول أخرى - جيبوتي واليمن والمملكة العربية السعودية - بحثا عن حياة جديدة.

والذين ينجحون في الفرار يصلون إلى بلدان يمكن أن يرحلوا منها في أي لحظة أو ينظر إليهم فيها على أنهم يمثلون تهديدا أمنيا. والذين يفشلون، والكثير منهم يتعرض لذلك، يظلون محاصرين في مأساة إنسانية يعيشون فيها حياة محطمة مليئة بالصعاب والتبعية، أو يموتون.

وقال أحمد عبد اللهي، مسؤول حماية اللاجئين في معسكر غالكايو التابع للأمم المتحدة، 470 كيلومترا شمال غربي مقديشو، وهو أول محطة في رحلة باتجاه جيبوتي واليمن: «إنهم يسافرون من جحيم إلى آخر».

وهذه هي قصص لبعض النساء اللائي سلكن هذا الطريق، والأماكن التي انتهين إليها.. فعلى بعد ستة أميال شمال غالكايو، وفي مكان يسمى هلا بوخاد، يوجد 473 أسرة عالقة في مستوطنة مؤقتة. والجو في هذا المكان حار ومترب والسماء قاتمة مثل حياة هذه الأسر.

وتعيش هذه الأسر في خيام ضيقة من الملابس القديمة والقش. وقد أصبحوا معزولين لأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة الانتقال إلى المدينة.

ويقوم بإدارة هذه المستوطنة، التي تدعمها الأمم المتحدة، مسؤولون محليون، وهناك بئر واحدة للماء فقط في هذا المكان، والغذاء والرعاية الطبية نادرة أيضا، وبشرة الأطفال ذوي العظام صفراء، وهي علامة على سوء التغذية في بلد يموت فيه واحد من كل سبعة أطفال قبل سن الخامسة. وتلد النساء داخل خيامهن وأحيانا من دون أي مساعدة.

وهذا هو المكان الذي وصلت إليه أمينة عدن قبل ثلاثة أشهر مع أطفالها، فقد اجتاحت الحرب الحي الذي كانت تعيش فيه وقتل زوجها في تبادل لإطلاق النار قبل يوم من فرارهم من منازلهم حاملين معهم ما استطاعوا حمله من متعلقاتهم. وبعد الخروج من مقديشو بعدة أميال أوقف رجال ملثمون حافلتهم الصغيرة التي كانت مليئة باللاجئين وأمروا النساء الصغيرات في السن بالنزول من الحافلة. وتقول عدن إنها سمعت صراخهن، بينما كن في اغتصاب جماعي! وعاد الرجال الملثمون إلى الحافلة مرة أخرى، واستعدت عدن لمقاومتهم وتشبث أطفالها الثمانية بها وأخذوا يبكون ونظر الرجال إليهم، لكنهم جذبوا امرأة أخرى. وتقول عدن (35 عاما) بابتسامة قاتمة: «لقد أنقذني أولادي». وتقول عدن أيضا: «لقد أخذوا حتى الصنادل التي كنا نرتديها».

ويذهب أطفال عدن، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و15 سنة، إلى المدارس. ويتناول الشاي في الإفطار، وفي الغداء يأكلون وجبات صغيرة عديمة الطعم، ولا يتناولون وجبة العشاء.

وقالت جارتها، كلتوم عبدي علي (37 عاما): «أنا لا أستطيع حتى شراء الحليب لطفلي». وهي أيضا فرت من مقديشو مع أطفالها السبعة بعد أن دمرت قذائف هاون منزلها قبل شهرين. وخلال الفوضى التي تلت ذلك، لم تعثر على زوجها. وتقول علي: «أنا لا أعرف أين هو!».

وولداها البالغان من العمر 14 عاما و16 عاما يعملان 14 ساعة في اليوم، في تنظيف السيارات والمنازل وجمع القمامة للسكان المحليين. في معظم الأيام لا يكسبون أكثر من دولار واحد. وتقول علي: «أريد أن يتلقى أولادي التعليم، ولكن إذا تركنا هنا، فإن الحياة يمكن أن تكون أسوأ. لا أحد يهتم بنا!».

الغالبية العظمى من اللاجئين لا يتلقون سوى مساعدات بسيطة، فبعد عقدين من المجاعة والصراعات والجفاف، تجد الأمم المتحدة صعوبة في جمع الأموال اللازمة لمساعدة الصوماليين، وذلك وفقا لمسؤولين بالأمم المتحدة. كما أن الدول المانحة ليست على ما يرام، وفي عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، فإن العالم منشغل بقضايا الإرهاب والأمن والأزمات العالمية الأخرى. وقد قدمت الولايات المتحدة، الجهة المانحة الرئيسية للصومال، أكثر من 185 مليون دولار للحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، لكنها امتنعت عن تمويل الأنشطة الإنسانية هذا العام، لأن حركة الشباب كانت تستولي على المساعدات الخارجية.

وقد سعى أكثر من مليوني صومالي لإيجاد ملاذ في مخيمات اللاجئين التي تدعمها الأمم المتحدة في البلدان المجاورة ومعسكرات اللاجئين المنتشرة تقريبا في كل مناطق الصومال. وقد أعاق الصراع إلى حد كبير قدرة الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية في تقديم مساعدات إلى جنوب ووسط الصومال، حيث تسيطر حركة الشباب.

هنا، وفي مناطق أخرى من تجمعات اللاجئين حول غالكايو، فإن النساء تخاف الليل.

وقبل أسبوعين، دخل ثلاثة مسلحين ملثمين خيمة آشا موسى وأمام أطفالها الأربعة قاموا بضربها وابنة أختها منى، ثم قاموا بتمزيق ملابسهما وتناوبوا الاغتصاب لمدة ساعتين. وطعن أحد المهاجمين منى في فخذها بسكين، وتحول آخر إلى ابن علي.

وتقول موسى إنهم قالوا لها: «إذا أصدرت صوتا فسوف نقتلك».

وقبل مغادرتهم، قام المهاجمون بسرقة 85 دولارا وبعض الملابس.

وتقول حوى محمد عدن، الناشطة التي تدير ملجأ للنساء في غالكايو يضم ضحايا الاغتصاب وغيره من أشكال العنف القائم على نوع الجنس: «الجميع يقومون باغتصاب النساء، الجنود والميليشيات والجميع!».

ولم تخبر موسى وابنة أختها الشرطة أو عمال الإغاثة بالحادثة. وتوقفت موسى عن جمع القمامة، خوفا من أن مهاجميها قد يشاهدونها مرة أخرى. أما جيرانها، الذين كانوا يستمعون إلى صراخهن ولم يكن لديهم القدرة على الدفاع عنهن، فإنهم ينظرون إليها بعين العطف.

وقالت موسى، والدموع تملأ عينيها: «لا يمكننا العودة إلى مقديشو، ونحن لا نستطيع مغادرة المكان، ونعلم أننا سنتعرض للاغتصاب مرة أخرى، لكن ليس بإمكاننا فعل أي شيء!».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»