نتنياهو يتبرأ من تصريحات ليبرمان.. ووزراء يطالبون: يجب ألا يمثل إسرائيل

الخارجية الفلسطينية تطالب بموقف دولي.. الناطق باسم السلطة لـ«الشرق الأوسط»: الاحتلال هو غير الشرعي

ليبرمان يتحدث خلال المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل المعتمدين لدى دول العالم في مقر الخارجية الإسرائيلية بالقدس (إ.ب.أ)
TT

اتسعت رقعة الخلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، بعد تصريحات مثيرة للأخير بشأن العلاقة مع الأتراك والفلسطينيين، سببت إحراجا واستياء في أنقرة ورام الله، وأثارت جدلا واسعا داخل إسرائيل نفسها.

وانتقد نتنياهو تصريحات ليبرمان، التي وصف فيها السلطة بكيان غير شرعي، ووصف فيها المسؤولين الأتراك بالكذابين والوقحين، وقال نتنياهو في بيان: «إن التصريحات التي أدلى بها أفيغدور ليبرمان خلال المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل المعتمدين لدى دول العالم تعكس آراءه وتقديراته الشخصية». وأوضح ديوان نتنياهو أن موقف حكومة إسرائيل هو الموقف الذي يعبر عنه رئيس الوزراء، الذي ينعكس في قراراتها. ولم يعجب هذا ليبرمان، فرد فورا بقوله: «ماذا أفعل؟ لدي وجهة نظر عالمية مغايرة لوجهة نظر رئيس الوزراء، هذا هو السبب في أننا لا ننتمي للحزب نفسه. ليست وجهة نظري ولا وجهة نظره أمرا سريا». وأضاف في حديث للإذاعة الإسرائيلية: «أنا لست ناطقا بلسان رئيس الوزراء، ولي رأيي الشخصي».

وهذا ليس أول خلاف بين نتنياهو وحليفه في الحكومة، ليبرمان، فقد تصادم الرجلان كثيرا بشأن قضايا مختلفة، مرة عندما أخفى نتنياهو عن ليبرمان اللقاء بين الوزير الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر ووزير الخارجية التركي أحمد داود، ومرة أخرى عندما عين ليبرمان دبلوماسيا معروفا في منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، دون إعلام نتنياهو، ومرات بشأن مشاريع تتعلق بالميزانيات ومشاريع قوانين متعلقة بالتهويد، وأيضا حول خطة ليبرمان «خطة فك ارتباط شامل» بين إسرائيل وقطاع غزة.

لكن هذه المرة، أحدثت تصريحات ليبرمان غضبا كبيرا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، سواء في الحكومة أو المعارضة، بعدما قال إن السلطة الوطنية الفلسطينية «كيان غير شرعي خسر الانتخابات ويرفض إجراء انتخابات جديدة خشية من فوز حماس»، وإنه يرفض التوصل إلى حل نهائي مع السلطة. وبعد وصفه طلب أنقرة بأن تقدم إسرائيل الاعتذار لها، يتجاوز حدود «الوقاحة»، وأن «زعماء تركيا يكذبون ويوجهون إلى إسرائيل اتهامات باطلة». وخرج وزير الصناعة والتجارة بنيامين بن أليعازر مطالبا بإقالة ليبرمان، وقال: «لا يمكنه أن يمثل دولة إسرائيل». ودعا بن أليعازر نتنياهو إلى أن يوضح لليبرمان أنه لا يمكن للحكومة أن تتحدث بلغتين. وأضاف: «إن أي وزير خارجية هو بمثابة بوق للدولة، وإن التصريحات التي أدلى بها الوزير ليبرمان أمس بشأن تركيا خطيرة للغاية».

وأعرب بن أليعازر عن اعتقاده أن إسرائيل ليست مضطرة إلى تقديم اعتذارها لحكومة أنقرة عن أحداث قافلة السفن الدولية، مؤكدا مع ذلك أن العلاقات بين البلدين تعتبر مصلحة استراتيجية بالنسبة لدولة إسرائيل. وحول العملية السياسية مع الفلسطينيين، أكد بن أليعازر أنها يجب أن تستأنف، وفال الوزير العمالي إنه إذا استمر الجمود فيجب على حزب العمل الانسحاب من الحكومة. كان حزب العمل قد انتقد تصريحات ليبرمان، معتبرا أن «حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو التزمت برؤية قائمة على دولتين وشعبين» إسرائيلي وفلسطيني.

وأضاف الحزب في بيان له أن «التقدم في عملية السلام هو وحده الذي سوف يفشل محاولات نزع شرعية إسرائيل في المجتمع الدولي». وتابع: «إن حزب العمل يشعر بالصدمة إزاء محاولة وزير الخارجية عرقلة أي تقدم في عملية السلام عبر إصدار تصريحات متسرعة وغير مسؤولة». وكان هذا موقف حزب كديما المعارض، الذي يحظى بأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، وقال الحزب: «إن أقوال الوزير ليبرمان تدل على أن الحكومة ليست لها سياسة وليس لها طريق وليس لها رئيس».

وجاء في بيان حزب كديما: «إن ليبرمان، المتحدث باسم الحكومة، يدلي بتصريحات علنية تعبر عن عكس الانطباع الذي يريد رئيس الوزراء خلقه». واعتبر كديما أن حكومة نتنياهو تلحق ضررا بدولة إسرائيل، داعيا الحكومة إلى الاستقالة وتبكير موعد الانتخابات. ووصف النائب في الكنيست عن كديما يسرائيل حاسون، ليبرمان «بشخص مهووس بإشعال الحرائق. وقال: «جميعنا سيدفع ثمن الصراع السياسي القائم بين ليبرمان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو». ودعا حاسون نتنياهو إلى إقالة ليبرمان «لو كانت فيه ذرة استقامة ونزاهة».

ولم تتوقف الردود عند إسرائيل، بل ردت السلطة على تصريحات ليبرمان، وقال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، غسان الخطيب، لـ«الشرق الأوسط»: إن الشيء الوحيد غير الشرعي هو الاحتلال، هذا هو الموضوع، هم الذين يعانون الآن أزمة شرعية». واعتبر الخطيب اتهامات ليبرمان «وسيلة هروب من استحقاقات السلام التي يطالبها بها العالم، وأهمها وقف الاستيطان تمهيدا لإنهاء الاحتلال». وأردف: «السلطة شرعية ولا تأخذ شرعيتها من ليبرمان، وجميع العالم يتعامل معها على هذا الأساس، حتى الحكومة الإسرائيلية نفسها».

وطالبت وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية، الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها، بإدانة التصريحات العنصرية التي أطلقها ليبرمان. ودعت، في بيان لها، الولايات المتحدة، والرباعية الدولية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، إلى إدانة هذه المواقف المعادية للسلام التي تعترف علنا بأن الحكومة الإسرائيلية أفشلت عملية المفاوضات والسلام عن سبق إصرار وترصد. وطالبت جميع دول العالم، ووزراء خارجيتها، ومسؤوليها، بمقاطعة هذا المستوطن بسبب التحريض على نشر ثقافة العنصرية والفاشية، وتهديد السلم الإقليمي والعالمي. واعتبرت تعليق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه التصريحات الأخيرة هروبا من المسؤولية، ولا يحق لنتنياهو أن يدعي في كل مرة أن مواقف ليبرمان تعبر عن رأيه الشخصي، خاصة أنها تصدر عن وزير خارجيته وفي اجتماع رسمي للسفراء في مقر وزارة الخارجية الإسرائيلية.

وهاجمت فتح تصريحات ليبرمان، وقال فهمي الزعارير، المتحدث الرسمي باسم حركة فتح وعضو المجلس الثوري: «إن شرعية النظام السياسي الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، تستمد من القانون الفلسطيني ولا تعير اهتماما لموقف الاحتلال الإسرائيلي». وأضاف الزعارير، في بيان: «إن الاحتلال الإسرائيلي لن يحظى بشرعية وجوده واستقراره ما لم يحظَ شعبنا بحقوقه الوطنية والسياسية كاملة مكتملة».

وعقب الزعارير على تصريحات ليبرمان بأن السلطة الوطنية ترفض إجراء الانتخابات مجددا، خشية من فوز حماس، بقوله: «إن إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة الرئاسية والتشريعية مطلب فتحاوي ثابت، لتجديد هياكل السلطة، ونحن جاهزون لانتخابات عامة غدا». وأكد الزعارير أن كل المحاولات المحمومة من قبل دولة الاحتلال لن تهز موقف ومكانة السلطة الوطنية، وتأييد وتعاطف الدول المختلفة للاعتراف بحقوقنا ومساندتنا عبر الاعتراف بدولتنا على حدود 1967، وحق تقرير المصير.

في غضون ذلك، قالت صحيفة «هآرتس» أمس: إن ليبرمان يعمل حاليا على «خطة دبلوماسية» للتوصل إلى «اتفاقية مؤقتة» مع الفلسطينيين، وقد قدم «خطوطا عريضة» لنتنياهو حول خطته. وأطلق ليبرمان على خطته اسم «الخطة ب» وقال إنه أعدها ردا على الجمود الذي اعترى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ويأمل ليبرمان بإقرار الخطة من جانب المؤتمر الوزاري المصغر المؤلف من 7 وزراء كي يتم تقديمها لاحقا إلى واشنطن في الشهور المقبلة كموقف رسمي لإسرائيل. وتستند خطة ليبرمان إلى زيادة التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لتعزيز الاستقرار في الضفة الغربية ونقل المزيد من المسؤوليات الأمنية بشكل تدريجي للفلسطينيين، واتخاذ خطوات أخرى لتحسين الاقتصاد الفلسطيني على اعتبار أن اقتراب اقتصاد السلطة من نظيره الإسرائيلي سيجعل من السهل الوصول لاتفاق وضع نهائي بين الطرفين.

ورفض الفلسطينيون كل الاقتراحات السابقة القريبة من ذلك، وعلى الأرجح فإن نتنياهو نفسه سيرفض الخطة التي يعرف أنها لن تلقى قبولا لدى الفلسطينيين ولا حتى لدى الأميركيين.