استهداف المسيحيين منحى خطير للعنف في العراق خلال 2010

نجاحات في مواجهة «القاعدة» .. ومخاوف من عودة عناصر الصحوة المتذمرين للتنظيم

TT

في عام 2010، كما في الأعوام التي سبقته منذ الغزو عام 2003، لم يتمكن العراق من النهوض من كبوة عدم الاستقرار الأمني. فما إن يعيش البلد أسبوعا أو اثنين من الهدوء النسبي حتى تدوي على مسامع العالم هجمة دامية موقعة مئات الضحايا.

وإذا كان العنف هذا العام بدا روتينا وبإيقاع مألوف في معظم وقائعه، فإن مما ميزه تحديدا وعده المحللون بأنه استثنائي كان قيام مجموعة مسلحة جميع أعضائها من جنسيات عربية وليست عراقية، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) باحتلال كنيسة سيدة النجاة في أهم منطقة في بغداد، وهي الكرادة، واحتجاز رهائن فيها. وتدخلت قوات الأمن العراقية لإنقاذ الرهائن مما أوقع عشرات القتلى والجرحى. وسلط الهجوم من جديد الضوء على ملف المسيحيين في العراق. فبعد الهجمات وعمليات القتل التي استهدفتهم في السنوات السابقة في بغداد والموصل خاصة، اتخذ ملفهم منحى جديدا أكثر خطورة بعد إعلان تنظيم «دولة العراق الإسلامية» المرتبط بـ«القاعدة» أنهم «أهداف مشروعة». ودفع هذا التهديد بمئات العائلات المسيحية إلى ترك منازلها في بغداد والبصرة والموصل واللجوء إلى إقليم كردستان فيما لجأ عدد ماثل إلى الخارج. وأثار هذا النزوح قلقا عراقيا ودوليا من اختفاء المكون المسيحي في العراق، علما بأن عدد المسيحيين في العراق تراجع إلى نحو نصف عددهم قبل الغزو البالغ نحو 1.5 مليون نسمة.

ومنذ الربع الأخير من عام 2009 وحتى إجراء الانتخابات في مارس (آذار) الماضي، كان العراق يعيش في ظل مخاوف كبيرة من تصعيد كبير في أعمال العنف بسبب انسحاب القوات الأميركية من المدن والبلدات في يونيو (حزيران) من العام الماضي والبدء بالانسحاب تدريجيا من قواعدها التي قل عددها تدريجيا. ووضع هذا الانسحاب القوات العراقية بل وحتى الحكومة على المحك.

لكن، حسب تصريحات المسؤولين الأميركيين، شهد العام المنصرم نجاحات أمنية مهمة لعل أهمها نجاح القوات الأمنية العراقية في القبض على عدد كبير من قيادات «القاعدة» في عملية كبيرة وصفها القادة الأمنيون العراقيون بـ «الضربة التي قصمت ظهر الإرهابيين». فقد أعلن وزير الداخلية العراقي جواد البولاني عن إلقاء القبض على جميع قيادات القطاع الشمالي لتنظيم «دولة العراق الإسلامية» البالغ عددهم 34 شخصا، في عمليات متفرقة ومختلفة، وفق معلومات استخباراتية حصلت عليها وزارة الداخلية العراقية من معتقلين سابقين لديها، إضافة إلى المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها المديرية العامة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في الوزارة.

وحصدت أعمال العنف في الـ 10 أشهر الأولى من العام نحو 16458 ضحية، توزعت ما بين ضحايا العمليات الإرهابية (3444) والتفجيرات (2251) وجرائم الخطف (105)، فيما عثرت الأجهزة الأمنية على أكثر من 531 جثة مجهولة الهوية والتي ما زالت إحدى أعقد ملفات الأجهزة الأمنية، إضافة للاغتيالات بمسدسات كاتمة الصوت والتي راح ضحيتها 706 مواطنين عراقيين.

وثمة ملف آخر ظل من دون حسم وألقى بظلاله على الجانب الأمني، ألا وهو ملف قوات الصحوة التي يعود إليها الفضل في كسر شوكة «القاعدة» في معاقلها السابقة في العراق خاصة الأنبار وديالى. فقد أدى تسريح الآلاف من عناصر هذه القوات إلى تركهم فريسة لحملة تجنيد مكثفة من قبل «القاعدة». وعلى الرغم من عدم وجود أرقام مؤكدة، فإن مسؤولين سياسيين وأمنيين قالوا إن المئات من هؤلاء المقاتلين التحقوا مجددا بتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين». وأكثر من ذلك، يقول مسؤولون إن العديد من مقاتلي الصحوة ما زالوا يتقاضون رواتبهم من الحكومة العراقية - ربما يكونون بالآلاف - ويساعدون المتمردين في السر. وأرجع محللون الانشقاق إلى مشاعر الإحباط إزاء الحكومة التي يقودها الشيعة، ويرى أعضاء في مجالس الصحوة أنها عازمة على تدميرهم، علاوة على وجود ضغوط من جانب تنظيم القاعدة. وقد تسارعت عمليات الانشقاق منذ الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة والتي تركت السنة غير واثقين من الحفاظ على القليل المتبقي لديهم من النفوذ، مما منح تنظيم القاعدة فرصا كبيرة لجذب المقاتلين إليه مجددا. ويشكل تغير ولاء أعضاء الصحوة تهديدا جديدا للتوازن الاجتماعي والسياسي الضعيف داخل العراق أثناء الأزمة السياسية القائمة، في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الأميركي للانسحاب نهاية العام المقبل.