كردستان: توجه لمراجعة النظام الصحي عبر تحسين المستشفيات وإدراج طبيب العائلة ورفع رواتب الأطباء

وزير الصحة لـ«الشرق الأوسط»: وباء حوادث المرور أفتك من إنفلونزا الخنازير

الدكتور طاهر هورامي وزير صحة إقليم كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
TT

تسعى وزارة الصحة بحكومة إقليم كردستان إلى إعداد مراجعة شاملة للنظام الصحي في الإقليم بما يواكب تطورات العصر، بشقيه الإرشادي والتثقيفي، ويوازيه تطوير الخدمات الصحية في قطاع الدولة وتوسيعها، بما يغني المواطن من ذوي الدخل المحدود، عن الالتجاء إلى دكاكين الأدوية المفتوحة في الأحياء الشعبية بسبب ارتفاع أجور الأطباء وتكاليف العلاج، وهي ظاهرة أخذت في السنوات الأخيرة تنتشر بشكل مرعب في مدن إقليم كردستان.

ويعتبر الدكتور طاهر هورامي، وزير صحة الإقليم، أن الوقت حان لمراجعة شاملة للنظام الصحي بهدف تقويمه وجعله يواكب التطورات العلمية والطبية على مستوى العالم، مشيرا إلى «أن الوزارة تحضر حاليا لعقد مؤتمر موسع في غضون شهر فبراير (شباط) المقبل بمشاركة علماء وأطباء وخبراء صحيين في عدد من دول العالم، إلى جانب أطباء ومتخصصين عراقيين وكرد لصياغة نظام صحي جديد لكردستان».

وقال هورامي إن «محاور المؤتمر ستشمل مختلف المجالات الصحية، من حيث تطوير واقع المستشفيات والمراكز الصحية، وصولا إلى بحث مسألة تعيين طبيب العائلة، كما هو معمول به في معظم الدول المتقدمة، كما سنبحث آلية دعم المؤسسات الصحية الحكومية برفدها بأطباء من شتى الاختصاصات يكونون متفرغين للعمل فيها».

سألته «الشرق الأوسط» هل هناك إغراءات ورواتب مجزية تؤمنها الوزارة لهؤلاء الأطباء لكي يستغنوا عن عياداتهم الخاصة التي تدر عليهم إيرادات ضخمة في اليوم، فأجاب «نعم، سنخصص رواتب جيدة، وفي العموم لن نجبر أي طبيب على اللحاق بالقطاع الحكومي، ولا نشترط عليهم غلق عياداتهم، فبإمكانهم العودة إليها بعد انتهاء دوامهم الرسمي عندنا مساء، أو على الأقل توزيع أوقاته بالدوام لدينا ثلاثة أيام وقضاء الأيام الأخرى في عيادته الخاصة، فنحن نعاني اليوم من مشكلة كبيرة جدا، وهي قلة ساعات العمل في مستشفياتنا، خاصة أقسام التصوير كالأشعة والسونار وسي تي سكان، التي لا تزيد حاليا على أربع ساعات، ونعمل على إطالة فترة دوام هذه الأقسام، لكي لا يضطر المريض للتوجه إلى القطاع الخاص لإجراء تلك الفحوصات».

وأضاف الوزير أن «ما ذكرته لا يعني أن نعارض القطاع الخاص للقيام بدوره في تطوير وتحسين القطاع الصحي، فهناك الكثير من المجالات لهذا القطاع من الممكن أن يعمل فيها مثل المستشفيات الأهلية، وسنبذل جهدنا لدعمها كي لا يضطر المواطن إلى السفر للخارج. تصور أن الأردن يحصل على موارد هائلة لميزانية الدولة عبر ما يسمى بـ(السياحة الطبية)، لذلك سنعمل في المرحلة المقبلة لاستدعاء كبار أطباء العالم وتوريد أحدث الأجهزة الطبية المتقدمة لكي نوفر العلاجات لمواطنينا ليستغنوا عن السفر إلى الخارج وصرف ملايين الدولارات سنويا هناك».

ومع ازدياد الانتقادات الشعبية حول نوعية الأدوية الموزعة في الصيدليات وتلك التي تباع على الأرصفة، ورداءة وانتهاء مدد صلاحيات بعضها، قال الوزير «هناك عدة منافذ لدخول الأدوية إلى أسواق الإقليم، فلدينا حصة من الأدوية التي توزعها وزارة الصحة العراقية، وهي أدوية تم فحصها من قبل السيطرة النوعية، وهناك أدوية تستورد عبر شركات خاصة وتدخل إلى كردستان من منافذ الحدود، وهي بدورها خاضعة للفحوصات النوعية، وهناك منفذ آخر ولكنه غير شرعي، وهو توريد الأدوية من المحافظات العراقية، وهي في الغالب أدوية غير صالحة للاستهلاك، وتأتي عن طريق التهريب، وأنتم تعلمون أنه في جميع دول العالم هناك حدود يخترقها المهربون، وهذه الأدوية هي التي تباع في بعض الدكاكين المقامة في الأحياء الفقيرة، وهذه النوعية بالذات لا يمكننا السيطرة عليها، لذلك نسقنا جهودنا مع كل من نقابة الصيادلة ووزارة الداخلية بالإقليم لملاحقة المهربين وتشديد الإجراءات التفتيشية عند نقاط السيطرة، لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، ونعمل حاليا على إرسال مندوبين عن وزارة الصحة بصفة مفتشين إلى جميع نقاط السيطرة لمراقبة الحالة».

وحول تعامل بعض الصيدليات في الإقليم مع أدوية فاقدة الصلاحية، يقول هورامي: «نعم هناك أدوية منتهية الصلاحية تباع في الصيدليات، وتبقى على رفوفها لفترة طويلة وتفقد الصلاحية بسبب التقادم، وقد يكون هناك من يبيعها دون مراعاة جانب السلامة الصحية، وأقول بهذه المناسبة إن الوازع الضميري وكذلك الشعور بالمواطنة يلعبان دورا في هذا المجال، فهناك من يراعي ضميره بإتلاف تلك الأدوية، وهناك من يبيعها للناس، فتقدير الحالة يعود إلى الصيدلي نفسه».

أما عن الدور الرقابي للوزارة فيقول: «الدور الرقابي موجود، ولكن لا نستطيع نحن ولا أي وزارة أخرى في العالم فرض رقابة كاملة وشاملة بهذا المجال، فعلى سبيل المثال عندما تدخل أي شحنة من الدواء أو المواد الغذائية عبر منافذ الحدود، فإن كامل الشحنة لا يمكن فحصها، بل تؤخذ عينات منها، وقد يصادف أن تكون العينات سليمة، ولكن هناك كميات أخرى فاقدة الصلاحية، وكذلك الحال بالنسبة للأدوية، فهي عندما تدخل من المنافذ الشرعية تفحص وتمر عبر إجراءات السيطرة النوعية».

وعن ظاهرة انتشار «طبيب المحلة» وهو بالأساس ليس طبيبا متخرجا في كليات الطب، بل هو مجرد معاون طبيب يعمل في مركز صحي يفتح عيادة خارجية في الأحياء الشعبية، لتقديم العلاجات لشتى أنواع الأمراض، قال هورامي: «ما يسمى بالعيادات في تلك الأحياء لا يعدو سوى دكاكين فرعية مخالفة للقانون، فالقانون لا يسمح لغير الصيدلي بصرف الأدوية، ولا يسمح لغير الطبيب بوصفها، وهذه الظاهرة خطيرة وتجب مكافحتها، وقد أكد علينا السيد رئيس الإقليم مسعود بارزاني ضرورة العمل بجد، للقضاء عليها لأنها تشوه سمعة الحكومة، فهناك الكثير من الوفود الأجنبية والمنظمات الدولية تنتقد حكومتنا في هذا الجانب، لذلك نعمل حاليا بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمكافحة الظاهرة ومنع أي شخص كان من العمل بوصف الأدوية ومعالجة المرضى، وأنا أستغرب حقا لجوء المواطنين إلى مثل هذا الدكاكين التي ينتحل فيها شخص غير اختصاصي مهنة الطبيب».

وقاطعته «الشرق الأوسط»، بأن الظاهرة اشتدت مع ارتفاع أجور الأطباء وتكاليف العلاجات، وأن الوزارة لم تفعل شيئا لتخفيض تلك الأجور، فرد الوزير قائلا «هناك المئات من المراكز والمستشفيات الحكومية من الممكن للمواطنين أن يراجعوها، ولدينا عيادات شعبية واستشارية مسائية تعمل إلى ساعات متأخرة من الليل، ومستشفيات الحكومة تعمل على مدار 24 ساعة وخدماتها مجانية، فلماذا يذهب المواطنون إلى هذه الدكاكين؟ إن القانون لا يسمح حتى للطبيب الاختصاصي، وإن كان بروفسورا، بصرف حبة واحدة داخل عيادته، لا يجوز لغير الصيدلي قانونا أن يصرف الأدوية، نعم نحن مع مساعدة الفقراء ولكن ليس بممارسات خاطئة، أي مواطن يشعر بالمرض يجب أن يفحصه الطبيب المختص، وهو الذي يقرر إجراء زرع لنوعيات الميكروبات التي تسبب الالتهابات، ليتمكن بعد ذلك من صرف الدواء المناسب لمعالجة المرض، ولكن هذه الدكاكين تصرف الأدوية والمسكنات بمجرد رؤية وتحسس المريض، وهذا لا يجوز، حتى الأدوية المخفضة للحرارة مثل الباراسيتامول، لا يجوز صرفها من دون ضوابط».

وتحدث وزير صحة كردستان عن تأخر مشروع إنشاء مستشفى سعته 400 سرير في السليمانية، وقد واجهت وزارة الصحة الكثير من الانتقادات الشعبية والإعلامية بصدده، وقال «هذا المشروع تأخر فعلا، وليس للوزارة ذنب فيه، بل هو ذنب الشركة التي تعهدت بالمشروع، وهي شركة كورية جنوبية تركت العمل في المشروع بعد سنتين، ونحن سنلاحقها قانونيا، ومؤخرا توصلنا إلى حل بعد استكمال الإجراءات القانونية ضد الشركة، وذلك بتحويل المشروع إلى عهدة مجموعة أخرى من الشركات المحلية لاستكمال المشروع».

وحول الوضع الصحي مع حلول موسم الشتاء والمخاوف من عودة الأوبئة التي انتشرت خلال الأعوام السابقة خصوصا إنفلونزا الخنازير، كشف وزير صحة كردستان «أن وباء إنفلونزا الخنازير عاد من جديد، ولكن أحدا من المرضى لم يدخل المستشفى بعد، وسنتابع الحالة باستمرار واتخذنا جميع الاحتياطات لمواجهته في حال انتشاره مجددا».

ولفت الوزير إلى «أن هناك أوبئة أشد فتكا من إنفلونزا الخنازير، منها ما أسميه بوباء (حوادث المرور)، فآخر إحصائية أصدرتها الجهات الرسمية بالإقليم تشير إلى وقوع 15 ألف حادثة مرورية في كردستان خلال السنة الحالية، ونحن نستغرب من تلك الضجة التي أثيرت العام الماضي حول وباء إنفلونزا الخنازير الذي لم يقتل سوى ستة أشخاص، في حين أن هذه الحوادث المرورية أوقعت آلاف القتلى، لقد صرفنا ملايين الدولارات لمواجهة وباء الإنفلونزا ونسينا هذا الوباء الذي هو (أفتك) من وباء إنفلونزا الخنازير، مع العلم بأن الإنفلونزا وباء موجود منذ الأزل».