نيجيريا: 86 قتيلا في تجدد المواجهات الطائفية و«طالبان المحلية» تدخل على الخط

استخدام المتفجرات يعطي بعدا جديدا للاشتباكات بين المسيحيين والمسلمين

TT

أسفرت أعمال العنف في نيجيريا بين مسيحيين ومسلمين عن مقتل 86 شخصا على الأقل بحسب حصيلة رسمية جديدة، فيما تبنت جماعة محلية موالية لطالبان الهجمات، وتوعدت بأخرى. وأسفرت هذه المجازر عن مضاعفة حدة التوتر مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) المقبل في البلاد التي تضم أكثر من 150 مليون نسمة والمقسومة إلى اثنيات وطوائف تتواجه دوريا لحماية مصالحها.

وأوضحت الوكالة الوطنية للحالات الطارئة أن حصيلة الهجمات التي وقعت عشية الميلاد في مدينة غوس في وسط نيجيريا والرد عليها الأحد ارتفعت إلى 80 قتيلا و189 جريحا. أما الشرطة التي أفادت عن مقتل 35 شخصا فواصلت التأكيد على أن الحصيلة أقل بكثير مما أعلنته الوكالة الحكومية. إلا أن الأخيرة تشدد على صحة أرقامها التي تستند إلى معلومات جمعت من المستشفيات. وقتل 6 أشخاص آخرين الجمعة عشية الميلاد في شمال نيجيريا في أعمال عنف وحرائق استهدفت كنائس ونسبت إلى مجموعة «بوكو حرام» الإسلامية المتطرفة. وأسفرت مواجهات عن مقتل المئات في السنوات الأخيرة بين المسلمين والمسيحيين من اثنيات مختلفة في غوس (وسط) ومحيطها، حيث تقع على تخوم الشمال المسلم بأغلبيته والجنوب المسيحي.

وأعلنت جماعة إسلامية على موقعها على الإنترنت مسؤوليتها عن تفجيرات أعياد الميلاد. ويشتبه في أن تكون هذه الجماعة هي جماعة «بوكو حرام» المتشددة الحديثة العهد، وهي مجموعة نيجيرية موالية لطالبان وقادت تمردا أدى إلى مقتل 800 شخص عام 2009 في شمال نيجيريا. وجاء في بيان على الموقع: «يا شعوب العالم، فلتعلموا أن من شن الهجمات التي جرت في سولدانيا (غوس) وبورنو عشية عيد الميلاد هم نحن جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد تحت قيادة أبو محمد، أبو بكر بن محمد شيكاو». وقال البيان إن الهدف من الهجمات هو «البدء في الانتقام للفظاعات التي ارتكبت ضد المسلمين في تلك المناطق وفي البلاد بشكل عام. ولذلك سوف نواصل الهجمات على الكفار وحلفائهم وكل من يساعدهم حتى يكتب لنا الله عز وجل النصر». وكانت عناصر من حركة «بوكو حرام» أعلنت أنهم يرغبون في تغيير اسم حركتهم إلى «أهل السنة للدعوة والجهاد».

وشيكاو المذكور في البيان هو الزعيم المفترض لبوكو حرام، حيث يحوي الموقع كذلك شريط فيديو يؤكد أنه له. إلا أن مفوض الشرطة في ولاية الهضبة عبد الرحمن أكانو شكك أمس في صحة هذا الإعلان، ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله: «أي شخص يمكن أن ينشر أي شيء على الإنترنت»، مضيفا أن العبوات ليست السلاح المعتاد لدى بوكو حرام المتهمة بسلسلة هجمات في الأشهر الفائتة في شمال نيجيريا.

وتعطي سلسلة الهجمات والاعتداءات، لا سيما مع استخدام المتفجرات في نيجيريا، بعدا جديدا للتوتر بين المسيحيين والمسلمين في البلاد. فاستخدام المتفجرات يشكل «تصعيدا» في الأزمة حسبما رأى مدير البرنامج الأفريقي في جمعية «أوبن سوسايتي دجاستس إينيشاتيف» (أو إس جي إي) شيدي أودينكالو، وهي منظمة تعمل على تعزيز القيم الديمقراطية.

وتتفاقم حدة التوتر الطائفي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل. وصرح الناشط المحلي لحقوق الإنسان فيمي فالانا بأن «الدولة النيجيرية عاجزة عن ملاحقة مرتكبي أعمال العنف في غوس أمام القضاء، سواء لأسباب سياسية أو غيرها»، علما بأنه دعا باسم منظمته «سيراب» المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق. وفي 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعلن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو - أوكامبو أنه يقوم «بدراسة تمهيدية» حول نيجيريا تتعلق بأعمال العنف الطائفية الأخيرة.

ورأى عدد كبير من المراقبين أن التوتر السائد ناجم عن مزيج معقد من المشكلات الاثنية والدينية والسياسية والاقتصادية. ولعب الاستعمار البريطاني وإرثه من حدود مصطنعة دورا كبيرا في ذلك. وفي منطقة غوس تعتبر اثنية بيروم وغيرها من الجماعات المسيحية أنهم السكان الأصليون في المنطقة ويعتبرون قبائل الهوسا وبول المسلمة باعتبارها «مستعمرة» مع أن وجودها في وسط البلاد يعود إلى عقود خلت. واستقر الهوسا في ولاية الهضبة (وسط) منذ قرن ونيف للعمل في صناعة القصدير. أما البول الرحل فوصلوا إلى المنطقة بحثا عن مراع لقطعانهم.

وأدت سياسات تفضيلية على الأخص في مجال التوظيف إلى إذكاء الحساسيات بين البيروم من جهة والهوسا والبول من جهة أخرى. ويخشى البيروم أن يسيطر الهوسا الأكثر عددا بكثير في نيجيريا في النهاية على وسط البلاد.

ويرى الكثير من المراقبين أن عددا كبيرا من السياسيين استغلوا هذا الوضع وحضوا الجماعات المختلفة على العنف عبر التعبئة في أوساط شريحة شابة تعاني من أقصى حدود الفقر والبطالة. وفي الأرياف وقعت المواجهات على أراض يريد مزارعو البيروم ورعاة البول السيطرة عليها. وأشار أودينكالو إلى أن البعد الديني للأزمة لم يبرز قبل تحول المساجد والكنائس إلى أماكن لتجنيد أفراد لارتكاب أعمال عنف.