جوبا في انتظار تقرير المصير: العربية لغة الغالبية.. والإنجليزية «الرسمية»

الشماليون فيها لا يتخوفون من الجنوبيين المواطنين.. ولكن من القادمين من أميركا وبريطانيا والغرب * مواطن جنوبي: لا أعرف سر الخوف.. والشماليون محل ترحيب

جنوبيون يتظاهرون في جوبا تحفيزا للانفصال (أ.ب)
TT

تبدو مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان التي تتحضر للحظات تاريخية خلال الأيام المقبلة، متحفزة ليوم تقرير المصير، الذي ينتظره الكل بشغف.. لا يخلو من خوف وتعصب، من اندلاع أعمال عنف.

في هذه البقعة التي ستصبح خلال أيام قبلة العالم، تختلط المشاعر بين الخوف من حدوث مشكلات أمنية في الجنوب قد تعود بالبلاد إلى الحرب، والشغف إلى تكوين دولة جديدة يحكمونها بأنفسهم لأول مرة. وتبدو جوبا في طرقها العامة وكأنها في مشهد احتفالي.. الجميع على يقين من نتيجة الاستفتاء التي ستقود إلى انفصال في أكبر بلد في أفريقيا والعالم العربي، غير أن العديد من المواطنين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» تأرجحت مشاعرهم من مصير اليوم الموعود في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل.

يقول أحد التجار الشماليين - رفض أن يذكر اسمه كاملا خوفا على مصيره - على حد قوله، واكتفى بالاسم الأول أحمد: سأغادر إلى الشمال قبل موعد إجراء الاستفتاء. وأضاف: «رغم فرص العمل الكبيرة التي وجدتها في الجنوب من ناحية العائد المادي لكن نخاف على حياتنا حتى من التعبير بالفرح، أن يقود إلى ما لا تحمد عقباه». ورغم أن التاجر الشمالي ظل متجره مفتوحا إلى وقت متأخر - الأسواق تغلق في الخامسة مساء بالتوقيت المحلي لجوبا - إلا أنه قال إن «الأمر مؤقت، معتبرا أن الجنوبيين في جوبا طيبون ولا يحملون عداء للشماليين، ولكن العداء يجيء من الجنوبيين القادمين من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والغرب.. هنا يعرفوننا ويتعاملون معنا بود وحب».

وكانت بائعة الشاي قد دخلت إلى المتجر تجمع أكواب الشاي التي وزعتها، فقال: «هذه السيدة تعمل جواري في متجري لما يزيد على ثلاث سنوات واستضافتنا في منزلها لا أعرف كيف لنا أن نفترق الآن بسبب السياسية». وقال تاجر آخر من الشمال «نحن لسنا مطمئنين ولن نقوم بنقل بضائعنا إلى الشمال لأن ذلك سيعرضنا لخسائر فادحة». واتفق التجار الشماليون الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» على أنهم لم يتلقوا أي تهديدات من أي جهة سياسية أو حكومية في الجنوب. يقول أحمد: «سنذهب إلى الشمال في الرابع من يناير القادم قبل الاستفتاء وسنتابع نتيجة الاستفتاء من هناك».

غير أنه لم يحدد إن كان سيعود في حال انفصال الجنوب، وقال: «حتى الآن لا أعرف، لكننا من المؤكد سنغادر في هذا الوقت، ربما نعود وربما لا»، مشيرا إلى أعداد من التجار والمستثمرين الشماليين مكثوا في الجنوب قرابة 40 عاما وأنهم قرروا البقاء حتى بعد الاستفتاء ولن يذهبوا قبل إجراء الاستفتاء كما قرر هو. وقال: «هؤلاء ارتبطوا بالجنوب أكثر مني».

وفي جوبا هناك أعداد كبيرة من الأجانب خاصة من دول مثل أوغندا، كينيا، إثيوبيا، الهند وحتى الصين.

وقالت عاملة في أحد المتاجر واسمها اغنست وهي أوغندية الأصل لـ«الشرق الأوسط» إنها ستغادر إلى بلادها قبل الاستفتاء خوفا من مصير مجهول، رغم أنها عملت في الجنوب قرابة ثلاثة أعوام وإنها لم تكن متخوفة من قبل.

وقالت: «الأمر يختلف الآن. نسمع أن هناك مشاعر عدائية بين الشمال والجنوب، ونحن أجانب، أين يصبح موقفنا.. هذا ما يجب أن نقرره نحن أو أي شخص بشكل فردي». وأضافت: «العمل في الجنوب أفضل من أوغندا ولذلك سأعود إلى الجنوب بعد ظهور نتيجة الاستفتاء وإذا تحسنت الأوضاع.. أنا أكسب هنا أكثر».

غير أن عددا من أبناء الجنوب تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» وقللوا من المخاوف، وقال إيمانويل صاحب دراجة نارية تعمل كوسيلة مواصلات وتسمى (بودا بودا) «هناك الكثير من الإشاعات التي تطلقها جهات تريد أن تعود الفوضى كما حدث بعد مقتل جون قرنق (زعيم الحركة الشعبية الذي لقي حتفه في سقوط طائرة في يوليو/تموز عام 2005)». وأضاف: «نحن نعيش أجواء حرية ولا يمكن أن نخرب ذلك، التجار الشماليون محل ترحيب وحفاوة، لماذا يتخوفون!»، وقال: «العلاقة بين الشماليين والجنوبيين يجب ألا تخضع لعوامل السياسة»، وأضاف: «علاقتنا قديمة ورغم ظروف الحرب فإن المواطنين تعايشوا مع بعضهم».

وجوبا أكبر مدن الجنوب وتقع على ضفاف نهر الرجاف أحد أفرع النيل الأبيض المنحدر من بحيرة فيكتوريا في أوغندا، أصبحت محط أنظار العالم. ويتوافد يوميا إليها أعداد كبيرة من الغربيين ومن الصينيين والأفارقة والعرب.

ويتحدث سكان المدينة لغات عديدة من بينها اللغة العربية ويتحدث بها غالبية السكان وتعرف بعربي جوبا لأنها تمتزج بلهجات محلية. واللغة الرسمية في المكاتب هي اللغة الإنجليزية، ومع ذلك دخلت كلمات من الإثيوبية، وحتى الصينية للذين يتعاملون مع أصحاب تلك اللغات، وقال أحد الصينيين ويملك محلا لبيع الأثا لـ«الشرق الأوسط» بلغة إنجليزية ركيكة إنهم يجدون صعوبة في التفاهم مع الجمهور لأنهم لا يعرفون العربية ولا الإنجليزية ويحتاجون إلى مترجم، عكس اغنست التي تعمل في متجر مع الشماليين فإنها أصبحت تتحدث اللغة العربية المحلية (عربي جوبا) وقالت إنها وجدت صعوبة في البداية ولكنها الآن تتحدث وتتفاهم بعربي جوبا. ومع ذلك فشلت في أن تردد الأغنية السودانية بالعربي والتي يتغني بها الشماليون منذ عصور.. «جوبا مالك عليَّ.. جوبا شلتي عيني».