حرب بالوكالة بين معسكري نجاد ولاريجاني في إيران

260 نائبا في البرلمان وجهوا صفعة للرئيس بإصدار بيان يشيد بمتقي المعزول

TT

قدمت اتهامات فساد ضد أحد أكثر مستشاري محمود أحمدي نجاد السياسيين الذين يوليهم ثقته، أحدث الأدلة على وجود انقسامات عميقة داخل المعسكر السياسي المحافظ الموالي للرئيس الإيراني وذلك وفقا لتقرير لوكالة (أسوشييتد برس).

ومن الممكن أن يمهد التحدي الصادر عن خصوم أحمدي نجاد - أحدهم رئيس السلطة القضائية - الطريق أمام اندلاع قتال مرير يؤدي بالبلاد إلى لحظة تاريخية حاسمة، خاصة أنه يفصل بينها وبين الانتخابات البرلمانية أقل من عام.

من جهته، أعرب عبد الخالق عبد الله، وهو محلل سياسي إقليمي لدى جامعة الإمارات، عن اعتقاده أن «هذه القضية لن تسقط أحمدي نجاد، لكنها قد تتطور على نحو بالغ السوء. إنها تعكس الساحة السياسية الإيرانية المضطربة حاليا».

كان أحمدي نجاد قد واجه مقاومة داخلية متزايدة من قيادات محافظة - بينها علي لاريجاني، رئيس البرلمان وأحد الشخصيات ذات النفوذ. ويساور هذه القيادات الضيق حيال طبيعة شخصية الرئيس النزاعة للقتال وصلاته المتعمقة بشبكة عسكرية - اقتصادية واسعة يديرها الحرس الثوري، أكبر قوة عسكرية بإيران، الذي قاد حملة إجراءات قاسية ضد الحركة الإصلاحية في أعقاب فوز أحمدي نجاد المتنازع بشأنه بالرئاسة لولاية ثانية العام الماضي.

كانت المشاحنات السياسية الداخلية قد تفاقمت في وقت سابق هذا الشهر عندما أقال أحمدي نجاد فجأة وزير خارجيته منذ أمد بعيد، منوشهر متقي، وهو حليف مقرب من لاريجاني. وندد الكثير من أعضاء البرلمان وغيرهم بالقرار باعتباره دليلا آخر على أسلوب أحمدي نجاد شديد العدوانية. وجاء قرار أحمدي نجاد بطرد متقي انتقاما منه لخلافات بينهما حول قضايا متنوعة بينها السيطرة على المناصب بوزارة الخارجية.

في أعقاب فصل متقي بفترة قصيرة، أعلنت السلطة القضائية، التي يترأسها شقيق لاريجاني، وجود ادعاءات فساد ضد محمد رضا رحيمي، النائب الأول للرئيس الإيراني.

وبمقدور هذه الاتهامات إلحاق أضرار أكبر بأحمدي نجاد وسمعته التي حرص على تعزيزها بمنأى عن الفرق والمؤسسات المالية القوية في إيران، التي يتولى الحرس الثوري إدارة الكثير منها.

وكشفت هذه التطورات عن مناورات سياسية معقدة على نحو متزايد داخل الجمهورية الإسلامية في خضم نضالها في مواجهة عقوبات اقتصادية وضغوط دولية متنامية لوقف إنتاج طهران للوقود النووي.

وأعلنت السلطة القضائية، الأسبوع الماضي، أن رحيمي يواجه اتهامات بالفساد يتعين التحقيق فيها وسيتعين عليه المثول أمام المحكمة. ولم يكشف حتى الآن عن تفاصيل الاتهامات الموجهة له. وسارع رحيمي لنفي الاتهامات الموجهة له، ومن المتوقع أن يطرح رؤيته للقضية خلال مؤتمر صحافي مقرر عقده في وقت لاحق هذا الأسبوع.

في المقابل، أعلن مكتب أحمدي نجاد، الاثنين، مساندته لرحيمي، مشيرا إلى ضرورة التحقيق في الشكاوى التي تقدم بها رحيمي ضد الاتهامات، حسبما ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية.

الملاحظ أن صيحات السخط ضد رحيمي تتعالى منذ شهور، والمعروف أن منصب رحيمي كنائب أول من بين 12 نائبا للرئيس يخول له سلطة مقابلة رؤساء الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوى الآخرين الوافدين لزيارة إيران وترؤس اجتماعات مجلس الوزراء في غياب أحمدي نجاد. في ذلك الوقت، وصف العضو البرلماني المحافظ إلياس نادران رحيمي بأنه «زعيم حلقة الفساد».

والآن، ربما يتحول تحقيق شامل ومحاكمة محتملة إلى صراع بالوكالة ينطوي على مخاطر كبرى بين أحمدي نجاد من جهة ولاريجاني وأنصاره من جهة أخرى، الذين يضمون شقيقه آية الله صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية.

إلا أن المعارك الفورية المرتبطة بهذا الوضع قد تتسم بالعشوائية لانهماك المؤسسة السياسية الإيرانية برمتها حاليا في خطوات مؤلمة لتقليص الدعم الحكومي، والتي زادت أسعار الوقود بنسبة 400%. وتشير هذه الانقسامات نحو الاختبار السياسي الضخم المقبل أمام إيران، الانتخابات البرلمانية مطلع عام 2012، وهي تمثل أول انتخابات كبرى منذ إثارة اتهامات بالتلاعب بالأصوات بعد فوز أحمدي نجاد الانتخابي في يونيو (حزيران) 2009 أسوأ حالة فوضى داخلية بالبلاد منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.

ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان بمقدور حركة المعارضة استعادة عافيتها خلال الحملات الانتخابية البرلمانية، لكن يكاد يكون من المؤكد ترشح لاريجاني وأنصاره في الانتخابات.

وإذا أبلت المعارضة بلاء حسنا في الانتخابات فإن هذا سيترك تأثيرا مزدوجا يتمثل في إحراج أحمدي نجاد وتوصيل رسالة لرجال الدين الحاكمين الذين يملكون كلمة الفصل بالنسبة للمرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2013 لاختيار بديل أحمدي نجاد.

في هذا الصدد، قال حميد رضا شوكوهي، وهو محلل سياسي بطهران: «من غير المحتمل أن يترك الخلاف المتعلق برحيمي تداعيات خاصة على المدى القصير، لكن تأثيره سيتجلى خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة».

إلا أنه يكشف بالفعل عن انحسار الزمرة السياسية المحيطة بأحمدي نجاد. وأوضح شوكوهي أن «أنصار أحمدي نجاد أصبحوا مجموعة محدودة الآن». لكنها لا تزال مجموعة قوية.

ولا يزال أحمدي نجاد يتمتع بدعم أهم قوتين في إيران: الحرس الثوري والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يسيطر على طبقة رجال الدين الحاكمة وسلطاتها غير المحدودة تقريبا. وقد كان هذا كافيا لتخويف خصوم أحمدي نجاد من التمادي في التصدي له. ومع ذلك، تتبدل الأوضاع حاليا لصالح تحديات سياسية أقوى.

على سبيل المثال، أشاد 260 عضوا برلمانيا - وهم يشكلون جميع الأعضاء عدا 30 - في بيان لهم بوزير الخارجية السابق متقي، وذلك في صفعة مباشرة لأحمدي نجاد. والشهر الماضي، وقع العشرات من أعضاء البرلمان التماسا يسعى لاستدعاء أحمدي نجاد للاستجواب بشأن شكاوى من أمور عدة، منها سوء الإدارة المالية. والواضح أن هذه المحاولة تداعت قبل أن تتمكن من حشد عدد كاف من التوقيعات، إلا أنها عزت الشعور بأن أحمدي نجاد يمكن الضغط عليه علانية دون السقوط تحت وطأة غضب المرشد الأعلى.

وعن ذلك، قال شادي حامد، باحث بالشؤون الخليجية بمركز بروكينغز الدوحة في قطر: «حقيقةً تعرض رحيمي لهذا الهجوم المعلن من قبل المحافظين - بل وبعض المتشددين - يوحي بأن درجات الحرارة السياسية آخذة في الارتفاع».